البطالة الثورية من مهام الثورة - أي ثورة- توفير الأجواء المناسبة لتفجير طاقات الأفراد والمجتمعات بغية التحول من نظام جامد إلى نظام يلبي حاجات الناس وطموحاتهم. كما هو معروف تقوم الثورات على ركنين أساسيين، الهدم والبناء، وفي كلا الحالتين يحتاج الأمر إلى الحيوية والمبادرة وفهم متطلبات كل مرحلة، وإلا فإن الأمور لن تسير بطريقة جيدة. تحدث البطالة الثورية عندما لا يتحرك بعض الثوار للأمام، فتجدهم مصممين على محاربة الجميع بما في ذلك طواحين الهواء. هؤلاء ما يزالون في المرحلة الأولى وهي المرحلة التي يتم فيها هدم مقومات النظام، في حين أن البلد اليوم تعيش مرحلة البناء، وهي مرحلة ضرورية لإنقاذ الثورة من الضياع. قد يقول قائل ومعه كل الحق، النظام لم يسقط، ولذلك يجب أن نواصل الهدم. لا أعرف إن كان هذا من قبيل المصادفة أم لا؟ فهذا رأيي، ومتمسك به ولا أقبل المساومة بشأنه. كل ما في الأمر أني من الذين يؤمنون بتزامن عمليتي الهدم والبناء، ولا أجد مبرراً واحداً يدعونا لتأجيل أي منهما. أما لماذا؟ فلأن الاستمرار في عملية الهدم دون البناء يدخلنا في دوامة الانتقام ويعطل فرص الانتقال الآمن إلى المستقبل. وعندما أتحدث عن سيف الانتقام لا أقصد بذلك العمليات العدائية التي يقوم بها بعض المنتمين للثورة والتي يتم توجيهها ضد مؤيدي وأنصار النظام السابق وحسب، وإنما تلك التي يتم توجيهها لبعض الثوار تحت حجج واهية. من العوامل التي تدعوني لتبني هذا الرأي أننا نحتاج في اليمن وفي كل دول الربيع العربي إلى الأمل، وهو أمر لن يتحقق إلا بالعمل والبناء. ربما لا يدرك ذلك البعض الذي ينادي باستمرار الهدم وتأجيل بناء النظام الجديد، أن هذا الخيار على عكس ما يأملونه سيساعد في عودة النظام القديم. ببساطة إذا لم تفعل شيئاً على الأرض وتقيم قواعد النظام الذي تأمله ويحقق ما تؤمن به من أهداف وغايات، فإنه غالباً ما يتم بحكم قوانين الطبيعة استدعاء القديم. ربما علينا أن نسأل لماذا كل هذه الصراعات في معسكر الثورة التي تفوق الصراعات التي تدور أو دارت بين الثورة وخصومها؟ هناك اجابات كثيرة، لكن الأكثر دقة من وجهة نظري، أن الجميع يستخدم الثورة للسيطرة على المستقبل، ويرى في شركائه في الثورة منافسين خطرين يجب التخلص منهم. اكثر ما يجعلني احذر من اتساع رقعة البطالة الثورية، هو أن هذه البطالة على وجه الخصوص تؤسس لمجموعات تدعي الخيرية المطلقة وهو الادعاء الذي عادةً ما يجدد دماء الاستبداد. ختاماً ربما سيكون من المناسب أن اختم بما قالته توكل كرمان في هذا الصدد: "البطالة الثورية تأكل إخاء الثوار وتلتهم وحدتهم, والحل للخروج من هذا المأزق هو حشد الجهد الثوري من اجل إحداث التغيير الإيجابي خطوة بعد خطوة.. وهدف بعد هدف.. والتوقف تماماً عن خطيئة الهدم والتخوين والنيل من رفاق الثورة"!! عن صحيفة الناس