السبيل الوحيد لإنقاذ الجماعة في مصر وكافة الأقطار العربية هو تولي مفكريها ومثقفيها المعتدلين زمام القيادة بدلا من اؤلي الأفق الضيق والعقل المتجمد من رجال الدين الراديكاليين ومقاتلي القاعدة المتقاعدين الذين يروجون دون تبصر أو تعقل لخطابهم الاقصائي والتحريضي الذي لا يمت للمدنية أو الثورية بصلة لا من قريب ولا من بعيد. وكمثال بسيط يقربنا من الواقع لنا أن تقارن بين راشد الغنوشي ومحمد بديع ، ودورهما البارز في كل من التجربة التونسية و المصرية،فالغنوشي بحكمته استطاع أن يحتوي أزمة مقتل القيادي اليساري بالعيد والتي كان الإسلاميون هم المتهم الأول بارتكابها .. بينما يعجز بديع اليوم بسبب استعلاءه وتعنته من دفع مرسي إلى إطلاق مبادرة سياسية حقيقة تراعي مطالب الرأي العام وتنقذ ما تبقى من حطاب الشرعية التي تتآكل في الشارع . إن ما يجري في مصر من حراك شعبي يندرج تحت خانة ترتيب المراحل.. وهاهم الإخوان يدفعون ثمن حرقهم لهذه لمراحل وقفزهم على "شعار الدستور أولا" نحو انتخابات برلمانية متحالفين فيها مع العسكر ومستعجلين على قطف الغلة كونهم الأكثر تنظيما من غيرهم .. ومن ثم انتخابات رئاسية قدموا فيها كذبة كبيرة للشعب المصري حين انبرى مرسي لترشح بعد أن أعلنت الجماعة سابقا عدم نيتها الترشح للرئاسة . أخيرا كانت المعضلة الكبرى في دستور مسلوق لم يحظى بالتوافق مجتمعي حقيقي كما هو الحال في كل الدول المحترمة بل تواطئ فيه مرسي عبر إعلانه الديكتاتوري لتمريره بعد أن اغتصب سلطات الله ونزه كل قراراته وحرم الطعن فيها وكل هذا باسم "حماية الثورة" . لن أتحدث عن سيناريو سقوط الجماعة فقد تحدث عنه الكثير ، ولكني سأتحدث ناصحا وامقاً من منطلق حرصي الشديد على إخواننا في الله وذلك لاعتبارات عديدة منها العلاقة التي تجمعنا في كيان موحد هو المشترك . الإخوان عجزوا عن المشاركة وهذا كله بسبب الفلسفة السياسية التي كانوا ينطلقون منها وهي فلسفة "غلام صفي الميدان" ، وحرصهم البالغ هذا على تحين كل الفرص والقضاء على الخصوم وإقصاء المنافسين والشركاء على حد سواء تعبر في ثنيتاها عن عقلية برجماتية نفعية تسعى كل السعي إلى السلطة دون ادني مراعاة قواعد اللعبة. وهنا تحديدا تكمن مشكلة الجماعة وخصوصا في مصر ،فحين يتم التعامل مع المفكرين والمثقفين الذين يتحلون بالحيادية العلمية ويسعون دون هوادة إلى إنصاف الوطن بنسيجه الكلي دون تقديم طائفة على شعب ،حين يتم التعامل معهم على إنهم مندسين ومرتدين عن دين الجماعة وملتها يتوجب فورا التخلص منهم كما كان الحال مع أبو الفتوح ، يصبح رجال الدين و السيف والبزنس أو أصحاب "الإسلام والثوري الثروي -نسبة إلى الثروة-" كما يطلق عليهم الدكتور فرج فوده ، هم المحرك الأساس للجماعة فيحشرونها بين ثالوث الجنة والمال السلطة بعيدا عن المبدأ والوطن. في اليمن لنا أن نرفع القبعة نوعا ما للإصلاح فهو كان اقل تهيجا من اقرأنه المصرين ، لكن هذا لا يعني تبرئته من بعض التصرفات التي تسيء إلى مبدأ الشراكة والمواطنة وترفع منسوب الخوف لدى الجماهير إزاء الحزب والجماعة . مصر كما يقول الأستاذ محمد العمراني ليست قدوة جيده وعلى الإصلاح إدراك هذا جيدا ، كما أن التجربة المصرية تقدم لنا دروسا بالمجان كي نتجنبها وأهمها أن يكون دستور العيد الكبير توافقيا وإلا فإذن بحرب أهلية تحرق الدستور والبلد. وفي النهاية فان المدنية وحدها هي الحل .