وفاة محتجز في سجون الحوثيين بعد سبع سنوات من اعتقاله مميز    من أسقط طائرة الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" وتسبب في مصرعه "؟    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    إطلاق نار وأصوات اشتباكات.. الكشف عن سبب إطلاق ''مضاد للطيران'' في عدن    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    الجوانب الانسانية المتفاقمة تتطلّب قرارات استثنائية    لماذا صراخ دكان آل عفاش من التقارب الجنوبي العربي التهامي    بن مبارك بعد مئة يوم... فشل أم إفشال!!    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    أقرب صورة للرئيس الإيراني ''إبراهيم رئيسي'' بعد مقتله .. وثقتها الكاميرات أثناء انتشال جثمانه    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    هجوم حوثي مباغت ومقتل عدد من ''قوات درع الوطن'' عقب وصول تعزيزات ضخمة جنوبي اليمن    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    بعثة اليمن تصل السعودية استعدادا لمواجهة البحرين    عودة خدمة الإنترنت والاتصالات في مناطق بوادي حضرموت بعد انقطاع دام ساعات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    أول رئيس إيراني يخضع لعقوبات أمريكا . فمن هو إبراهيم رئيسي ؟    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جبهة الأطباء.. وجه آخر للمقاومة في تعز
حيث المشرط والسماعة يوازيان الدبابة والمدفع..
نشر في أخبار اليوم يوم 07 - 03 - 2017

من على منصة التكريم كان محافظ تعز/ علي المعمري يصرخ من أمام مجموعة أطباء:" إن سماعة الطبيب في تعز لا تقل أهمية عن الدبابة والسلاح بيد المقاومة".
من يستمع للطبيبة في قسم المختبرات بمستشفى الثورة/ أسمهان علي، بينما تحكي كيف عملت في أحايين كثيرة وهي مختبئة تحت الطاولات لشدة القصف على المستشفى الحكومي الأكبر بالمدينة، يؤمن بهذه المعادلة.
وبالفعل قام أطباء تعز بدور بارز طوال فترة الحرب، رغم الظروف الصعبة والخطيرة التي عاشتها المدينة عقب اجتياح الحوثيين للمحافظة.
تسببت تلك الحرب بنزوح آلاف المدنيين إلى ريف تعز، ومحافظات أخرى، فضلا عن النزوح داخل المحافظة ذاتها من حي لآخر، بحثا عن الأمان.
الأطباء كغيرهم اضطرتهم الحرب لمغادرة المحافظة، حفاظا على حياتهم وأسرهم، فأغلقت المستشفيات أبوابها، والصيدليات وعديد من المختبرات.
وكثيرا ما كانت رحلة البحث عن طبيب شاقة للغاية، وعانى منها أبناء محافظة تعز، وتحديدا في سنة الحرب الأولى (2015م).
العمل تحت القصف
كان الطبيب أحمد فرحان، الذي يعمل في مستشفى الروضة التخصصي بتعز، واحدا من بين عدد قليل من الأطباء الذين قرروا المخاطرة بحياتهم، من أجل إنقاذ عشرات المرضى والجرحى الذين حصدتهم آلات الموت التي لدى الانقلابيين.
لم يتخيل يوما الدكتور فرحان، المتخصص في أمراض الباطنية، أن يعمل في قسم الطوارئ ويقوم بدور الجراح، نظرا لعدم وجود أطباء آخرين، عقب نزوح أغلبيتهم.
بعد اندلاع الحرب في تعز، أغلقت كل المستشفيات ما عدا الروضة، الذي ظل فاتحا أبوابه أمام المدنيين وجرحى القوات الشرعية.
ونتيجة لغياب الكادر الطبي من أطباء وممرضين، تم إغلاق جميع العيادات في المستشفى، وتحويلها لاستقبال الجرحى، ولم يبقَ إلا قسم الرقود، والطوارئ فقط لمساعدة المصابين.
يقول د.فرحان ل" أخبار اليوم": كان يوجد في قسم الطوارئ 5 أطباء، لكن لم يبقَ منهم إلا اثنين أحدهما أنا.
يضيف:"عملت 12 ساعة يوميا منذ الثامنة صباحا وحتى الثامنة مساء، مستقبلا عديد من المرضى، وعشرات الجرحى من المدنيين وأفراد المقاومة الشعبية والجيش، وزميلي كان يعمل في الفترة الثانية".
يصف فترة عمله تلك ب" المريرة والصعبة في الأشهر الأولى"، ويوضح:" كان استيعاب المستشفى لعشرات الجرحى الذين يتساقطون وأغلبهم من المدنيين صعبا للغاية، جراء استمرار القصف العشوائي، فضلا عن قيامي بدور الجراح برغم اختلاف تخصصي".
ويتذكر د. فرحان بأسى بالغ، عشرات الجرحى والمرضى الذين كان وضعهم خطرا، ولم يتمكن الروضة من استقبالهم، لقلة الإمكانيات، ليتم عقبها تحويلهم إلى مستشفى اليمن الدولي الذي كان وما يزال خاضعا لسيطرة الانقلابيين.
ما يوجع الطبيب المختص في الباطنية، هو وفاة عديد من تلك الحالات، بسبب صعوبة التنقل والذهاب إلى مستشفى اليمن الدولي، وتعرض الكثير منهم لمضايقات واستفزاز من قِبل الانقلابيين في نقاط التفتيش التابعة لهم، ما أدى إلى تأخر حصول بعض أولئك على الرعاية الطبية اللازمة، وموتهم قبل وصولهم.
وفي الوقت الذي كان بعض الجرحى المدنيين أولي حظٍ، كان جرحى القوات الشرعية يموتون بسبب استحالة إرسالهم إلى مستشفى اليمن الدولي الخاضع لسيطرة الانقلابيين.
قلة في الإمكانيات وشحة في الأدوية، ومع ذلك يشعر د. فرحان بسعادة بعد تمكنهم من إنقاذ العشرات، ويؤكد" هي تجربة مريرة خاصة في ظل الحصار الذي عانت منه المدينة، ما أدى إلى انعدام اسطوانات الأكسجين فذهب ضحية لذلك عشرات المرضى".
خف العبء بعض الشيء على الطبيب الأربعيني إثر عودة بعض الأطباء رويدا رويدا إلى المحافظة، بعد أن شعروا بمسئوليتهم تجاه التعزيين وبواجبهم الإنساني، فأصبح من السهل استدعاء بعض الجراحين للمستشفى لمساعدة كثير من الحالات المتضررة، وعمل الجميع وبإمكانيات متواضعة، في ظل سقوط العشرات من الجرحى والقتلى يوميا أغلبهم من المدنيين، ما أدى إلى الاستعانة بطلاب الطب من مختلف السنوات لإسعاف الجرحى.
رغم الجهود المضنية التي قام بها د. فرحان في أكثر الأوقات الحرجة التي عاشتها تعز، يشكر الطبيب الله الذي مكنه من القيام بواجبه رغم التقصير.
ويتابع" الوضع فيه مخاطرة ونسبة التعرض للإصابة او القتل بسب بالقصف العشوائي كبيرة، خاصة أن مستشفى الروضة كان وما يزال أحد أهداف الانقلابيين الذين قصفوه عدة مرات".
وما يزال يتذكر يوم أن أصيب اثنين من العاملين في المستشفى بجراح خطيرة، نتج عنها وفاة أحدهما، حين كانا يستقلان باصا متجهين إلى عملهم، فباغتتهم قذيفة قرب الروضة.
لكثرة الحالات التي مرت على د. فرحان لا يتذكر مشهدا معينا بكافة تفاصيله، لكنه يقول" لكل جريح أو شهيد مع أهله مواقف مبكية ومؤثرة، لقد رأينا الأب يبكي على فراق أطفاله، والأم على فراق أهلها زوجها وأبنائها".
ثبات الجرحى من أكثر الأمور التي تركت أثرا في نفس د. فرحان، يتذكر عديد من الذين ينزفون وحياتهم مهددة بالخطر، لكنهم كانوا ينطقون بالشهادة ويطلبون منه مساعدة زملائهم الجرحى معتقدين أن وضعهم أشد خطورة منهم.
يذكر د. فرحان كذلك كلمات شقيق أحد الشهداء الذي كان يقول لأخيه" أنا اللي خيبة وأنتم المِلاح يا إخواني".
ويقصد بذلك أن الله اختار أخاه الذي استشهد في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، والآخر الذي جاء ليودعه أواخر فبراير/شباط 2017، ولم يختره هو لينال الشهادة، فما كان منه إلا أن يقبله ويعده أن يبقى وفيا لأجل تعز واليمن.
يعتبر د. فرحان دوره وطني وإنساني ونوع من المقاومة للحفاظ على أرواح البشر، والتقاعس والتقصير هو ذنب كبير بالنسبة له.
ويشعر بالأسف لترك عديد من الأطباء المحافظة ونزوحهم، مخلفين أبناء تعز لأنينهم وجراحهم، لكنه لا يلوم أحدا فالوضع من الصعب أن يحتمله الكثير من الناس.
يردف د. فرحان" بالقول" أغلب الناس نسوا أن هناك مرضى بأمراض مزمنة كالفشل الكلوي، والسرطان، والضغط والسكر، وتوفي عديد منهم أمامه طوال الأشهر الماضية، دون أن يستطيع تقديم لهم خدمة نتيجة لانعدام الأدوية اللازمة، خاصة أن البعض لا يستطيعون مغادرة المحافظة لجلب الدواء من خارجها نتيجة لطول الطريق جراء الحصار الذي تعانيه تعز".
فصول من المعاناة
لمدة سنتين ظلت الطبيبة في مختبرات مستشفى الثورة بتعز لا تعرف شيئاً عن أسرتها.. "أهلي نزحوا لمدينة إب ولم أعرف حينها حتى أين هم، وظلينا فقط نتواصل هاتفياً لمدة سنتين والتقينا مؤخراً".. كانت أسمهان تعيش وجع تشتت أسرتها وفراقها عنها، لكن ذلك لم يمنعها من مواصلة عملها إلى جانب زميلين لها وسط ظروف صعبة ومخيفة للغاية فرضتها الحرب الدائرة بالمدينة المحاصرة..
بعد أربعة أشهر من النزوح إلى مدينة القاعدة بمحافظة إب، التي فرت إليها من ويلات الحرب، وجدت الطبيبة أسمهان نفسها مجبرة على توديع أسرتها التي رحلت إلى وجهة مجهولة بمدينة إب، والعودة إلى تعز لممارسة عملها..
برغم أن النزوح كان أحد الخيارات المتاحة أمام د.فرحان، لكن واجبه كطبيب وكإنسان، وكذا واجبه الديني والأخلاقي والوطني، كان دافعه لتحمل الظروف الصعبة تلك التي فرضت على أبناء تعز.
وهو الأمر الذي تتفق معه، الطبيبة أسمهان علي محمد، التي تعمل بقسم المختبرات الطبية، بهيئة مستشفى الثورة العام بتعز، ونزحت كغيرها من المدنيين الذين فروا من ويلات الحرب إلى خارج تعز، ومكثت أربعة أشهر في مدينة إب، لتعود إلى المحافظة في سبتمبر/أيلول 2016، التي كانت تحت القصف.
تروي د. أسمهان ل" أخبار اليوم" بوجع كبير:" في هذه المدينة المنكوبة من لم يمت بقذائف الحقد الأسود القادم من شمال الشمال، كان يموت نتيجة مرض الضنك الذي حصد أرواح تضاهي ما حصدته الحرب، وكنا أكبر مركز في مستشفى الثورة لاستقبال تلك الحالات ونقل الصفائح".
وتتابع:"عدت لتعز حين علمت أن كل الكادر الذي يصل عددهم إلى 710 بين ممرض وطبيب ومخبري وغيره، لم يعد هناك منهم غير47 فرد هم من شكلوا آنذاك لجنة طبية مصغرة".
في قسم المختبرات الذي تعمل به د. أسمهان كان عدد الموظفين يصل إلى 50 مخبريا في الأيام العادية، ولم يتبقَ منهم سوى اثنان فقط وهي الثالثة.
تقول:"كان المرضى يتوافدون علينا بغزارة ومعظمها حالات صعبه للغاية، أطلقنا نداءات لحضور متطوعين لمساعدتنا، وكنا لا نستطيع أن نأكل أو ننام لكثرة المرضى الوافدين إلينا".
خلال فترة وجيزة ونتيجة لإغلاق كثير من المختبرات استقبلوا في الثورة 60 ألف حالة، وتضيف" كان الموت يحاصرنا والوجع يكبر مع حصار الدحي، وكل أهلي نازحين، ومدينة خالية إلا من أصوات القذائف التي كانت تنهال علينا بغزارة ليل نهار".
ونتيجة لتعرض مستشفى الثورة للقصف لأكثر من مرة، عملت د. أسمهان في أحايين كثيرة وهي مختبئة تحت الطاولات لشدة القصف، فلقد أصيب 21 شخصا من كادر المستشفى وسقط أحدهم شهيدا.
كانت المسافة بين مكان عملها والسكن 4 متر فقط، لكنها كما تؤكد د. أسمهان كانت بحجم سنين" فكم رأينا الموت كرأي العين، وتوجعنا من الحصار الخانق الذي فرض على مداخل المدينة، ولم نجد حتى الماء وكثيرا ما شربنا ماء ملوثا".
"مررت ولمرة من معبر الدحي لأجد هوان الدنيا، حين شاهدت حوثيا يدفع المرأة حتى سقطت على الأرض، وأشهر سلاحه وأطلق الرصاصة في الجو، لأن تلك المرأة أرادت أن تملأ اسطوانة الغاز، فأطفالها لا يجدون ما يأكلون": هكذا أردفت الطبيبة العاملة في مستشفى الثورة.
ما تزال ذاكرتها تعج بكثير من قصص معبر الدحي التي شاهدتها أثناء مرورها عبره، فهي لن تنسى المرأة التي تم إسعافها للمشفى، بعد أن صفعت حوثيا في معبر الدحي، فأطلق عليها رصاصة من الخلف.
تتذكر تلك الأيام العصيبة، التي أطلق المستشفى فيها عشرات نداءات الاستغاثة، من أجل التبرع بالدم لإنقاذ الجرحى الذين يتساقطون يوميا جراء القصف، ولم تجد وصفا لذلك غير قولها" حتى استنزفنا المتبرعين"، فجريح يسعف جريح، وآخر يبكي شهيد.
وما جعل تلك الطبيبة أن تستمر بعملها برغم تلك الظروف الخطيرة وتتحدى الموت، لخصت السبب د. أسمهان بقولها" تعز مدينة تتوجع ولكن لا تموت".
المستشفيات.. فريسة الاستهداف
ذكرت منظمة الصحة العالمية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أن أكثر من نصف المرافق الصحية في اليمن إما أغلقت أبوابها أو ما تزال تعمل بجزء من طاقتها، وإن المستشفيات تعاني نقص حاد في عدد الأطباء في أكثر من 40%.
وتابعت إن 49 مديرية تفتقر تماماً للأطباء، كما أن 42% من إجمالي المديريات لديها طبيبين أو أقل.
أما عدد الأَسّرة المتوفرة في المستشفيات، فقد بلغ 6.2 سرير لكل 10,000 من السكان، وهو ما لا يلبي المعيار الدولي الذي يتطلب 10 أَسرة على الأقل لكل 10 آلاف من السكان.
وفي السابع عشر من يونيو/حزيران 2016 ذكر تقرير صادر عن هيئة مستشفى الثورة بتعز، أن المستشفى تعرض للاستهداف بالرصاص والقذائف 17 مرة.
يقول الناشط الحقوقي شعيب القديمي أن جرائم الانقلابيين كجرائم حرب ضد الإنسانية، وتحديدا في محافظة تعز المحاصرة منذ قرابة عامين.
ويتابع ل" أخبار اليوم": مارست فيها مليشيات الحوثي أبشع الجرائم، بحصارها لها، وقصف الأحياء السكنية، واستهداف المستشفيات، وهو ما أدى إلى زيادة عدد الضحايا.
واستطرد:" حتى الحرب لها أخلاقيات يعرفها العالم، كعدم التعرض للطواقم الطبية، أو قصف المستشفيات ومخازن الأدوية، ولكن تلك العصابة مارست جرائم حرب بحق أبناء اليمن عامة وتعز خاصة".
الجدير بالذكر أن 643 مريضا بالسرطان فقدوا حياتهم خلال 2015 جراء الحصار الذي تشهده تعز، فضلا عن عدم توفر الأدوية اللازمة، وعدم قدرة الكثير من المرضى على الوصول إلى المستشفى نتيجة لصعوبة الطريق.
الرعاية الصحية في ظل الحصار
في إفادتها بتعرض المرضى والقائمين على رعايتهم للإصابة على جانبي خطوط الجبهات في المدينة جراء القصف والغارات الجوية بينما كانوا يتوجهون لعملهم، تبدي منظمة أطباء بلا حدود امتعاضها من عدم إبداء أطراف النزاع في تعز احتراماً لمبدأ حماية المدنين.
تقول المنظمة الدولية، في أحدث تقرير لها: لا يُبدي أي طرف من الأطراف المتنازعة في تعز احتراماً لمبدأ حماية المدنيين.
وتؤكد تعرض العاملين الصحيين والمدنيين لإطلاق نار على يد القناصة بينما كانوا يمشون في الشوارع خارج منازلهم، وللتشويه بسبب الألغام الأرضية بينما كانوا يرعون المواشي.
ويشير تقرير أطباء بلا حدود حول وضع الرعاية الصحية بتعز إلى أن العنف طال الخدمات الطبية، إذ تعرضت المستشفيات بشكل متكرر للقصف وإطلاق النار، وأصابت غارة جوية إحدى العيادات، وتعرضت كذلك سيارات إسعاف لإطلاق نار أو تمت مصادرتها أو اقتحامها من قبل المسلحين.
ويضيف:" قتل الموظفون الطبيون كذلك وهم في طريقهم إلى العمل، وتعرضوا للمضايقات والاعتقال والتهديد وأجبروا على العمل تحت تهديد السلاح. ويعرّض العاملون في المجال الصحي أنفسهم للخطر أكثر فأكثر بالعمل في تعز، ويخشى كثيرون خسارة أرواحهم في أثناء العمل".
وتشدد المنظمة على أنه لا بدّ أيضًا من حماية المستشفيات والعاملين في المجال الصحي. وأنه لا يجب أن يخاف المرضى أو الموظفون الطبيون خسارة حياتهم عندما يحاولون الوصول إلى المستشفيات أو الحصول على الرعاية الطبية.
وتطالب منظمة أطباء بلا حدود بإلحاح جميع الأطراف المتنازعة في تعز باحترام القانون الإنساني الدولي: ضمان حماية وحياد المرافق الطبية والموظفين الطبيين، والسماح للجرحى والمرضى بالوصول إلى الرعاية الصحية وتسهيل وصول المساعدات الطبية والإنسانية.
وقالت: تعتبر تعز مثالاً صارخاً للحاجة الملحة لمزيد من المساعدات الطبية، لا سيما الرعاية الصحية الأساسية، فالمستشفيات والمراكز الصحية العامة بحاجة إلى دعم منتظم ينبغي مراقبته وبيانه على نحو مناسب.
وأكدت على وجوب تعزيز المساعدات الإنسانية وأن تصل إلى الفئات الأكثر ضعفاً مثل النازحين الذين يعيشون في أماكن إيواء مؤقتة والسكان الذين يقطنون في المناطق المتأثرة بشدة من القتال.
كما طالبت جميع أطراف النزاع تسهيل عمليات وصول النساء الحوامل والمرضى والجرحى إلى الرعاية الصحية.
وأوضحت أن الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة ميسورة التكلفة قد تضرر بشكل كبير. وأنه بعد ما يقرب من عامين من الحرب، ما تزال المساعدات الإنسانية والطبية عاجزة عن تلبية الاحتياجات الأكثر أساسية للأهالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.