عقب فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية في الثامن من نوفمبر العام الماضي حتى توليه مهمات الرئاسة رسمياً في عشرين يناير الماضي، طرحت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية سؤالاً تردد كثيراً، وهو: "هل يرث ترامب سياسة أوباما لاغتيال الشخصيات التي تمثل خطراً على واشنطن عبر برنامج الطائرات بدون طيار؟". لكن الإجابة لم تتأخر كثيراً، كما أكدت المجلة، وجاءت خلال الأيام الثلاثة الأولى لرئاسة ترامب، متمثلة في شن هجمات بطائرات بدون طيار وإنزال جوي أميركي في محافظة البيضاء وسط اليمن أواخر يناير المنفرط. لقد كان قرار مضاعفة عدد القوات الأميركية والضربات العسكرية في اليمن من أولى القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي ترامب فور تسلمه منصبه. عقب الفوز أيضاً كتب مارك ريفكين وأحمد مهيدي، في مجلة "شؤون دولية" الأميركية، أن "الجهاديين مبتهجون بتولي ترامب سدة الرئاسة، حيث يعتقدون أنه سيقود الولاياتالمتحدة إلى مسار تدمير نفسها"، لكن الأخبار القادمة من اليمن لا تحمل بشائر خير للجهاديين. بعد أن نفذت قوات أميركية خاصة عملية إنزال قالت أنها ضد تنظيم القاعده في محافظة البيضاء، وسط اليمن في 29 يناير 2017، شنّت مقاتلات ودرونز أميركية سلسلة غارات استهدفت المتشددين. وصحب هذه العملية إطلاق أول عملية للقوات البرية في اليمن منذ عامين. وبقدر ما تكون الضربات الموجهة لتنظيم القاعدة، الذي يعتبر اليمن الحصن الرئيسي له، مؤثّرة فإن ذلك يعني ترجمة ميدانية لوعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن أميركا ستخوض معركتها الكبرى ضد التنظيمات المتشددة. حلول الأزمات وبدأت ملامح وحجم التدخل الأميركي المباشر يتضحان عقب الإنزال الذي نفذته القوات الأميركية خلال يناير في قرية "يكلا" على الحدود بين محافظتي مأربوالبيضاء.. وأثار ذلك غضبا في صفوف الأميركيين والحقوقيين الذين يرون أن الحملة ضد تنظيم القاعدة تؤدي إلى جملة من النتائج المختلطة، فبالتوازي مع القضاء على الرؤوس المتشددة تتسبب في قتل الكثير من الأبرياء. وفيما يستمر الجدل حول الطائرات دون طيار وما تسببه من مكاسب وخسائر، تمضي الحرب في اليمن قدما ضد التنظيمات المسلحة كالقاعدة وداعش، كما تراها سياسة الولاياتالمتحدة. ولا توحي سياسة الرئيس دونالد ترامب ولا خلفية وزير دفاعه المخضرم جيمس ماتيس، الذي قاد الحروب الأميركية في الشرق الأوسط وفي أفغانستان، بأن هذه التنديدات يمكن أن تؤثر في قرار زيادة القوات أو عدد الضربات الجوية، أو في التراجع عن استعمال الدرونز طالما هي قادرة على دحر الإرهاب. بنظرة سريعة على طاقم ترامب العسكري، نجد أنه طالما أيد حرب الطائرات بدون طيار، مثل مايك بومبيو رئيس الاستخبارات المركزية الذي صرح بأنه يجب إعطاء ترامب الحرية في اتخاذ القرارات، خاصةً عندما يتعلق الأمر بشخص يحاول قتل الأمريكيين. علاوة على وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس الذي نادى بتصعيد الهجمات الجوية في اليمن، حسبما أوضح كبير الباحثين بالمركز العربي للبحوث/ هاني سليمان، الذي يؤكد أن هناك إشكاليتين تواجهان ترامب في استخدام هذه الإستراتيجية. موضحاً أن الإشكالية الأولى تتمثل في أزمة الشفافية والشرعية، خاصة أن هناك جدلاً كبيراً حيال مدى سماح القانون للدولة الفدرالية باغتيال مواطنين أمريكيين باسم "الحرب على الإرهاب"، وهو ما تصاعد مع مقتل الأمريكي اليمني أنور العولقي، أحد أبرز قادة تنظيم القاعدة، في سبتمبر 2011. أما الإشكالية الثانية فتتعلق بالقتلى من المدنيين، خاصة أن بيانات مكتب الصحافة الاستقصائية في لندن تشير إلى أن نحو 745 مدنياً قتلوا بسبب هذا البرنامج خلال فترة أوباما. وشدد الباحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية/ محمد حامد على أن الفريق الرئاسي لترامب يميني متطرف يؤيد الحلول العسكرية لإنهاء الأزمات. أهداف مشتركة وفي إشارتهم إلى التقاء جدية واشنطن في محاربة مايسمى الجماعات المتشددة في اليمن مع أهداف القوات اليمنية وجهود البلدان الإقليمية، وعلى رأسها السعودية، للحيلولة دون سقوط اليمن بأيدي هؤلاء ومنعه من أن يصبح محمية إيرانية، ويتحوّل إلى منصّة تهديد حقيقية لأمن المنطقة. يذهب مراقبون إلى أن الحكومة اليمنية والتحالف العربي مقتنعان إلى حد بعيد بالسماح لواشنطن بتنفيذ عمليات ضد الجماعات المسلحة مقابل استمرار دعمها للشرعية اليمنية بمنأى عن المخاوف التي يحاول بثها إعلام الانقلاب بالحديث عن اختراق محتمل للجيش الوطني من قبل جماعات إرهابية. وهو الأمر الذي لم يستطع الانقلابيون إثباته بل تراجع إلى حد بعيد عقب تمكن قوات من التحالف العربي من تحرير مدينة المكلأ، في أبريل 2016، وفقاً لتقرير نشرته جريدة العرب. وتأتي الضربات الأميركية إلى جانب التدخل العسكري اليمني بالتعاون مع التحالف العربي لتشكل حصارا لتنظيم القاعدة، الذي نجح في استغلال حالة الفراغ الأمني السائدة في الكثير من المناطق وخرج من مخابئه في الجبال اليمنية، التي لجأ إليها منذ أن اشتد قصف الدرونز، والذي حصد خلال السنوات الماضية رؤوس معظم قيادات الصف الأول في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وأشارت عدة تقارير إلى أن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح المتحالف مع الحوثيين المرتبطين عضويا بالنظام الإيراني عمل على تحريك القاعدة، مستفيدا من علاقة المصالح المشتركة التي عقدها مع المتشددين طيلة سنوات حكمه، وذلك بهدف زيادة الضغط على القوات الشرعية. خيوط السياسة وتدفع هذه التقارير إلى ربط خيوط السياسة الأميركية في اليمن، فضرب القاعدة وتنظيم داعش، في جزء منه حرب على الإرهاب، لكنه أيضا يعني، وفقاً لمراقبين، خطوات متقدمة نحو فرض الاستقرار في اليمن، خصوصا في سياق التقدم الذي تحرزه قوات دعم الشرعية بدعم من التحالف العربي،. وذكر فريق خبراء مجلس الأمن الدولي الخاص باليمن في تقرير صدر أواخر يناير 2017 أن تنظيم القاعدة عقب انسحابه من المكلا لم يستطع السيطرة على أجزاء مماثلة من الأراضي. وانحصرت أنشطته في تنفيذ هجمات ذات ثلاث فئات: انتحارية وبمدافع الهاون وزرع العبوات على جانبي الطرق. ذكرت واشنطن أن أجهزة الاستخبارات الأميركية وضعت يدها على "كنز" من المعلومات الأمنية، حيث عثرت في المحتويات الإلكترونية التي استولت عليها القوات الأميركية الخاصة عقب عملية البيضاء في 29 يناير على "أدلة على أن فرع التنظيم في جزيرة العرب يخطط للتحرك ضد المصالح الأميركية". وقال المتحدث باسم البنتاغون، جيف ديفيس، إن تكثيف العمليات ضد عناصر وقادة القاعدة باليمن “جزء من خطة لمطاردة هذا التهديد الفعلي، والتأكد من إلحاق الهزيمة بهم وحرمانهم من فرصة التآمر وشن هجمات إرهابية من مناطق غير خاضعة للسلطة”. وأشار إلى أن "القاعدة تستفيد من المناطق الخارجة عن نطاق السلطة في اليمن، من أجل إعداد أو توجيه هجمات إرهابية ضد الولاياتالمتحدة وحلفائها"، مؤكدا أن "القوات الأميركية ستواصل العمل مع الحكومة اليمنية من أجل التغلب على القاعدة". تمهيد الحرب وكان هذا الكشف تمهيدا لعمليات أوسع شملت بعد ثلاثة أيام محافظاتشبوةوأبينوالبيضاء من خلال عمليات إنزال وقصف مركزة طالت وادي "يشبم" في شبوة وجبال "المراقشة" في أبين ومناطق من "قيفة" و"الصومعة" في البيضاء. فيما يذهب مراقبون إلى ضرورة مواجهة تنظيم القاعدة والقضاء عليه كقوة تهدد وجود الحكومة الشرعية في المحافظات المحررة من الحوثيين جنوبي البلاد، يرى آخرون أن إشعال حرب أخرى سيؤدي إلى المزيد من تعقيد الأوضاع. وكشف تقرير مجلس الأمن عن تعرض تنظيم القاعدة في جزيرة العرب طوال عام 2016 إلى أكثر من 30 ضربة أميركية بالطائرات دون طيار ما تسبب في مقتل 139 فردا. ويرشح أن ترتفع الخسائر في صفوف القاعدة بعد أن نشرت واشنطن مجموعات صغيرة على الأرض للمساعدة في العمليات العسكرية التي تستهدف التنظيم. وفي رصده للغارات الأميركية باستخدام الطائرات بدون طيار حول العالم ذكر موقع "ميبانيوز" التركي للدراسات الاستراتيجية أنه خلال الفترة من 2002- 2016م بلغ عدد الهجمات في اليمن 115- 135 هجمة وصل عدد القتلى فيها بين 523- 757 شخص، وكان عدد القتلى المدنيين قد تراوح بين 65- 101 شخص. برهنة النظريات الترامبية يبدو اليمن مثاليا لتنفيذ ترامب تعهّداته ولتحقيق نصر على المخاطر الرئيسية الثلاثة في أجندته: داعش والقاعدة وإيران. لكن الضربات العسكرية وحدها لن تقطع حبل الإرهاب، وتقف التجارب السابقة في اليمن شاهدة على ذلك. ويقول سكوت مان- وهو ضابط أميركي متقاعد- "إنه لأمر جيد أن نرى الضغط المتزايد لإدارة ترامب على كبار قادة تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة من خلال الغارات الجوية والعمليات على الأرض التي تشنها قوات النخبة لدينا، ولكن بعد 15 عاما من الغارات الجوية أحادية الجانب لمكافحة الإرهاب، يجب أن يعلم قادتنا أن "قطع رأس الأفعى" لا يقتصر على كيفية إلحاق الهزيمة بالمتطرفين العنيفين". ويرى مان- وهو مفكر في مجال مكافحة الإرهاب، ومؤلف كتاب يحمل عنوان "مغيرو اللعبة: التوجه محليا لهزيمة المتطرفين العنيفين"- أنه يجب أن ينشر فريق ترامب ووزير دفاعه جيمس ماتيس "دبلوماسيي التدخل السريع" الذين يكونون مستعدين لمواجهة المخاطر من أجل إشراك السكان والزعماء الذين يمكن أن يساعدوا في سحق القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. اليوم مع حاجة الرئيس الأمريكي الجديد ترامب، إلى برهنة الإسلاموفوبيا وبرهنة صحة قراراته ونظرية" الإسلام إرهاب"، وبغض النظر عن معارضة قرار الهجرة بالداخل الأمريكي، إلا أنه قد أسس شكل الدولة الترامبية العنصرية، والتي تحتاج إلى إثبات. والسبيل إلى ذلك، هو الهرولة ليس إلى مزرعة البقرة الحلوب التي وصفها في إحدى المناسبات، بل إلى المزرعة اليمنية، لقطف بعضاً من الثمار الإرهابية باستفزاز التنظيم الأكثر خطورة من بين أقرانه كما يصنفه البنتاغون، والأقوى من أي وقت مضى كما تعتبره مجموعة الأزمات الدولية، وستكون لتلك الاستفزازات عدة نتائج وكلها مفيدة وكلها لن تقضي على تنظيم القاعدة، ببساطة لأنها لم تعتمد على قوات شعبية ووطنية محلية كما يحدث في سوريا والعراق.. خلق حاضنة ونظراً لحاجة ترامب لإدامة مصطلح "الإسلام إرهاب" فإن الحاجة هنا تستوجب خلق حاضنة للقاعدة ومتعاطفين، وهو ما حاز عليه في عملية إنزال البيضاء الأولى، والتي لاقت استهجان وانتقاد من صلب المؤسسة الأمريكية نفسها.. حيث قال السيناتور الجمهوري جون ماكين، رئيس اللجنة العسكرية التابعة للكونجرس الأمريكي، إنه لا يستطيع وصف العملية التي قام بها الجيش الأمريكي ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن بأنها عملية ناجحة، فيما أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن عملية البيضاء، قتلت 14 مدنيا على الأقل، بينهم 5 نساء و9 أطفال، مطالبةً الحكومة الأمريكية بإجراء تحقيقات ذات مصداقية ونشر النتائج للعلن. وفي هذا الصدد تشير تقديرات مؤسسة "ذي نيو أميركا فاونديشن" التحليلية، والتي جاء فيها أن الحملات الجوية الأميركية ضد "القاعدة" قتلت ما بين ألف و1250 مقاتلاً في اليمن منذ عام 2009م، لكن بحسب اعتراف عضو الكونغرس الأميركي، "دينيس كوسينيتش"، بقوله في تصريح أمام الكونغرس في نوفمبر/تشرين ثاني 2012م، بأن عدد القتلى في اليمن وصل إلى 1952 قتيلاً.. وأضاف "تظهر أشهر البحوث التي أجريت أن عدد الشخصيات القيادية (من تنظيم القاعدة) التي تم استهدافها، شكَّلت ما يقارب 2% (فقط) من إجمالي الإصابات".. كما استشهدت المجموعة الدولية للأزمات في تقريرها الأخير، بعملية الإنزال في محافظة البيضاء أن ذلك "لا يبشّر بالخير أبدا"، لافتة إلى أن العملية أسفرت عن مقتل "العديد من المدنيين، بينهم على الأقل عشر نساء وأطفال".. وبحسب موقع "ذي انترسبت" الأمريكي، "فإن الدلائل تشير إلى أن اليمن يتجه نحو مزيد من المعاناة على يد ترامب"، وذلك على ضوء التقارير التي تتحدث عن عزم وزارة الدفاع في الإدارة الأمريكية الجديدة إدراج اليمن ضمن عداد "الميادين الرسمية للحرب على الإرهاب"، الأمر الذي سوف يسمح ب"رفع زخم وسرعة تكثيف العمليات، بدلاً من غارات الطائرات بدون طيار، وعمليات الإنزال".