نعيبُ جمهوريتنا والعيبُ فينا    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    الكشف عن استحواذ جماعة الحوثي على هذه الإيرادات المالية المخصصة لصرف رواتب الموظفين المنقطعة    حراس الجمهورية تجبر ميليشيا الحوثي التراجع عن استهداف مطار المخا    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    لمن يجهل قيمة الإنتقالي    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    ريال مدريد يثأر من السيتي ويجرده من لقب أبطال أوروبا    الجنوب ومحاذير التعامل مع العقلية اليمنية    حضرموت تستعد للاحتفاء بذكرى نصرها المؤزر ضد تنظيم القاعدة    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    "سيضيف المداعة في خطبته القادمة"...شاهد : خطيب حوثي يثير سخرية رواد مواقع التواصل بعد ظهوره يمضغ القات على المنبر    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    فيديو اللقاء الهام للرئيس العليمي مع عدد من كبار الصحفيين المصريين    "ليست صواريخ فرط صوتية"...مليشيات الحوثي تستعد لتدشين اقوى واخطر سلاح لديها    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    الرئيس الزُبيدي يطمئن على الأوضاع في محافظة حضرموت    حكومات الشرعية وأزمة كهرباء عدن.. حرب ممنهجة على الجنوب    العين الاماراتي يسحق الهلال السعودي برباعية ويوقف سلسلة انتصارات الزعيم التاريخية    رافقه وزيري العمل والمياه.. رئيس الوزراء يزور محافظة لحج    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    انس جابر تعبر الى ثمن نهائي دورة شتوتغارت الالمانية    استقرار أسعار الذهب عند 2381.68 دولار للأوقية    محافظ المهرة يوجه برفع الجاهزية واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية تحسبا للمنخفض الجوي    وفاة وإصابة 162 مواطنا بحوادث سير خلال إجازة عيد الفطر    توكل كرمان تجدد انتقادها لإيران وتقول إن ردها صرف انتباه العالم عما تتعرض له غزة    إيران: مدمرة حربية سترافق سفننا التجارية في البحر الأحمر    أمين عام الاشتراكي اليمني يعزي الرفيق محمد إبراهيم سيدون برحيل زوجته مميز    عن صيام ست من شوال!    أبناء الجنوب يدفعون للحوثي سنويا 800 مليون دولار ثمنا للقات اليمني    حزب الإصلاح يكشف عن الحالة الصحية للشيخ ''الزنداني'' .. وهذا ما قاله عن ''صعتر''    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وفاة طفل غرقًا خلال السباحة مع أصدقائه جنوبي اليمن    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    مصير الأردن على المحك وليس مصير غزة    محافظ عدن يلزم المنظمات باستصدار ترخيص لإقامة أي فعاليات في عدن    من هم الذين لا يدخلون النار؟.. انقذ نفسك قبل فوات الأوان    باريس سان جيرمان يرد ريمونتادا برشلونة التاريخية ويتأهل لنصف نهائى دورى الأبطال    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    الكشف عن آخر تطورات الحالة الصحية للفنان عبدالله الرويشد    ارنولد: انا مدين بكل شيء ل كلوب    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السعودية تنقلب على الإخوان المسلمين
بعد ثمانين عاماً من الشراكة والتكامل في خدمة الإسلام..
نشر في أخبار اليوم يوم 10 - 03 - 2014

(الإخوان أبطال جاهدوا في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم).. الراحل الملك- فيصل بن عبد العزيز آل سعود عقب حرب نكبة فلسطين 1948م عندما كان وزيراً للخارجية السعودية.. بمثل هكذا رؤية كانت المملكة ترى جماعة الإخوان على مدى ثمانين عاماً وتغير الموقف يوم أمس الأول بإعلان الداخلية السعودية قرارها بإدراج الجماعة ضمن ست جماعات إرهابية فما الذي تبدل وتحول؟
هل تحولت المملكة العربية السعودية إلى دولة (خلف القضبان) كما وصفتها المجلة البريطانية الشهيرة "إيكنومست" الأسبوع المنصرم وهل قررت سلطات المملكة الاستجابة لما ورد في التقرير وتحويله إلى أمر واقع من خلال قرار وزارة الداخلية السعودية يوم أمس الأول الجمعة بتصنيف الجماعات الإرهابية عندما ساوت بين جماعة الإخوان المسلمين ذات الإرث الدعوي والثقافة السياسية الوسطية والانتشار الواسع في أصقاع العالم مع تنظيمات أخرى مثل القاعدة والحوثيين وجبهة النصرة، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، والشام، وحزب الله؟!..
هل تناست المملكة أو تناسى حكامها أو على الأقل من يقفون وراء إصدار القرار, تاريخ العلاقات الاستراتيجية بين المملكة وجماعة الإخوان منذ أيام الملك المؤسس عبد العزيز والإمام المؤسس البنا حتى اليوم, وهل تجهل قيادة المملكة الدور الوسطي الرائد والمكانة الكبيرة لجماعة الإخوان في الخليج, لاسيما في الكويت وقطر وكذا وجود الإخوان كسلطة أو مشاركين فيها في عدة دول تربطها بالمملكة علاقات استراتيجية وطيدة كما هو الحال في الكويت والمغرب وتونس وتركيا وغيرها من الدول، وما هي ردة الفعل لدى أبرز رجال الفكر ومشايخ الدعوة في الخليج العربي على القرار السعودي داخل وخارج المملكة؟..
هل أصابت المملكة والأسرة الحاكمة لعنة (برامكة العصر)، و(ابن علقمييه) من خلال مستشارين أمثال خالد التويجري ووالده ومن على شاكلته من العلمانيين والقوميين المتطرفين وأنصار الفكر الشيعي داخل البلاط الملكي السعودي.. حول تلك الأسئلة وعن مواقف الملوك السعوديين من جماعة الإخوان وردود الفعل تتابع "أخبار اليوم" ملفها التالي:
السعودية تستهدف الإخوان "عربيا"
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن إدراج المملكة العربية السعودية لجماعة الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية، ينقلها من مرحلة الاستهداف غير المباشر بمصر من خلال دعم "الانقلاب العسكري" إلى مرحلة تصعيدية جديدة ضد الجماعة في كافة أنحاء الشرق الأوسط.
وأوضحت الصحيفة أن السعودية فرضت حظرًا كاسحًا على الإخوان من شأنه أن يسفر عن عقوبات بالسجن لفترات طويلة حتى ضد هؤلاء المتعاطفين معها، وبذلك يساوي المرسوم السعودي الجماعة - التي طالما نددت بالعنف - بالمنظمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وحزب الله والدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) وجبهة النصرة.
بداية للقضاء على الإخوان
ويعتبر إدراج الإخوان ضمن التنظيمات الإرهابية هو بداية لجهد سعودي للقضاء على الجماعة، وهو ما يشير إلى حالة الاستقطاب المتفاقمة في جميع أنحاء المنطقة بعد عزل الجيش المصري للرئيس محمد مرسي يوم 3 يوليو الماضي، كما يعتبر القرار أيضا بمثابة بادرة سعودية جديدة لدعم الحكومة المصرية الحالية في جهودها لسحق جماعة الإخوان المسلمين.
التحرك السعودي يوجه أيضا رسالة للجارة الخليجية (قطر)، التي وفرت المأوى والدعم لقادة الإخوان منذ الإطاحة بالجماعة من السلطة في يوليو الماضي، إذ تسببت التغطية الإعلامية المتعاطفة باستمرار مع جماعة الإخوان من قِبل شبكة الجزيرة الإخبارية القطرية في إغضاب القاهرة ودول الخليج.
ودائما ما تنظر الأسرة الحاكمة في السعودية إلى الإخوان المسلمين بعين من الشك والريبة، خوفًا من تبني الإخوان استراتيجية مزج الدين بالسياسة، لاسيما وأن الجماعة تعهدت باحتضان الديمقراطية، حيث تفضل الحكومة السعودية موائمة نفسها مع نهج أكثر تشددا للإسلام (السلفية) الذي يقتضي الإذعان التام للحكام المسلمين, غير أن الإخوان الذين يعيشون في السعودية لم يشعروا بالحاجة إلى إخفاء انتماءاتهم خشية الاعتقال.
ولذلك شرعت المملكة العربية السعودية في شن حملة شاملة ضد جماعة الإخوان المسلمين منذ عزل مرسي، وباعتبارها القوة المهيمنة في منطقة الخليج العربي، يبدو أن السعودية قادت حملة ضد قطر لدعمها الإسلاميين، كان أحدثها سحب كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر لسفرائها من العاصمة القطرية الدوحة، كما تبرعت السعودية وغيرها من دول الخليج بأكثر من 12 مليار دولار إلى الحكومة المصرية الحالية المدعومة من الجيش عقب عزل مرسي.
واعتبرت الصحيفة أن نطاق القرار السعودي بإدراج الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية لا يزال محيرًا، إذ لم يتضح بعد ما إذا كانت المملكة العربية السعودية سوف توسع الوصف الإرهابي ليشمل التابعين أو الحلفاء لجماعة الإخوان في المنطقة، كرؤساء وزراء تركيا والمغرب وحزب النهضة في تونس وأحزاب المعارضة المعترف بها في الأردن والبحرين.
مخاوف من اعتقال في بيت الله
وتساءل محللون عما إذا كانت السعودية سوف تعتقل مسئولي الدول الأخرى من الإسلاميين إذا زاروا مكة المكرمة خلال الحج، فضلاً عن أن الرياض ترتبط بعلاقات وثيقة مع الإخوان المسلمين في سوريا في إطار معركتهم ضد الرئيس بشار الأسد، وقد التقى العاهل السعودية الملك عبدالله مع محمد مرسي قبل أقل من عامين، خلال أول زيارة خارجية له بعد انتخابه رئيسا لمصر، كما أن الولايات المتحدة والدول الغربية لا تعتبر الإخوان تنظيما إرهابيا.
من جانبها، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين- من مقرها في لندن- بيانا أعربت فيه عن أسفها لقرار السعودية بإدراجها علي قوائم الإرهاب، رغم أنها – على عكس الجماعات المتشددة الأخرى المدرجة مع الإخوان في القائمة – لم تصف أبدًا أية حكومة ب"الكافرة" أو بأنها هدف شرعي لأعمال العنف.
وأضاف البيان "لم تأخذ جماعة الإخوان أبدا موقفا عدائيا أو مجابها للدولة، بل إنها بالأحرى تعمل كمستشار أو مرشد للدولة، كما أنها تتعاون مع جميع الدول سياسيا لتحقيق أهداف مشتركة، مثل الحصول على حياة حرة وكريمة".
وقال جمال خاشقجي - المعلق السعودي – في حواره مع شبكة العربية الإخبارية السعودية- إن جماعة الإخوان المسلمين هي الوحيدة على قائمة الإرهاب التي لا تعتبر جماعة مسلحة، متسائلا "ما هي أنشطة الإخوان في المملكة العربية السعودية؟"
ورد خاشقجي موضحا أن أنشطة الإخوان داخل المملكة لا يمكن تحديدها، مشددًا على أن السلطات السعودية تحتاج أولا لمعرفة ذلك من أجل الرد على الجماعة.
ارتداد الصراع السعودي الداخلي يقذف الإخوان
"الصراع السعودي الداخلي على السلطة يرسل بارتداداته عبر الحدود الدولية" تحت هذا العنوان بدأ الكاتب "ديفيد هيرست" مقالته في جريدة الجارديان الحديث عن أن مصر ما بعد الانقلاب هي فقط بداية المتاعب الخارجية للسعودية، وجذر المشكلة قد يعود لألاعيب بلاط الملوك التقليدية.
يقول هيرست لن تكون نهاية هذا العام على ما يرام بالنسبة للرجال الثلاثة من العائلة السعودية الحاكمة الذين انتشرت بصمات أصابعهم حول كل ما يتعلق بالانقلاب العسكري في مصر: الأمير بندر، رئيس الاستخبارات الحالي، والأمير مقرن، رئيس الاستخبارات الذي حل بندر محله والذي يأتي في المرتبة الثالثة بين من ينتظرهم العرش، وخالد التويجري، رئيس الديوان الملكي والحارس على باب الملك.
يتعرض بندر لنقد ناعم وغير مباشر في الصحافة السعودية, فحينما ذكر الكاتب والصحفي السعودي الواصل في صحيفة الحياة جمال خاشقجي أن “رجال الاستخبارات المحليين والدوليين” لم يعودوا قادرين على تغيير التاريخ ولا على إقامة الدول أو صناعة الزعماء الجدد، فهم الكثيرون من قرائه أنه إنما كان يقصد بندر.
ختم جمال خاشقجي مقالته بالقول: “من الخطأ معاندة قوة التاريخ بوهم أن الأقوياء يستطيعون عقد الصفقات وتخطيط المستقبل بعيداً عن الشعوب التي سمحت انقساماتها وقلة خبرتها بالديموقراطية في أن تعبث بها القوة المتماسكة محلياً وإقليمياً ودولياً، إلا أنها لا تزال في حال سيولة وغليان أحياناً. إنها تعرف ما تريد، ولكنها مرتبكة حياله، ولن تقبل بالتأكيد بفاتح يأتيها على حصان أبيض، يقودها نحو فجر مشرق جديد… لقد انتهى عصر الرجل الواحد”.
هذا كلام قوي، ويعتبر بالمعايير الصحفية السعودية كلاماً مباشراً. يعكس هذا الكلام حالة عدم الرضى لدى الدوائر المتنافسة داخل العائلة السعودية الحاكمة عن السياسات التي يتحمل المسؤولية عنها بندر ومجموعته، بمن فيهم وزير الخارجية الحالي.
فما من سياسة من هذه السياسات أثبتت نجاحها.
فمصر، التي كان من المفترض أن تكون الأوضاع فيها قد استتبت والأمور قد هدأت ما تزال في حالة غليان. فخذ على سبيل المثال تقييم الوضع هناك من قبل إتش إيه هيلر، المحلل السياسي المقيم في القاهرة والتابع للمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، والذي كان من أشد منتقدي الرئيس مرسي لما اعتبره إخفاقاته أثناء فترة رئاسته، إذ يصف هيلر الأحداث منذ انقلاب يوليو (تموز) بأنها أعنف ما شهده تاريخ المصر الحديث من قمع تقوده الدولة ضد المصريين.
وهو قمع باهظ التكاليف. المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة هما اللتان تنفقان على الدولة المشلولة في مصر. ومؤخراً، وخلال زيارة قام بها إلى الإمارات رئيس الوزراء المصري حازم البلباوي، فجر الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس وزراء الإمارات، قنبلة حين قال إن الدعم العربي لمصر لن يستمر طويلاً. ولعل هذا ما دفع البعض إلى وصف آخر دفعة مساعدات إماراتية قيمتها 3.9 مليار دولار بأنها أشبه ما تكون بعملية نقل دم إلى مريض لا يتوقف عن النزف.
بين سعودة الاقتصاد العربي وسعودة الدين
من المؤكد أن “السعودة” – أي محاولة تخفيض معدلات البطالة المحلية من خلال خفض أعداد العمال الأجانب الذين يقدر عددهم بتسعة ملايين إنسان – لن تحل مشاكل الديون في مصر. ويذكر أن ديون مصر الخارجية والداخلية حينما أطيح بالرئيس محمد مرسي كانت تعادل ما يقرب من 89 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في مصر. لقد غادر المملكة حتى الآن مئات الآلاف من العمال إثر شن السلطات السعودية حملات تسفير مكثفة على العمال الأجانب غير الحاصلين على إقامات سارية المفعول, تمخضت إجراءات القمع السعودية عن مقتل ثلاثة عمال إثيوبيين في صدامات حدثت في الرياض, من المثير للاهتمام هنا أن ما يقرب من 700 ألف مواطن مصري، أي حوالي 25 بالمائة ممن تعدادهم 2.5 مليون عامل مصري، هم أيضاً مهددون بالطرد، وهؤلاء يشكلون مصدراً للعملات الأجنبية بينما اقتصاد مصر في أمس الحاجة إليه، وكانت هذه الحاجة الماسة هي أحد أسباب سكوت مرسي على دور دول الخليج فيما رآه محاولات فعالة لإفشاله خلال عامه الأول في الرئاسة.
ومصر ليست الجبهة الوحيدة التي لم يوفق فيها بندر، إذا كانت المملكة العربية السعودية بذلت جهداً قليلاً لإخفاء امتعاضها حينما اختار الرئيس أوباما ألا يقصف قوات بشار الأسد في سوريا بعد الهجوم بالأسلحة الكيماوية على إحدى الضواحي خارج دمشق، فإن التفاؤل الذي يحيط بمحادثات الدول الست مع إيران في جنيف يعتبر أسوأ بكثير بالنسبة للمملكة.
كما أن الدعم السعودي للانقلاب العسكري في مصر أثر على العلاقات مع لاعب إقليمي مهم آخر هو تركيا، حيث يوجد نموذج حي لنجاح الإسلام السياسي في دولة علمانية. ولذلك فقد كان حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا داعماً أساسياً للرئيس مرسي وأيضاً لتونس حيث ما يزال ائتلاف حكومي يقوده الإخوان هناك يناضل بصعوبة. كان من نتائج القرار السعودي مساندة الانقلاب في مصر دفع تركيا باتجاه إيران، الخصم اللدود للرياض. حتى أن الرئيس التركي عبد الله غول دعا نظيره الإيراني حسن روحاني للقيام بزيارة رسمية إلى تركيا، ويؤكد ذلك ما ذهب إليه وزير الخارجية الإيراني المعتدل جواد ظريف حين وصف العلاقات الإيرانية التركية بأنها “عميقة الجذور وأخوية”.
إضافة إلى ما سبق، لقد أفرز الحرب التي يشنها بندر على الإسلام السياسي تداعيات كان لها وقعها على حدود السعودية المضطربة مع اليمن, فالرغبة السعودية الجامحة في الحد من تقدم حزب الإصلاح الإسلامي في اليمن دفعت بالسعوديين إلى دعم المليشيات الحوثية التي كان السعوديون من قبل في حرب معها. ويذكر ضمن هذا السياق بأن الزعيم الحوثي البارز صالح هبرة نقل بالطائرة عبر لندن لكي يلتقي برئيس الاستخبارات السعودي.
عدم الرضى في الداخل وعدم الرضى في الخارج يلتقيان عند نقطة واحدة، ألا وهي أن المجموعات المتنافسة داخل العائلة السعودية الحاكمة تتسابق على كسب ود الملك وعلى الخلافة على الحكم. في الوضع الحالي، ولي العهد هو الأمير سلمان الذي يعتقد بأنه يعاني من الخرف، وكان تعيينه في ولاية العهد قد جاء بناء على ترشيح من الملك نفسه، ولكنه المرة الأخيرة التي يتمكن فيها الملك من ترشيح خليفة له, إذا ما انتقل العرش إلى سلمان فإن ولي عهده سيرشحه كيان اسمه “هيئة البيعة”.
وهذا الكيان بات يفضل أحد المنافسين لمجموعة بندر، وهو الأمير أحمد أصغر أعضاء مجموعة الإخوة السديريين سناً، والذي يبدو معارضاً لتوجه مجموعة بندر في السياسة الخارجية السعودية, ولتجنب ذلك، فقد ذهبت مجموعة بندر تحاول ما وسعها ذلك إقناع الملك باستبدال سلمان بمرشحهم لولاية العهد الأمير مقرن.
في الماضي كانت المؤامرات والدسائس المتعلقة بالسياسة الخارجية السعودية يغلفها الكتمان والحذر وتجري من وراء ستار، أما الآن فقد أصبحت عدوانية وعلى المكشوف. لعل مثل هذه المؤامرات والدسائس وليدة نظام ملكي مستبد عفى عليه الزمن أكثر ما يشغله هو الصراع على من يخلف الملك.
ماهو سبب كره آل سعود للإخوان المسلمين؟!
ينتمي آل سعود إلى الاتجاه الوهابي "محمد بن عبد الوهاب" (1703 - 1792)، السعوديون وبرغم انتمائهم إلى الاتجاه الوهابي "السلفي" وال"سلفي التكفيري الجهادي" إلا انهم لا يهتمون إلى خلفيتهم الأيديولوجية "الإسلامية الوهابية" بقدر ما يلتفتون إلى المصالح السياسية واللعبة الدولية واستراتيجية شراكتهم مع الغرب "أميركا بالذات" فبينما يعادي آل سعود أحزابا وجماعات إسلامية مثل "حزب الله" و"تنظيم القاعدة" يتجه النظام السعودي- منذ عشرات السنين- إلى دعم جماعات غير إسلامية أخرى مثل أحزاب يمينية مسيحية لبنانية متطرفة مثل "حزب الكتائب اللبناني".
إذن السبب في العداوة بين النظام السعودي وجماعة الإخوان المسلمين "الدولية" هو عداء سياسي وليس عداءً أيديولوجي بناء على اختلافات فكرية أو اتجاهات دينية.
التفاف سعودي واضح وعداء علني
بالرغم من عدم وضوح العداوة وانتشارها بشكل علني إلا في الفترة الأخيرة، وقد تسبب في هذه الحالة التي بدأت منذ تولي الإخوان المسلمين الحكم في مصر هو دعم قطر "التي هي في خلاف مع السعودية" لهذه الجماعة التي اتجهت إلى الصلح مع إسرائيل وأميركا في إطار التسوية السياسية التي انتهجتها بعد وصولها إلى الحكم.
والنقطة هنا هي أن النظام السعودي كان خائفاً من التفاف جماعة الإخوان المسلمين وعقد علاقة استراتيجية حقيقة مع أميركا، مما يجعل قطر والإخوان في الواجهة وتهميش المملكة العربية السعودية من الواقع السياسي العربي بعد أن تم تهميش مصر "تقريباً" .
كما لا يجب أن ننسى موقف الإمارات العربية المتحدة المعادي للإخوان المسلمين بشكل علني وواضح، ومن الجدير ذمره أن الإمارات العربية المتحدة والسعودية تربطهما علاقات سياسية وأمنية وثيقة للغاية.
العداء أخذ بالانتشار إعلاميا وفردياً أكثر من كونه اتجاهاً للنظام السعودي ككل، فالإعلام السعودي غير الرسمي يهاجم جماعة الإخوان ويصفهم بالجماعة الإرهابية خصوصاً بعد فض اعتصام رابعة العدوية بالقوة وما لحقه من مواجهات وسقوط المئات من الضحايا من الطرفين.
ومؤخراً قام رجل الأعمال والأمير السعودي الوليد بن طلال بطرد الداعية طارق سويدان من إدارة قناة الرسالة المملوكة له بعد أن جهر السويدان بانتمائه للإخوان المسلمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر الإعلام رسالة الطرد هذه موقعة بشكل رسمي من الوليد بن طلال، كما نشرت مواقع إعلامية عن الأمير قوله أن لا مكان لأي إخواني في مجموعة أعماله "التي تضم قنوات فضائية وإعلامية ضخمة وشركات استثمارية كبيرة".
السعودية والإخوان المسلمون: عداوات غير متوقعة
جددت المكاسب السياسية للإخوان المسلمين في مصر الحياة لقوى إسلامية طال قمعها سياسيًا في العالم العربي. في حين يبدو للعيان أنَّ السعودية هي الداعمة للنهضة السياسية للإخوان المسلمين-إخوانهم من السُنة- إلا أنَّ خلافا هادئا ولكن متناميا بين السعودية وتركيا حول التأثير الإقليمي المتزايد للإخوان المسلمين، كشف النقاب عن عداء الأسرة الحاكمة في السعودية طويل الأمد لواحدة من أكبر وأقدم الحركات الإسلامية في العالم.
في أول انتخابات برلمانية في مصر منذ سقوط الرئيس السابق حسني مبارك، فاز حزب الإخوان المسلمين (الحرية والعدالة) بما يقرب من نصف المقاعد المتاحة. ومن المتوقع أن يتولى الحزب وبالتالي جماعة الإخوان المسلمين دورا رياديا في الحكومة المصرية القادمة.
للوهلة الأولى، أن تتولى حركة إسلامية السلطة في واحدة من أهم الدول العربية في المنطقة قد يبدو تطورًا ترحب به السعودية بحماسة، ذلك أن الإسلام فيها مكون رئيس لثقافة الدولة وهويتها السياسية. بالرغم من ذلك، فإنَّ الرياض قلقة بشكل كبير بسبب ازدياد شعبية الحركة السياسية حول المنطقة، والعواقب التي تترتب على نهوض تشكيل جمهورية إسلامية يمكن أن تنزع الملكية المطلقة للعائلة الحاكمة السعودية.
الإخوان المسلمون.. نظرة ريبة من السعودية
عندما تم تأسيس المملكة العربية السعودية بشكل راسخ في عام 1932، كانت جماعة الإخوان المسلمين في مصر لا تزال في مراحلها الوليدة، ولذا لم تُشكل تهديدًا على العائلة الحاكمة في السعودية.
بالرغم من ذلك، لم تظهر في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين جماعة الإخوان المسلمين كحركة اجتماعية سياسية رئيسية في مصر فقط، ولكنها كانت تنتشر أيضًا كتنظيم له امتداد في العالم العربي. في هذه اللحظة من الزمن، بدأت العائلة الحاكمة السعودية تنظر إلى انتشار جماعة الإخوان المسلمين المتألق إسلاميا بنظرة ريبة.. ذلك أن دعوة الجماعة لشكل جمهوري للحكم الإسلامي يمثل تناقضا صارخا للنظام الملكي الذي تستمد منه العائلة الملكية السعودية قوتها.
ولكن قبل التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين ذات الأسلوب الإسلامي، كان على العائلة الحاكمة السعودية التعامل مع تهديد أكبر. كان تأسيس الجمهورية المصرية في عام 1952 تحت زعامة جمال عبد الناصر علامة على بداية علمانية اشتراكية للقومية العربية في المنطقة.
ما لم تستطع العائلة المالكة السعودية منعه هو انتشار الأفكار الإسلامية بداخل المملكة نفسها. وهذا أضحى جليًا في أعقاب حرب الخليج عام 1991.
بدأت القوى الإسلامية السياسية في الصعود إلى السلطة عن طريق الانتخابات، حيثما أُتيحت لهم المشاركة. في عام 2002 وحده، حققت القوى الإسلامية السياسية على طريقة الإخوان المسلمين مكاسب جوهرية في تركيا والمغرب وباكستان في الانتخابات.
وفي عام 2005، خاض مرشحون من جماعة الإخوان المسلمين التي كانت لا تزال محظورة الانتخابات كمستقلين، وفازوا بنسبة 25% من المقاعد البرلمانية. في العام نفسه، فازت جماعة الإخوان المسلمين العراقية بأغلبية المقاعد التي فاز بها السُنة في ثاني انتخابات برلمانية بعد صدام حسين. حتى الجناح المسلح من جماعة الإخوان -حماس- اكتسح الانتخابات في قطاع غزة في أول ظهور انتخابي له في عام 2006.
في قضية منفصلة في البحرين -حيث تحكم الملكية السُنية الأغلبية الشيعية- لجأ حكام السعودية والبحرين إلى دعم كل من جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين فيما يُعد خيارا استراتيجيا أوسع لمجابهة الكتلة البرلمانية الأساسية الشيعية.
وبذلك أًصبحت السعودية محتارة بين جهاديي القاعدة والحركات الإسلامية السياسية, وكانت الدعوات المتكررة من إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش للسعودية ومصر والحلفاء الآخرين المدعومين من أميركا للمُضي قُدمًا نحو إصلاحات ديمقراطية، تشكل عبئا معقدا على المملكة.
فمن وجهة النظر السعودية، سيساعد أي انفتاح ديمقراطي جماعة الإخوان المسلمين وفقط، وسيساعدها على جعل مذهبهم السياسي الإسلامي شرعيا في حين سيتم التشكيك في الملكية.
كانت السعودية قادرة على إدارة هذه المجموعة المنوعة من التحديات في بدايات الألفية، لكن الاضطراب العربي الذي اجتاح المنطقة في عام 2011م، شكل تهديدا مرة أخرى لتقويض استراتيجية الاحتواء السعودية تجاه الإسلاميين.
تم اكتساح الإخوان المسلمين للانتخابات البرلمانية في كل بلد من بلدان الاضطراب العربي تقريبا. تختلف قوة فروع جماعة الإخوان المسلمين بشكل كبير من بلد إلى آخر، ولكن حتى بعد عقود من القمع السياسي لا تزال جماعة الإخوان المسلمين وشركاؤها قادرين على الحفاظ على أوسع وأكثر شبكات المجتمع المدني تنظيمًا.
عندما كان يُحكم بالفراغ في الدول الاستبدادية، كانت شبكات الإخوان المسلمين في موضعها الصحيح لتحويل الدعم الشعبي لخدماتهم الاجتماعية إلى أصوات.. هذه العملية كانت واضحة جدًا في مصر، حيث ظهر الجناح السياسي للإخوان باعتباره الحزب الأكبر في البرلمان, وحققت النماذج الأكثر ليبرالية من الإخوان المسلمين في تونس والمغرب أيضًا مكاسب سياسية هامة في عام 2011.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.