مازالت البلد تعاني تداعيات أحداث 2011 في العديد من التفاصيل بينها ما يتعلق بالصورة السياسية القائمة. وفيما كانت المشكلات السياسية تظهر إلى السطح بين الفينة والأخرى بين الفصائل السياسية، اتسمت علاقة البرلمان والحكومة بالتعاون وتمثيل قدر كبير من التوافق رغم انبثاقهما من ذات الفصائل المتنازعة. بيد أن هذه الحالة شابتها مؤخراً بعض الخدوش بسبب تصريحات أطلقها وزير الشؤون القانونية طعنت في شرعية البرلمان وقراراته، ما دفع عدد كبير من النواب إلى طلب إحالته إلى التحقيق بتهمة اختراق الدستور وعدم احترام المؤسسة التشريعية والفصل بين السلطات. من وجهة نظر شخصية فإن الأزمة الناشئة بين البرلمان والحكومة وكل مظاهر المشكلات السياسية بين القوتين الأساسيتين الموقعتين على المبادرة الخليجية وآليتها، المؤتمر وحلفاؤه، والمشترك وشركاؤه، هي أعراض تقف وراءها أسباب مرتبطة أساساً بوجود مرجعيتين الأولى الدستور المتضمن آليات ديمقراطية الأغلبية –إذا جازت التسمية- والثانية المبادرة وآليتها المعتمدة على ما يعرف بالديمقراطية التوافقية (حق الفيتو للأقلية). وإذا كانت ديمقراطية الأغلبية تجعل آليات حسم الخلافات أكثر تحديداً وسهولة، فإن ديمقراطية التوافق تحتاج إلى تفصيل أساليب فض الاختلافات، أو التأشير إلى جهة حسم تضمن عدم الغرق في الخلافات وتمكن من سلاسة اتخاذ القرارات. القوتان الأساسيتان تتكئان على الصواب في اعتبار المؤتمر وحلفائه الدستور مرجعية الحسم، واعتبار المشترك وشركائه المبادرة وآليتها مرجعية الحسم. وكلاهما أيضاً ارتكب خطئاً في التغاضي عن تشكيل لجنة التفسير المنصوص عليها في الآلية التنفيذية، كجهة معنية بحسم الخلافات بشأن تفسيرات الأطراف لنصوص المبادرة وآليتها. إذن هناك تداخل في المساحات المخصصة للدستور وللمبادرة وآليتها، وتوجد إشكالية بين طرف يرى أن المبادرة وآليتها حلت مكان الدستور، وبين آخر ينظر إلى المبادرة كحل قوضت نصوصه بعض المواد الدستورية وليس كلها. وبين هذا وذاك تفتقر الساحة لمؤسسة مرجعية لمعالجة النزاعات. فيما يخص الخلافات داخل البرلمان أحالتها المبادرة وآليتها إلى رئيس الجمهورية لحسمها، لكن مكتب الرئيس مزحوم بالملفات المعقدة، وبجانبها كمّ هائل من الضغوط الداخلية والخارجية، أضف إلى ذلك عدم تعامل أطراف، سواءً في الداخل أو الخارج، مع الرئيس بمسؤولية تدرك دقة الظروف التي تعتمل في البلد الذي لا يحتمل سياسة الاسفينات. كما أن أي خلافات ترفع للرئيس لا تلغي ضرورة وجود مؤسسة ما، تساعده في حلحلة المشكلات الخلافية. بالتأكيد فإن أكثر الفترة الانتقالية –المدونة في المبادرة وآليتها- قد مضت ولم يتبق منها إلا ثمانية أشهر، غير أن فوات غالبية الفترة على خير لا يعني بالضرورة السير في ذات الاتجاه الصحيح، باعتبار أن الحلول الحاسمة للمشكلات مازالت في رحم الفترة المتبقية، وهكذا حلول تحدد ملامح المستقبل بما فيه خارطة توزيع القوة بين الأطراف اليمنية، ستكون مرتعاً خصباً لخلافات كبيرة. شكّل مؤتمر الحوار كجزء في المبادرة وآليتها لجنة التوفيق، والأهم اليوم تشكيل لجنة التفسير لإزالة التداخلات بين اختصاصات الدستور ومهام المبادرة وآليتها.