في منتصف العام، لم يصل جماعات في اليمن من المعونة سوى أقل من 40 بالمائة فقط من خطة الاستجابة الإنسانية لليمن التي تبلغ 702 مليون دولار، ما يؤشر على تكرار محتمل للعجز الذي حدث العام الماضي عندما مولت الجهات المانحة 56 بالمائة فقط من إجمالي الميزانية التي طالب بها النداء الإنساني لإغاثة الشعب اليمني والتي بلغت 585 مليون دولار. وتمثل مشاريع الإغاثة، التي يصل عددها إلى 190 مشروعاً، والمبينة في خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، توسعاً يصل إلى ثلاثة أضعاف البرامج الإنسانية منذ عام 2011، عندما أزاحت انتفاضات الربيع العربي الرئيس اليمنى علي عبد الله صالح الذي حكم اليمن 32 عاماً من منصبه ووضعت الدولة على عتبة عملية إصلاح سياسي يستغرق سنتين، ومن المقرر أن يبلغ ذروته بالانتخابات الوطنية المزمع عقدها في أوائل عام 2014. لكن تعهدات الدول المانحة لم تواكب التوسع الحاصل في أنشطة المنظمات غير الحكومية وطلباتها بميزانية أكبر، وهو تطور يرغم وكالات المعونة على تقليص مشاريعها أو وقفها. ففي شهر سبتمبر الماضي، أوقفت المنظمة الدولية للهجرة رحلات عودة طوعية واسعة النطاق لآلاف المهاجرين الإثيوبيين الذين لا يحملون وثائق رسمية، والذين تقطعت بهم السُبُل في مديرية حرض الفقيرة التي تقع في شمال غرب اليمن على الحدود مع المملكة العربية السعودية. وتجدر الإشارة إلى أن برنامج المنظمة الدولية للهجرة لهذا العام، الذي يهدف إلى تيسير عودة 6,000 من المهاجرين الضعفاء في مديرية حرض، لم يتلق سوى 13 بالمائة فقط من التمويل المخصص له وهو 5.5 مليون دولار، في حين لم يحصل برنامج شقيق يهدف إلى مساعدة الأطفال المهاجرين بتكلفة 1.7 مليون دولار، على أية أموال على الإطلاق. إضافة إلى ذلك، حصل المشروع الأكثر إلحاحاً - من بين المشاريع الثلاثة للمنظمة الدولية للهجرة في حرض- والمخصص للرعاية الصحية والنفسية الاجتماعية الطارئة بتكلفة 1.1 مليون دولار، الذي اضطر مؤخراً إلى الاعتناء بنحو 2,000 مهاجر إثيوبي معظمهم تم تحريرهم من أيدي عصابات التهريب والاتجار بالبشر، على 58 بالمائة فقط من إجمالي التمويل المطلوب. وفي الشرق من مديرية حرض قرب الحدود الغربية لمحافظة صعدة، تُوقف منظمة أطباء بلا حدود-إسبانيا العمل بشكل تدريجي في مستشفى للمهاجرين ونحو 12,000 من النازحين داخلياً الذين يعيشون في مخيمي المزرق 1 و3، الذين فروا من القتال الدائر نتيجة للصراع الذي يتواصل منذ عشر سنوات بين القوات الحكومية وحركة الحوثيين وهم أقلية من الشيعة الزيديين في محافظة صعدة. وفي هذا الصدد، قال باسل موسى، من وكالة الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين في مديرية حرض: "منظمة أطباء بلا حدود هي المؤسسة الوحيدة هناك التي لديها اخصائيين نفسيين. ولكن المشروع ينهي أعماله تدريجياً لأنه لم يُعد يُنظر لمخيم المزرق كحالة `طوارئ`". وهناك مناقشات جارية بين منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة في اليمن وغيرها من الشركاء للحيلولة دون توقف المستشفى عن العمل، ولكن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بعد. وفي عام 2011، أدى القتال بين القوات الحكومية ومسلحي تنظيم "القاعدة" في جنوب البلاد في محافظة أبين إلى تشريد نحو 237,000 يمني وتضرر سُبُل عيش نحو 200,000 آخرين. وذكرت نشرة شهر مايو الصادرة عن مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن "الأنشطة المنقذة للحياة قد ارتفعت في مناطق العودة في جنوباليمن، لاسيما في أبين، ولكن عجز التمويل يعوق الشركاء الإنسانيين عن المضي قدماً لتجاوز مجرد التدخلات المنقذة للحياة والتحرك نحو دعم برامج الانعاش المبكر للعائدين وبناء قدرتهم على الصمود". القطاعات الرئيسية ومع حلول منتصف العام، لا يزال اثنان من بين أربعة برامج "منقذة للحياة" في اليمن –هي المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية والصحة- يعانيان من نقص كبير في التمويل. وتشير السجلات المالية في الأممالمتحدة، إلى أن تمويل برنامج الصحة يقف عند 19.3 بالمائة من المبلغ المطلوب وهو 59 مليون دولار، في حين تم توفير 18.3 بالمائة فقط من الميزانية المطلوبة لبرنامج المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية وهي 66 مليون دولار. وتشير خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2013 إلى أن الشركاء في تنفيذ برنامج المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية قد تلقوا 44 بالمائة من التمويل المطلوب في عام 2012، ما "أتاح تنفيذ البرامج الأساسية فقط وقصر وصول الاستجابة الإنسانية إلى نصف عدد السكان المستهدفين فقط". "آليات التكيف السلبية مثل الوقوع في الديون وعمالة الأطفال وزواج الأطفال سيعني أن الأزمة قد تقود إلى مزيد من إضعاف التنمية طويلة الأجل في اليمن ما لم تُتخذ تدابير قصيرة الأجل،" خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2013 ويحذر التقرير من أن استمرار نقص التمويل في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في عام 2013، "سوف يزيد من خطر تفشي الأمراض المنقولة عن طريق المياه، مثل الإسهال المائي الحاد الذي يمكن أن يكون قاتلاً خاصة بين الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية". وقال محمد داود ألطاف، ومنسق قطاع الصحة في اليمن لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "نقص التمويل في مجموعة برامج الصحة" قد يزيد من حدة هذه المخاطر". وأضاف أن "التأثيرات الرئيسية ستكون في شكل تقليص الخدمات الصحية المقدمة للأشخاص الضعفاء، مما يؤدي إلى زيادة محتملة في حالات الإصابة بالأمراض المعدية، بما في ذلك الأمراض التي تنتشر عبر المياه والأمراض المنقولة، إضافة إلى نقص الخدمة للأفراد المصابين". وأشار ألطاف إلى أن ثلاثة مشاريع صحية تم تصميمها بشكل خاص للنساء النازحات داخلياً في محافظات حجة والحديدة وعدن، لم تتلق تمويلاً هذا العام حتى تاريخه. وعلى الرغم من أن تمويل البرامج المنقذة للحياة يتيح مجالاً لعمليات التحسين، لكن جهود الانعاش وبناء القدرة على الصمود باتت أسوأ حالاً. فحتى الآن، لم تحصل الوكالات العاملة في مجال الإنعاش المبكر سوى على 8.3 بالمائة فقط، وهو أقل تمويل تحصل عليه من مجموعات البرامج ال 11 الأخرى في اليمن. التداعيات وفي غياب المساعدات الإنسانية، غالباً ما تلجأ الفئات السكانية الضعيفة إلى التكيف بطرق تعمّق من الأزمة. وفي هذا الإطار، تشير خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2013 إلى ما يلي: "آليات التكيف السلبية مثل الوقوع في الديون وعمالة الأطفال وزواج الأطفال سيعني أن الأزمة قد تقود إلى مزيد من إضعاف التنمية طويلة الأجل في اليمن ما لم تُتخذ تدابير قصيرة الأجل". ويرهق تراكم المهاجرين الذين تقطعت بهم السُبل في مديرية حرض، على سبيل المثال، كاهل المجتمعات المضيفة ويساعد على انتشار عمليات التهريب والاتجار غير الشرعية التي أصبحت متمركزة في هذه المنطقة المنكوبة اقتصادياً. إلى ذلك، قال مسؤول عسكري أعد للحملة الأمنية الأخيرة التي استهدفت معسكرات التهريب في حرض منذ شهر أبريل، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أن المسؤولين في صنعاء قد علقوا شن مزيد من تلك الحملات الأمنية بسبب الصعوبات التي تواجه توفير الدعم للمهاجرين الذين تم الإفراج عنهم. في الوقت ذاته، يتراوح عدد الذين يدخلون إلى اليمن كل شهر ما بين 6,000 إلى 7,000 شخص، العديد منهم يقصدون الذهاب إلى المملكة العربية السعودية عن طريق حرض، و"لا يوجد مؤشر على أن تدفق المهاجرين سوف يهدأ،" بحسب ما ذكرته المنظمة الدولية للهجرة. وسيتطلب التحسين المستدام في الأوضاع الإنسانية في اليمن استقراراً سياسياً، وهو الأمر الذي يأمل كثير من الناس أن تتمخض عنه عملية الحوار الوطني الحالي والانتقال إلى انتخابات جديدة.