في الرابع من يونيو الجاري، سيلقي الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطاباً أصيلاً في مصر، يحدد فيه ليس فقط نهجه تجاه العالم الإسلامي، ولكن أيضاً تطلعات إدارته لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وإخراج إيران من ميدانها وجلبها إلى دائرة المفاوضات. وحتى الآن، انخرط الرئيس وإدارته في جهود دبلوماسية من وراء الكواليس ترمي إلى إقامة بيئة إستراتيجية متكاملة تجاه الشرق الأوسط. وبالرغم من أن الخطاب سيعطي الأمريكيين والمجتمع الدولي الإشارة الحقيقية الأولى على ما يعتزم الرئيس بالفعل القيام به، سيكون من الصعب تلبية التوقعات المتزايدة في المنطقة وفي الولاياتالمتحدة على حد سواء، وستكون المخاطر الناجمة عن الآثار السلبية المترتبة على ما سيقوله (أو لا يقوله) حقيقية. الخلفية في بداية حملته الانتخابية، وعد الرئيس أوباما بأنه سيلقى خطاباً رئيسياً إلى العالم الإسلامي في أول مائة يوم من رئاسته. ولكي "يدفع الدين" الأول من الخطاب الموعود وإثبات جديته، أعطى أول مقابلة تلفزيونية مع قناة "العربية" الفضائية في يناير الماضي، أرسل فيها إشارة واضحة عن تغير كل من لهجة واتجاه سياسة الولاياتالمتحدة تجاه المنطقة. وخلال المقابلة، قال الرئيس أوباما بأنه سوف يغلق مركز الاعتقال في خليج جوانتانامو، وسيعلن قريباً عن سحب القوات الأمريكية من العراق. وأكد أوباما التزامه بإعادة إطلاق عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، عندما قال: "إن أهم شيء هو أن تؤدي الولاياتالمتحدة دورها فوراً". كما أكد مجدداً على تعهده للتواصل مع سوريا وإيران، بقوله: "من المستحيل بالنسبة لنا التفكير فقط بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.. هذه الأمور مترابطة". وكانت تركيا هي المحطة التالية في الطريق إلى مصر؛ ففي 6 أبريل، ألقى الرئيس أوباما خطابه الأول في بلد تسكنه غالبية مسلمة. وعندما تحدث أمام البرلمان التركي، تطرق أوباما مرة أخرى إلى ضرورة دفع عملية السلام، وإشراك إيران، و "البحث عن تواصل أوسع" مع "العالم الإسلامي". وقبل نهاية الخطاب، أوضح بأن الولاياتالمتحدة "ليست ولن تكون أبداً في حالة حرب مع الإسلام". لماذا الآن؟ بالنسبة للكثير من الناس، وضعت الكلمة التي ألقاها الرئيس الأمريكي في تركيا علامة في مربع "خطاب العالم الإسلامي؛ ولكن في مؤتمر صحفي عقد في 27 مارس، أوضحت الإدارة الأمريكية بأن الأمر لم يكن كذلك، وأن الخطاب سيأتي في وقت لاحق، وستقوم الولاياتالمتحدة باستخدام الوقت الإضافي لإحراز تقدم في الجهود الدبلوماسية مع سوريا وإيران، وعملية السلام. وكما أشار الرئيس أوباما إلى قناة العربية: "وفي نهاية المطاف، سوف يحكم الناس ليس على أقوالي بل على أفعالي". وخلقت المقابلة مع قناة العربية والكلمة التي ألقيت في تركيا مجالاً لدبلوماسية كانت إلى حد كبير وراء الكواليس، وتجلت من خلال سلسلة زيارات رفيعة المستوى إلى واشنطن وتقارير إخبارية أشارت إلى توجهات سياسية محتملة. وقد أفادت التقارير بأن مسئولين في الإدارة الأمريكية سعوا إلى إقناع الجهات المعنية بإحداث تغييرات حاسمة في مبادرة السلام العربية تجعلها أكثر قبولاً لإسرائيل، وحثوا الدول العربية على اتخاذ خطوات مهمة في اتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي 5 مايو، قال رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير لوكالة "الأسوشيتد برس" بأن اللجنة الرباعية لشئون الشرق الأوسط التي ترأسها الولاياتالمتحدة (والتي تضم الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة) سوف تمضي قدماً في صياغة إستراتيجية جديدة شاملة خلال "خمسة إلى ستة أسابيع". وخلال هذه الفترة، وفرت الإدارة الأمريكية دلائل علنية قليلة عن اتجاهات السياسة التي ستتبعها في النهاية، كما امتنع كل من مبعوث الولاياتالمتحدة الخاص للشرق الأوسط، جورج ميتشل، والمستشار الخاص لمنطقة الخليج وجنوب غرب آسيا، دينس روس، عن إعطاء مقابلات علنية عن جدول أعمالهما. وحتى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لم تتحدث علناً عن هذه المواضيع، أو تظهر في أي من البرامج الإخبارية التي تُعرض خلال الفترة الصباحية أيام الأحد، باستثناء شهادة أمام الكونغرس الأمريكي. من الواضح أن الرئيس أوباما يعتقد الآن بأن أعماله ولغته قد "طبخت على نار هادئة" بما فيها الكفاية للسماح بالكشف بصورة مثيرة عن سياساته تجاه المنطقة. ما الذي سيقوله أوباما؟ نظراً لتوقيت إلقاء الخطاب ومكانه، وأهميته الجغرافية السياسية، من المرجح أن يلقي الرئيس أوباما كلمة يؤكد فيها بصورة رئيسية على الموضوعات التي يَعتقد بأن العالم الإسلامي يهتم بها أكثر من أي شيء آخر، وهي الجهود الأمريكية لإحلال السلام في المنطقة. ويعتقد إذا كان باستطاعته إقناع المسلمين، وتحديداً العرب المسلمين، حول التزامه بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، فسيستطيع أن يقوض بنجاح جاذبية قوى الرفض مثل إيران وسوريا، ويدعم شرعية "الدول المعتدلة" مثل الأردن، مصر، والمملكة العربية السعودية. وبإلقائه كلمة قبل أيام فقط من الانتخابات البرلمانية في لبنان، وقبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية في إيران، يمكن أن يأمل أيضاً بالتأثير على الناخبين لاختيار قيادات أكثر اعتدالاً والتي ستشارك في هذا المسعى مع الغرب. قد يكون ذلك السبب الوحيد لقيام الإدارة الأمريكية باختيار مصر كمكان لإلقاء الخطاب. لقد كانت مصر أول دولة عربية توقع على معاهدة سلام مع إسرائيل، ووقفت في الآونة الأخيرة ضد حزب الله، وتعمل حاليا على تشكيل تحالف من الدول المعتدلة لمقاومة السيطرة الإيرانية. وبتوجهه إلى مصر، يأمل الرئيس الأمريكي إظهار ثقة الولاياتالمتحدة، ودعم روح المبادرة الجديدة للرئيس حسني مبارك، والإشادة بالعظمة المصرية القديمة. بيد، حتى في الوقت الذي تحاول فيه إصلاح نفسها اقتصادياً، لا تزال مصر دولة سلطوية تغط في سبات عميق، حيث أن الغالبية العظمى من سكانها تعيش على أقل من دولار واحد في اليوم. وكدولة يترأسها شخص الذي هو في العقد الثامن من عمره، وتولى السلطة منذ اغتيال [الرئيس السابق] أنور السادات في عام 1981، لا تزال مصر - التي تحكم من قبل نظام استبدادي - تفتقر إلى أي مؤسسات ديمقراطية حقيقية، مما يجعل خطاب أوباما هذا أول كلمة تلقى في دولة غير ديمقراطية. وربما يفسر هذا الواقع الأخير السبب في تأكيد المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت جيبس بأن نطاق الخطاب هو "أكثر أهمية من المكان الذي يلقى فيه الخطاب أو مَن هم قادة البلاد"؛ جاء ذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه المتحدث عن إلقاء كلمة الرئيس. ومع ذلك، فإن محاولة التجنب هذه قد فشلت تماماً في معالجة سلبيات اختيار المكان. وليس بإمكان الرئيس الأمريكي السفر إلى مصر دون تقديم تأييد ضمني لنظام مبارك. وبالرغم من صحة الأخبار عن رفض المحاكم المصرية إدانة سعد الدين إبراهيم بالخيانة، كما أن مصر أفرجت في وقت سابق عن المعارض أيمن نور، تفهم هذه التحركات على نطاق واسع على أنها هدايا تقدم إلى الإدارة الأمريكية لكي يتم تجنب الانتقادات من أعضاء الكونغرس الذين هم على دراية بهذين المصريين اللذين هما من المنشقين البارزين. وفي غضون ذلك، يواصل النظام حملته المستمرة ضد الطلاب، والمدونين، والصحفيين، والناشطين السياسيين من جميع الجهات. وفي خطابها في القاهرة عام 2005، قالت وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس لطلاب في الجامعة الأمريكية بأنه "لمدة ستين عاماً، كانت الولاياتالمتحدة تسعى لتحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في الشرق الأوسط، ولم نحقق أياً منهما. ونحن الآن نتخذ مساراً مختلفاً". وإن لم يجد وسيلة تشير خلاف ذلك، يجازف خطاب أوباما الإشارة إلى أن المداعبة القصيرة مع هذه السياسة قد انتهت الآن بصورة رسمية. ومن شأن هذه العودة إلى الوضع السابق - باسم "الواقعية"- أن تحقق أكبر آمال الأنظمة القمعية في المنطقة. ولتفادي ذلك، يجب أن تتضمن سياسة الرئيس، دون إلقاء المحاضرات، إعطاء تحدي لمصر وللحكومات في جميع أنحاء المنطقة، لكي تخلق مجتمعات تكون أكثر انفتاحاً وديمقراطية، وبالتالي، أكثر مرونة مما هي عليه الآن. وسوف يؤدي إصرار الرئيس على قيام الحكومات في الشرق الأوسط ببذل المزيد من الجهود لحماية حقوق مواطنيهم المدنية والسياسية إلى وضعه تماماً في جانب شعوب المنطقة. يجب على الرئيس أيضاً استغلال الكلمة التي سيلقيها في مصر للتخلي عن عبارة "العالم الإسلامي" من خطاباته العامة. ويعطي هذا التعبير التجريدي غير المفيد فكرة خاطئة عن التنوع الغني للجاليات المسلمة في جميع أنحاء العالم، ويؤكد الأسلوب الذي يتبعه تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الإسلامية التي تهدف إلى توحيد العالم الإسلامي في ظل خلافة جديدة تخدم أهداف الشريعة الإسلامية. إن الولاياتالمتحدة هي جزء من المجتمع الدولي للدول الوطنية، ويتعين على أوباما أن يتكلم مع شعوب المنطقة، كما فعل في تركيا، كمواطنين في بلدانهم بدلاً من أن يتحدث إليهم كأعضاء في "العالم الإسلامي". لحظة فاصلة يمثل خطاب أوباما في مصر لحظة فاصلة لكل من الرئيس ونهجه تجاه المنطقة. وكما يعتقد أوباما بأن الجهود المخلصة لصنع السلام، لا تزال أساسية لتحقيق المصالحة بين أمريكا و العالم الإسلامي، يجب أن تكون عنده الآن حجة مقنعة حول أعماله المقصودة. وللأسف، لقد دلت التجربة على أن كل ما يقترحه سيكون أقل بكثير من التوقعات. وبالنسبة لكثيرين في المنطقة، إن إعطاء وعد بقيام الولاياتالمتحدة "بلي ذراع" إسرائيل بالقوة فيما يتعلق بموضوع المستوطنات، هي الخطوة الوحيدة التي ستثبت جدية الولاياتالمتحدة، وستبقى الشكوك عالية حتى في ذلك الحين. وكما قال أحد الكتاب الأردنيين مؤخراً: "إن الجسر الوحيد نحو المصالحة هو الدولة الفلسطينية". وفي غضون ذلك، وبتوجهه إلى القاهرة، يجازف أوباما الإشارة إلى العودة إلى الحقبة التي كانت فيها الولاياتالمتحدة تتجاهل حقوق الإنسان والديمقراطية بوصفها عنصراً من عناصر الأمن الوطني. وعلاوة على ذلك، فإن نفس الأنظمة العربية غير الديمقراطية سوف تقوم بتحميل أوباما مسئولية الفشل، إذا لم ينجح الرئيس في تحقيق السلام وفقاً لشروطها، وسيؤدي ذلك إلى تزويد إيران وغيرها بعصا أخرى تستعملها لضرب الولاياتالمتحدة لكونها على الجانب الخطأ من التاريخ. ومن خلال السعي للوصول إلى السلام على حساب الديمقراطية والاستقرار طويل الأجل، يخاطر الرئيس بعدم تحقيق أي من هذه الأهداف الإقليمية. نقلاً عن الاسلام أونلاين