أمام تداعيات المخاطر التي احتوتها وثيقة جمال بن عمر, تتوالى التحذيرات من تمرير هذه الوثيقة التي تلقى رفضاً بين أوساط المجتمع اليمني من غالبية الفئات الشعبوية والنخبوية.. علماء دين وسياسيون, كونها تحمل في مضمونها توجهات نحو تمزيق البلد وإثارة الفتن وإدخال البلد في دوامة التشتت وتمثل تهديداً للوحدة والنسيج الاجتماعي.. وتحذر أوساط سياسية من خطورة تداعيات إصرار الرئيس على تمرير وثيقة بن عمر, الخاصة بحلول القضية الجنوبية والضمانات والتي تلقى رفضاً في أوساط المجتمع اليمنية.. ومن استمرار حالة التصعيد السياسي والديني خاصة واليمن على أعتاب انتهاء فترة الرئيس هادي الشرعية والتي قد يستلزم الأمر تمديدها.. الملف التالي يناقش تداعيات الوثيقة مع علماء دين وناشطين وسياسيين.. حذّرت أوساط سياسية من خطورة تداعيات إصرار الرئيس على تمرير وثيقة بن عمر, الخاصة بحلول القضية الجنوبية والضمانات والتي تلقى رفضاً في أوساط المجتمع اليمنية خاصة العلماء.. حيث كانت هيئة علماء اليمن قد وصفتها (وثيقة بن عمر) بأنها تمثل خروجاً صارخاً على الشريعة الإسلامية وتمثل تهديداً لوحدة اليمن كما أنها أيضاً وفقاً لبيان هيئة علماء اليمن تؤسس لفتن قادمة. بيان علماء حضرموت يعلن رفضه لوثيقة بن عمر التي وصفها بأنها تمثل خروجاً عن الشريعة. أيضاً وفي ذات السياق, أعلن العديد من علماء الزيدية معارضتهم لذات الوثيقة وهو الأمر الذي اعتبره سياسيون منعطفاً خطيراً في مسار التسوية السياسية والثورة الشعبية الشبابية, قد ينتج عنه تشكيل جبهة من شأنها أن توّحد إرادة القوى الرافضة لوثيقة بن عمر وفي مقدمتهم علماء اليمن لإسقاط وثيقة بن عمر, خاصة وأن الحاضن السياسي والشعبي لهذا الرفض قد هيّأته سياسة الحكومة الفاشلة خلال العامين المنصرمين وكذلك فشل سياسة الدولة في إعادة ثقة المجتمع بمؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والتشريعية في الحفاظ على وحدة اليمن وهويته الإسلامية. وأكدت هيئة علماء اليمن أن الوثيقة أحدثت ردود أفعال واستياءً شعبياً واسعاً, وجدلاً سياسياً كبيراً؛ وذلك لتضمنها أموراً خطيرة تمس عقيدة الشعب اليمني وشريعته ووحدته وأمنه واستقراره. واعتبرت الهيئة هذه الوثيقة بأنها تمثل انتهاكاً لسيادة الشريعة الإسلامية؛ حيث جعلت المواثيق والاتفاقيات الدولية هي المرجعية العليا لصياغة الدستور وما يبنى عليه من قوانين بدلاً عن الشريعة الإسلامية, ورهنت شرعية الدولة اليمنية التي تقوم على هذه الوثيقة بكل مكوناتها بمدى التزامها بهذه القوانين والاتفاقيات التي تصادم في كثير من مقرراتها عقيدتنا وشريعتنا الإسلامية, كما تعطل هذه الوثيقة الدستور النافذ الذي يقرر أن الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات, وتتجاوز ميثاق الأممالمتحدة الذي يقرر أن جميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة دولاً حرة مستقلة ذات سيادة وهي متساوية في هذه الحقوق ولا يجوز الاعتداء على سيادتها من أي دولة عضو أو من مجلس الأمن أو من أي هيئة تابعة للأمم المتحدة أو ممثل لها تحت أي ذريعة كانت.. وقال بيان صادر عن هيئة علماء اليمن إن الوثيقة تضمنت بنوداً تفتت اليمن إلى دويلات صغيرة؛ بتقسيمها إلى مركز وأقاليم وولايات وتجعل لكل إقليم وولاية سلطات مستقلة تشريعية وتنفيذية وقضائية على أسس مناطقية وطائفية, وتُقنن الانفصال تحت مسمى حق الشعب في تقرير مكانته السياسية وفق ما ينص عليه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الاتحادية. وأوضح أن الوثيقة احتوت على أسس تعمق الهيمنة الأجنبية وتضع البلاد تحت الوصاية الدولية؛ بدعوة الهيئات الدولية إلى الاستمرار في مراقبة مخرجات الحوار الوطني, ودعم تنفيذها لضمان تطبيقها بإشراف دولي, وهذا إلزام للشعب اليمني بتبني دعوة الدول والأمم للتدخل في شؤونه واستمرار الوصاية عليه, وهذا الذي يرفضه الشعب اليمني ويأباه. وبحسب البيان بقدر ما تمثل وثيقة بن عمر تسهيلا اللتسلط على ثروات الشعب ونهبها عن طريق انفراد الشركات الأجنبية بإبرام عقود الاستكشاف والتطوير لثروات البلاد, مع الولايات المنتجة مباشرة.. فإنها تعمل على مصادرة إرادة الشعب اليمني وحريته في اختيار حكامه ومن يمثله ومصادرة حق الأغلبية تحت مسمى (الديمقراطية التشاركية), الذي يجعل قرار الأغلبية مرهوناً بموافقة الأقلية فتحرم الشعوب من حقها في تبني ما تريد من القرارات والسياسات والخطط والبرامج, كما يزرع النزاع على الدوام بين الأقلية والأكثرية وعدم استقرار الأوضاع. وأكد علماء اليمن على رفضهم الوثيقة وعدم الاعتراف بها ودعوة جميع الأطراف إلى عدم التعاطي معها, داعيين رئيس الجمهورية ومجلس النواب والحكومة إلى تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم والوفاء بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم وأقسموا على التمسك بالكتاب والسنة والحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره, والحفاظ على مؤسسات الدولة. كما طالبوا المكونات السياسية والشعبية والاجتماعية بتغليب المصلحة العامة للبلاد والحفاظ على دين الأمة ووحدتها والحفاظ على الدولة اليمنية الموحدة في إطار الحكم المحلي كامل الصلاحيات؛ الذي يمكن الوحدات الإدارية من القيام بصلاحياتها والاستفادة من مواردها بما يحقق الرخاء لها وللشعب اليمني الحفاظ على وحدة المؤسسة الأمنية والعسكرية واستقلال السلطة القضائية وتجنيبها الصراعات والتقاسمات الحزبية والمناطقية والطائفية. ويبدي سياسيون مخاوفهم من نشوء تكتلِ جديد يضم عريضة واسعة من مكونات المجتمع "علماء ومشايخ ومنظمات مجتمع مدني وأحزاب سياسية ونشطاء في ثورة الشباب لمواجهة وثيقة جمال بن عمر والذي إن تم تشكيله "التكتل الجديد" فلن تقف مطالبه عند إسقاط وثيقة جمال بن عمر وإنما سيرتفع سقف المطالب إلى المطالبة بإسقاط نظام الرئيس هادي وحكومته.. وهو ما يمكن أن يكوّن ثورة شعبية جديدة. وناشد السياسيون الرئيس هادي بالوقوف الجاد تجاه المخاوف التي عبّر عنها وما زال يعبر عنها مكونات عديدة من المجتمع اليمني لها ثقلها ووزنها تجاه وثيقة بن عمر مطالبين الرئيس بالالتقاء بالعلماء وجميع المكونات الرافضة لوثيقة بن عمر والاستماع لوجهة نظرهم وإقناعهم بوجهة نظره التي دعته إلى تبني وثيقة بن عمر وعدم الالتفات إلى تلك المكونات الرافضة. كما حذر السياسيون أيضاً من استمرار حالة التصعيد السياسي والديني خاصة واليمن على أعتاب انتهاء فترة الرئيس هادي الشرعية والتي قد يستلزم الأمر تمديدها. والذي يحتاج إلى إجماع "شعبوي" عريض تمثله جميع مكونات المجتمع اليمني حتى يكتسب ذلك التمديد شكلاً من أشكال المشروعية. معتبرين الاعتماد على مشروعية المتحاورين في موفمبيك بأنها تمثل مشروعية التمديد للرئيس وقصوراً في رؤية وفهم الأركان الدستورية التي يجب أن تتوفر للرئيس هادي لكي يستمد مشروعية بقائه في الرئاسة بعد الواحد والعشرين من فبراير القادم. وهو إن تم الفشل في إيجاد إجماع شعبي عريض يحظى بدعم غالبية مكونات المجتمع فإنه سيدخل اليمن في فراغ دستوري من جهة والرئيس في منازعة قانونية ودستورية حول شرعية منصبه كرئيس للجمهورية من جهة ثانية مؤكدين بأن رافضين التمديد للرئيس هادي يكتسبون تأييداً شعبياً متزايداً وذلك نتيجة لتداعيات وثيقة بن عمر التي من شأنها أن تضيف صفوفاً جديدة إلى صفوف خصوم الرئيس هادي وتحت مسميات عديدة. منوهين بأن وثيقة بن عمر في الغالب ستسقطها الجبهة العريضة الرافضة لها من مكونات المجتمع المدني, لكنها في واقع الأمر تمثل التهديد الأكبر لمستقبل مشروعية الرئيس هادي.