بعد اتساع خارطة الصراع في اليمن لأسباب وعوامل قد تبدو مختلفة ومتشعبة في كثير من الأحيان إلا أن البعد السياسي في كل الأحوال هو من يذكي أواره ويزيد من حدة لهيبه الذي يترك آثاراً وندوباً لا يمكن للتسويات والصفقات إزالتها. نقول بعد هذا الإتساع يحاول بعض الساسة لملمة خرائط إخفاقاتهم وإشباع أخاديد نهمهم بمحاصرة الصراع في عقر دار الحراك وطليعته تعز. للجغرافيا علاقة أكيدة بتميز الإنسان وتفرده وبإخفاقاته وطبيعته، ولها إرتباط وثيق بوعيه وطموحه بجمال روحه أو جلافتها، وبشمائله حميدها وقبيحها، ولجغرافيا تعز علاقة بتفرد أبنائها عن غيرهم فهي القريبة من عدنالمدينة التي أحتضنت التنوع وشكلت نموذجاً مغايراً للمدنية الحقيقية، وتعز أيضاً بسلاسة تستوعب نقيض المدينة المتمثل في القبيلة، وتجرها بهدوء بإتجاه المدنية من خلال التأثير الإيجابي علر مفرداتها وفكفكة خشونتها، وعبر أبنائها الذين يشكلون رسلاً للحداثة والنهضة والمنتشرون في كل أرجاء الوطن.. تعز على مقربة من باب المندب، طاف الكثير من أبنائها أصقاع العالم ونهلوا من الثقافات ما جعلهم يتميزون، وما يؤهلهم للتأثير على حياة اليمنيين، فغدو محط الإعجاب والنموذج الماثل للعيان ولمن يريدون تغيير حياتهم للأفضل، فالإنسان التعزي هو الثائر والمثقف والكادر المتقن، والمتفاني في الأداء والوطني الأصيل الذي يقع على مسافة واحدة من كل الأطراف، وأن رأى التدخل فيكون لصالح النهضة والحريات والحداثة والوطن، لايمكن الحديث عن أي تحول شهدته اليمن في تاريخها الحديث والمعاصر بمعزل عن تعز وأبنائها أبتداءً من ثورة سبتمبر وأكتوبر، ومعارك الدفاع عن الجمهورية، ومروراً بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، ووصولاً إلى الثورة الشبابية الشعبية السلمية، واستحضار الدلائل والإستشهادات في حالة تعز هذه نوع من توضيح الواقع فالجميع يدركون ما قدمته ولاتزال هذه المحافظة. لو تحدثنا عن التضحيات في سبيل الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير سنجازف إذا لم نبدأ من تعز، فالنشاط السياسي بدأ مبكراً فيها وكذلك الثقافي والحقوقي، الأفعال الإجتماعية الحضارية قدمت منها،.. الأهمية القومية والوطنية أطلت من تعز، وبذور الوعي الأولى خطتها أياد تعز.. في الجامعات وفي المدارس وفي المعاهد والأحزاب والمنظمات ووسائل الإعلام مشاعل التنوير من أبناء تعز.. إنها كتلة سكانية كبيرة لكنها نوعية أثرت حياة اليمنيين بالكثير، وأيقظت في أعماقهم الحاجة إلى الإنعتاق والتحرر من أجل حاضر ومستقبل مشرقين. للأسباب المذكورة وغيرها يسعى بعض الساسة وبإيحاءات إقليمية ودولية للسيطرة على تعز كخطوة تمهيدية ورئيسية للسيطرة على البلاد برمتها ومستقبلها السياسي، فيما يعتقد ساسة آخرون بأن الصراع الذي يرتب لتعز وقد بدأت مؤشراته ضمانة حقيقية لضرب قوى التحديث والمدنية في مقتل، ومن ثم إستئثار هذه القوى التقليدية بالمستقبل السياسي والثروة، لإنشغال الكتلة البشرية المصدرة للحراك والمناهضة لرغائب قوى الإستئثار بالثروة والسلطة بتناقضات ثانوية قد تقلل من فاعليتها وقد تتسبب في تراجع مفاهيمها الوطنية وهمتها في قيادة التغيير المتقاطع مع مصالح وثقافة قوى الظلام. حزب الإصلاح يقود حملة تحريضية شرسة ضد محافظ تعز الأستاذ/شوقي هائل، ويسعى للإطاحة به وخلق العراقيل أمامه والإستعانة بوزرائه في إيقاف النفقة التشغيلية ومخصصات مشاريع التنمية في المحافظة، يريد هذا الحزب الإنقضاض على المحافظة وبأي طريقة كانت، وسمعنا عن ضغطه المستمر على رئيس الجمهورية لتعيين وحيد رشيد محافظ عدن محافظاً لتعز بدلاً عن شوقي هائل.. ولأن تعز تمتلك عوامل التأثير على اليمنيين فقد تجاوزت تجاذبات الداخل إلى الإقليم والعالم، ويمكن التذكير بأن جمهورية إيران الإسلامية حاضرة في هذه التجاذبات من خلال شخصيات سياسية ووجاهات إجتماعية تربطها علاقات طيبة بإيران الذي تقع على النقيض من المملكة العربية السعودية، وتوطيد العلاقة مع الأولى نكاية بالأخيرة غير المنسجمة مع الثقافة والوعي، الداعمة لمشائخ القبائل الذين ينشرون الجهل في مناطقهم، ومع أن تعز تكاد تكون محافظة شافعية سنية إلا أن ورقة الراديكالية غير مهمة بالإضافة إلى عدم اشتراطات إيران الإثنى عشرية الشيعية عند تقديمها أي دعم توفر البعد المذهبي أضف إلى ذلك أن تعز هي حاضنة التقدميين الرافضين للقوالب الجامدة للدين ويجدون عند الشيعة فسحة ورعاية لهذا النفور وتشجيعاً لمغايرة ثقافة النقل. وفي مثل هذه الحالة لن تقف السعودية ساكنة أمام الحضور الإيراني في محافظة تعز، فقد أستخدمت أدواتها في إذكاء الصراع في هذه المحافظة، فالشيخ/حميد الأحمر لا يكف عن التدخل في دعم المناهضين للمحافظ شوقي هائل، وليس ببعيد أخبار تسليح مجاميع بغرض نشر الفوضى في المحافظة.. هذا الحضور المتخلف هو سعي سافر لتكريس القبلية ومحاولة باهتة لوأد حامل المشروع الحضاري، من جانبها قطر وكيل أمريكا وربيبتها إسرائيل في المنطقة تسعى وعبر حزب الإصلاح إلى إسقاط تعز لصالح الأخير، والأبعاد هنا أكثر عمقاً وخطورة، كونها ترمي إلى السيطرة على باب المندب الفزاعة التي جعلت العالم ترفض الحرب الأهلية في اليمن لإدراكها خطورة ما قد يترتب عنها. رغم كل ذلك لا نزال نراهن على انتصار تعز ضد كل المشاريع المتخلفة وضد كل المتخندقين والمتمترسين خلف إملاءاتها الضيقة .