إذا كان الرئيس عبدربه هادي لم يسمع بحكاية الرئيس الأمريكي روزفلت، فعليه أن يسمعها الآن بأذنٍ صاغية وقلبٍ واعٍ، فلعلها شمعة مضيئة في دربه الرئاسي المعتم.. فقد اعتاد الرئيس روزفلت أن يقف كل صباح في صالون سكرتاريته، ويلقي نكتة أمام جمع من الذين ينتظرونه، ثم يدخل إلى مكتبه، وذات صباح ألقى طرفته، ومضى، فلحق به مدير مكتبه وقال له: "سعادة الرئيس طرفة اليوم كانت ساذجة جداً"، فرد روزفلت: "أعرف ذلك، وقد تعمدت إلقاءها لأعرف من سيضحك أكثر فهو صاحب المصلحة". طابور المداحين والمصفقين وحملة الطبول والمباخر، هم اليوم من يلتفون حول الرئيس هادي، وإذا لم يأخذ يقظته، سيقنعونه بما اقنعوا به الرئيس السابق، فقد ظلوا ينفخون حول صالح كل الأبواق، وجلبوا له الشعراء، والمداحين، والكتّاب والوعاظ، وعلماء الفتاوى المستعجلة، والرسامين، والمصورين، وبائعات الهوى ليقنعنه بوسامته وفحولته، وبائعي الشهادات الفخرية والتقديرية، جاءوا له بفيصل جلول، وخيرالله طلب الله، ومجدي مرجان الذي منح صالح وسام شخصية العام 2006 من منظمة الكتاب الافروآسيويين، وهي منظمة توفيت قبل أكثر من 20 سنة، ولم يبقَ منها غير الختم بيد مرجان، يخبز به شهادات حسب الطلب، حتى أنه صرف لصالح وسام شخصية العام في شهر يونيو، فبل أن تنتهي السنة، لأن صالح مستعجل والانتخابات الرئاسية على الأبواب.. وتجاوزت مواهب صالح حدودها الإقليمية ليمنح وسام مجد روسيا من موسكو، وشهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة سيشرون الكورية الجنوبية، وهناك طلبوا منه أن يلقي محاضرة لطلاب الدراسات العليا... تخيلوا صالح يحاضر، وأمامه لوحة خشبية مكتوب عليها: (أ. د/ علي عبدالله صالح)!! أقنعوا صالح بالعظمة حتى أصبح عدد الكتب التي ألفت في علي صالح أكثر بعشر مرات من الكتب التي ألفت في انتاجات الأديب والمفكر عبدالله البردوني.. ذات ظهيرة رأيت في "حوش" وكالة سبأ بصنعاء أحد المبدعين أو "المتبدعين" وفي يده كتاب على شكل "ملزمة"، يريد طبعه كتاباً وتسويقه حتى تعم الفائدة، كان الكتاب بعنوان: "البلاغة في خطابات الرئيس علي عبدالله صالح"، قلت في نفسي لو يغير في العنوان كلمة واحدة لكان دقيقاً: "الفساد في خطابات الرئيس.."... تخيلوا بلاغة صالح بمنزلة المتنبي ودرويش.. لم تتم طباعة الكتاب، وأظن أن حكمة نصر طه قد حالت بين المؤلف وغايته.. أحد المثقفين "المحترمين" قال في مجلسه أنه بصدد الانتهاء من تأليف كتاب بعنوان: "الرئيس شاعراً" وأن صالح قدم له عدداً من قصائد "الزامل" التي يكتبها، لينطلق منها نحو تأكيد فرضيته بشاعرية صالح.. كنت أود أن أضيف شيئاً ثالثاً، لكني لا أتذكر العنوان الدقيق لأطروحة دكتوراه لطالب يمني في المغرب، أظنها: "قضايا حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في خطابات الرئيس صالح"، وفيها جعل صالح الراعي الأول والأخير للحقوق والحريات والتوجه المدني.. أحد الأسباب التي جعلت صالح يرفض تسليم السلطة قناعته بأنه صمام أمان الوطن، وراعي الديمقراطية، وروح المدنية، ومكافح الإرهاب، ومجسد التسامح والحوار.. ذات الوجوه والأسماء والصفات تلتف اليوم حول الرئيس هادي، وسيقنعونه بأنه الشخص الوحيد الأوحد القادر على قيادة المرحلة، والحكيم الذي لا يخطئ، وسيقنعونه بأن كل قرار صائب، وكل خطوة حكيمة، سيقولون له وعنه: شاعر وحكيم وبليغ ومثقف، ويصنعون له تاريخاً هو في غنى عنه.. ولو كان الرئيس هادي كذلك لما ارتكب تلك الأخطاء التي بدأها بتعيين ياسر الحرازي مديراً للمؤسسة الاقتصادية، ووصل الأمر بأمين عام الرئاسة عبدالهادي الهمداني أن يبعث تهنئة لبشار الأسد بمناسبة عيد الجلاء الوطني (17 نيسان) دون الرجوع إلى رئيس الدولة، فهو المعني دستورياً بمن يرسم السياسة الخارجية لليمن، ثم إن الهمداني هو من نتوءات عهد صالح التي يجب أن تستأصل.. وفي مثل هذا اليوم "الوطني" من عام 2009 وصلت دمشق براً قادماً من عمّان، برفقة الزميل باسم الشعبي، كان الوقت صباح جمعة، كل المحلات مغلقة، وفي المساء خرج حملة الطبول وفرق الموسيقى والأناشيد الوطنية يملأون الأرصفة، وفي وسط الطرقات طلاب المدارس والجامعات يرتدون "زي الكشافة" ويهتفون بأمجاد آل الأسد، ثم في الإعلام الرسمي تنهال برقيات التهاني على فخامته... وهذا كل ما في الأمر، لا افتتاح لمشاريع اقتصادية، ولا زيادة في أجور العاملين، ولا عفو عن سجناء سياسيين، ولا فتح ثقب في جدار الحرية المغلق منذ 40 سنة، ولا توجه للإصلاح المالي والإداري... فقط أيها الشعب العظيم من حقك أن تسبح بحمدي.. على الرئيس هادي أن يحدد موقف بلادنا بوضوح من ثورة سوريا، كما فعل رؤساء تونس وليبيا.. الرئيس هادي واحد من الرؤساء الذين صعدوا إلى الحكم على أكتاف الثوار ودماء الشهداء، وعليه أن يسعى للتغيير الجاد، وأن يبادلنا المحبة والثقة كاملتين كما أعطيناهما له يوم 21 فبراير كاملتين.. وأظن أن أجمل ما فعله وقاله الرئيس هادي حتى الآن هو تلك الكلمة العظيمة التي قالها في قصر الرئاسة: "اليوم نتسلم الرئاسة وبعد سنتين سنسلمها لرئيس جديد منتخب"، وبها طمأن الشعب على ثورته وحريته. * المصدر: صحيفة الناس