سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رصد لأبرز المدارس والمساجد والمعالم التي طالها الدمار في عدن ولحج والضالع المليشيات تعمدت استخدام المنشآت الحيوية المرتبطة بوجدان السكان، واستخدامها ثكنات ومعتقلات ومقرات لعملياتها..
المليشيات الحوثية وقوات الرئيس المخلوع، لم تغادر وتنسحب من مدن "عدنولحج والضالع" جنوبي البلاد، إلا بعد أن عاثت بمعالمها الأثرية والروحية والتاريخية والثقافية، عبثاً وخراباً ونهباً وتدميراً غير مسبوق في التاريخ الحديث. فما من مدينة مرت بها جحافل تتار القرن- وفق وصف محافظة الضالع- إلا وتركت خلفها دماراً وخراباً مهولاً طال أهم المعالم والمنشآت في تلك المحافظات، وبطرق وأساليب لم تراود حتى الشيطان ذاته، إذ لجأت إلى أهم المباني الأثرية والدينية والسياحية والإدارية وبدناءة وخسة وخبث لا يمكن لإنسان سوي يدعي المروءة والشجاعة فعل تلك الأفكار الشيطانية التي اتبعتها المليشيات أثناء معاركها مع المقاومة والجيش والتحالف. فعند دخولها تلك المدن أول ما فكرت فيه هو سيطرتها على المراكز المهمة ذات القيمة الاقتصادية والوجدانية والتاريخية وليس العسكرية، إما وإذا عجزت عن اقتحامها فتكون أهدافاً لصواريخها المدفعية ولقذائف دباباتها. وابتكرت المليشيات طرقا عدة كيما تنتقم من المجتمع الذي وقف ضدها، فقصفت أهم المنشآت بدءا بالمباني الأثرية والتاريخية مرورا بدور العبادة والمنشآت الاقتصادية والسياحية، وليس انتهاء بكل شيء جميل وبديع وانجاز ومقدس وتاريخ نفيس، كيما تنتقم منه وبشكل همجي أعاد للأذهان تاريخ من الأفعال العبثية للفرق الانكشارية العثمانية. واختارت أهدافها بعناية فائقة لتخفي مسلحيها من ضربات الطيران، وما خفي على الإنسان البسيط هو ما سبق وان ذكره احد المشايخ الموالين للمليشيات والذي كشف في وقت سابق للصحيفة عن أن اختيار تلك المباني لم يكن اختيارا عفويا أو عسكريا ولمقتضيات حربية وإنما خلف ذاك الاختيار أفكارا شيطانية حاقدة هدفها الخراب والدمار لكل منجز ومعلم وارث. وقال مدير عام مكتب الهيئة العامة للآثار والمتاحف بمحافظة الضالع، جنوب البلاد، محمد منقوش، ل"الشرق الأوسط" يعتبر التراث المعماري أحد أهم ركائز التراث الثقافي والحضاري لأي شعب من الشعوب فهو يعكس مدی ما توصلت إليه هذه الشعوب من تقدم في فن البناء والعمارة وما يلحق بها من أنماط تتنوع بتنوع عاداتها وبيئتها فهي قد تجسد في واقع الحال هوية وتراث هذه الشعوب. وأضاف "وقد تتشابه العمارة في مختلف البلدان إلا أن لكل بلد أو منطقة له نكهته الخاصة التي يتميز بها أما عن طريق عناصر البناء أو نمطه أو زخرفته، طبعا يدخل في عناصر البناء المواد المستخدمة وطريقة أو نمط البناء أو ملحقاته كالزخرفة أو غير ذلك.. وأشار إلى أن محافظة الضالع وبالذات مدينة الضالع تكتنز تاريخا وتراثا يعود إلى آلاف السنين، لافتا إلى أن ما يميز مدينة الضالع هو معلم " دار الحيد" الذي يطل شامخا هو والقلعة على المدينة، منوها لأن مبنى دار الحيد مبنى ليس قديما إلا أنه يعتبر أثرا حيث يشير قانون الآثار إلى إمكانية احتساب أي معلم أثرا إذا ما اتصف ببعض الصفات أو المميزات التي تحمل أو تعكس أو تحمل نمط تراثي مميز للمنطقة أو لدوره المميز في تاريخ المنطقة. وأوضح منقوش أن قصر دار الحيد تاريخه مرتبط بتاريخ المنطقة في مرحلة ما من مراحلها التاريخية والسياسة فقد اعتبر أثرا كونه يحمل طابعا محليا في البناء بكل عناصره، مؤكدا توثيقه كمعلم تاريخي من قبل مكتب الهيئة العامة والآثار. وأعرب عن أسفه بتعرض المعلم بحكم موقعه المميز لأضرار سواء أبان الكفاح المسلح على الاستعمار البريطاني أو الحرب الأخيرة التي أتت على كثير من معالم المنطقة ومنها دار الحيد الذي يمثل رمزية معبرة عن مدينة الضالع ونموذجا لتراثها المعماري. وأشار إلى رصيف ويلز، بمدينة التواهي،جنوبعدن، والشهير لدى العامة برصيف السياح، والذي بني على نسق ميناء بومباي في الهند، سنة 1905م، وخلال قرن وعقد من الزمان بات من معالم المدينة البارزة، لافتا لان البوابة ظلت وطوال مئة وعشرة أعوام واقفة في المكان وبطرازها المعماري الفريد والجميل المكون من حجارة وسقف قرميدي مايز ونادر. بدوره، قال د. أمين العلياني، مستشار محافظ لحج، ل"الشرق الأوسط" عن المليشيات قصفت عدد من المعالم الأثرية والتاريخية، أبرزها مدرسة المحسنية وقصر الروضة الذي هو كلية ناصر للعلوم الزراعية في الوقت الحاضر، وقصر الحجر، الذي توجد فيه إذاعة لحج المحلية. وأكد العلياني أن مدرسة المحيسنية كانت مركزاً للإشعاع الفكري والتنويري في الجزيرة العربية وعندما كانت المليشيات تعيش في كهوفها. وكشف عن أن القصر الكبير فيه أرشيف لحج الفني والثقافي والأدبي، لافتا الى نهب بعضه بفعل المتحوثين والخلايا النائمة الموالية لتلك الجحافل الاتية من كهوف التخلف والجهل والعنجهية. وأضاف ان المليشيات اتخذت المعالم الأثرية مقرا لعملياتها هدفه جعل الدمار مبررا من ضربات طيران التحالف ومحاولة من المليشيات إثارة نقمة السكان على قوات التحالف باعتبارها المتسبب بكل هذا الخراب والدمار، فيما الحقيقة ان المليشيات هي من جعل الدمار يطال تلك الآثار والمعالم التاريخية. وقال الكاتب والباحث العدني، بلال غلام حسين ل"الشرق الأوسط" إن المتحف الحربي أول ما تأسس كان عبارة عن مدرسة الإقامة (Residency School) لافتا إلى قصة تأسيسها التي بدأت عام 1866م ومن خلال طلب تقدم به المقيم السياسي لمستوطنة عدن حينها " ميرويثر " والذي طلب من حكومته لافتتاح مدرسة حكومية، وبعد الموافقة افتتحت المدرسة وسُميت بمدرسة (الريسيدينسي) أي مدرسة الإقامة، وكانت هذه المدرسة في بدايات تأسيسها تضم إلى جانب أبناء عدن العرب، أولاد الجنود من الهنود المنضوين في الجيش البريطاني وغيرها من الجنسيات الأخرى المتواجدة في عدن. وأضاف غلام إنه ومنذ بدايات القرن التاسع عشر تحولت التسمية إلى مدرسة السيلة، وسميت بهذا الاسم نظرا لموقعها على مجرى سيلة الطويلة التي يتدفق منها فائض مياه صهاريج المدينة إلى البحر. ودرس وتخرج منها النوابغ من أبناء عدن، وبعد خروج بريطانيا من عدن تحول المبنى إلى متحف وسُمي (بالمتحف الحربي) وبقي كذلك حتى دخول عصابات صالح ومليشيات الحوثي إلى عدن وتمركزهم فيه أسوة ببقية المباني في مدينة عدن التي تمركزوا فيها وهدم جزء كبير من المبنى جراء الحرب الأخيرة ولم يتم ترميمه حتى يومنا هذا. وأشار إلى أن المعلم الآخر هو مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية والتي تأسست عام 1912م وكان أول مدير لها محمد المكي، وفي عام 1947م قام الشيخ محمد عمر بازرعة بوضع حجر الأساس لتوسعة المدرسة وبنائها على الطراز الحديث وبعد وفاته قام بالإشراف عليها أبنه علي محمد عمر بازرعة، وبعد وفاة مدير المدرسة محمد المكي، تولى الشيخ علي محمد باحميش إدارتها. وأسوة بمدرسة الإقامة درس الكثير من أبناء عدن النوابغ في هذه المدرسة التي رفدت عدن بالكثير من الفنانين الموسيقيين وفيها تأسست أول فرقة للكشافة العدنية في عدن. وبعد استقلال عدن عن بريطانيا عام 1967م أُممت المدرسة كغيرها من المرافق وآلت إدارتها إلى الدولة الوليدة وتحولت تسميتها إلى (مدرسة القومية) وبعدها إلى (مدرسة الشهيد ناجي) وبعد توحيد اليمن عام 1990م أعيدت المدرسة إلى مُلاكها الأصليين وأُعيدت لها تسميتها القديمة التي كانت عليه، إلى أن دمرت مؤخرا نظرا لتمركز عصابات صالح والحوثي. وذكرت مؤسسة "أجين" الثقافية، أن أهم المعالم الثقافية التي تضررت بفعل الحرب الهمجية البربرية، منها المتحف الحربي في مدينة كريتر، فهذا المبنى البديع في بنائه، وموقعه في قلب المدينة، وعلى دفتي شارع أخذ أسمه من أسم " المتحف " المعلم التاريخي المكون من طابقين عريضين، بواجهته البديعة ذو الأقواس، والحجر الشمساني، نسبة لجبل شمسان السامق المطل على مدينتي المعلا وكريتر جنوبعدن، فيما أعواد الخشب الأحمر، تضفي عليه لمحة عدنية مميزة. وأوضحت في تقرير حصلت عليه " الشرق الأوسط" أن المتحف الحربي يعد من أجمل المباني القديمة في مدينة عدن القديمة، إذ كان من أقدم المدارس في عدن، بل وفي شبه الجزيرة العربية، وسميت هذه المدرسة وقتها بمدرسة السيلة" ومع قيمته وأهميته، تم استهدافه في الحرب وبلا مبالاة. وقالت إن مدينة عدن القديمة " كريتر "التي ما من شارع فيها أو حي إلا وفيهما معلم وشاهد على تاريخ وحقبة وحضارة، مشيرة إلى أن هذه المحتويات في المعظم ثمينة وهامة، وتم نهب بعضها على مرحلتين؛ الأولى، حين أقدمت مليشيات الحوثي وصالح بسرقة بعض القطع الاثرية الهامة والنفيسة، وتحديدا عقب دخولهم المدينة واتخاذهم المتحف ثكنة عسكرية. وبعد إخراج المليشيات، قام بعض المهمشين بسرقة بعض السيوف والأسلحة القديمة، تم إعادة جزء كبير منها، والجزء المتبقي لا زال بحوزة من سرقوا. ومن معالم المدينة مكتبة الفقيد باذيب الوطنية، نسبة إلى المفكر والسياسي والإعلامي الفقيد/ عبد الله باذيب، فهذه المكتبة الوطنية، بنيت في مطلع الثمانينات في مدينة كريتر التاريخية، تقع في شارع المتحف، وتحوي أرشيف عدن الثقافي، وعدة وثائق هامة، وأرشيف لنسخ قديمة، من صحافة عدن مطلع القرن العشرين. ولفتت إلى حجم العبث والتدمير على ايدي مليشيات الحوثي وصالح، عند اقتحامها للمدينة، إذ كانت المكتبة أول المعالم المتضررة مطلع ابريل، فقد تهشمت واجهتها الزجاجية بالكامل، وتسببت قذيفتين بإحداث فجوتين كبيرتين في مبنى المكتبة، واحدة في الدور الأرضي جهة قاعة الشاعر الراحل لطفي جعفر أمان، أبن المدينة، واحد شعرائها العظام، والأخرى في غرفة مدير المكتبة. واقتحمت مليشيات الحوثي وصالح مدينة كريتر القديمة، واتخذت مسجد الحسيني المعروف بمسجد " خوجة " ثكنة عسكرية لها، متسببة بتدميره بصاروخين فلم يبق منه غير القبتين الجميلتين، مشيرة إلى أن مسجد الحسيني يعد من المساجد الأثرية، ذات الطراز المميز في مدينة عدن، وبني بداية القرن العشرين، أي أن عمره يتجاوز المائة عام، ويتبع للطائفة الشيعية العدنية التي تعيش في عدن بسلام وانسجام منذ قرون ثكنة وسكنا لها. ونوهت إلى أن المسجد سيحتاج لفريق هندسي آثري متخصص لإعادة بنائه بصورته القديمة، ويتطلب الأمر وعيا كبيرا من قبل الجهة التي ستشرف على عملية إعادة الأعمار. وتعرضت كنيسة سانت جوزيف في منطقة البادري في مدينة كريتر جنوبعدن، للعبث والتدمير لمحتوياتها من قبل مليشيات الحوثي وصالح، الذين كتبوا شعاراتهم وصرختهم بجدران الكنيسة. وكانت العديد من المواقع الأثرية والمباني القديمة التي اندثرت ولم يبق لها وجود في عدن تعيش في وجدان أبنائها وما تسليط الضوء عليه هنا إلا محاولة للتذكير بتاريخ مدينة عدن العريق ويتوجب احيائه من جديد وبطريقة متجددة وحضارية تستلهم ذلك الماضي التليد الذي لا ينسى أبداً.