لقد شرع الله لخلقه وجعل لهم أحكاماً لينفذوها في حياتهم ومن هذه الأحكام والشرائع أن الله أوجب على الأغنياء من عباده إخراج زكاة أموالهم في العام مرة واحدة تعطى للثمانية الأصناف المستحقة التي حددها الله تعالى في كتابه الكريم، والحكمة من ذلك أن هذه الزكاة شرعت من أجل القضاء على الفقر وذلك لمدة عام لمن تعطى له. ولعل وجوبها مرة في العام يدل على ذلك. كما أن زكاة الفطر تعطى للمستحق لها لتدفع عنه الفقر في يوم العيد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم". فهذه هي الحكمة من الزكاة والأصل أن تكون الزكاة لتنفيذ الحكمة منها، ولقد اشترط بعض الفقهاء في زكاة الأنعام أن يخرج المزكي أنثى وليس ذكرا حتى تتكاثر وتنمو ويكون لها مردود إيجابي لمن تعطى له، ولكن الملاحظ اليوم أن دفع الزكاة للفقراء والمساكين قد غاب عنها الحكمة المرجوة فتجد المزكي يعطي الفقير مبلغا من المال ضئيلا جدا فيسلمه له في يده اليمنى ويضع على يده اليسرى بخاخ من البويه حتى لا يعود ويستسلم مرة أخرى فيذهب المواطن الغلبان بهذا المبلغ الزهيد فيقوم بشراء مزيل لهذه البويه وكم سيكون معه بعد ذلك من هذا المبلغ. ولذا فإن على أصحاب رؤوس الأموال أن يراجعوا أنفسهم ويتقوا الله في إخراج هذه الفريضة والتقيد بالحكمة المرجوة منها وعلى الدولة أن تقوم بواجبها في هذه المسألة وتحقق الغاية المرجوة من فريضتها، فمبالغ الزكاة التي تخرج والأصل أن تدفع ليست بالقليلة فعلى سبيل المثال لدينا في اليمن أربعة عشر بنكا لا يقل رأس مال كل بنك عن تسعة مليار ريال حسب اشتراط البنك المركزي على البنوك لرفع رأسمالها إلى هذا المبلغ، وهذا يدل على أن الزكاة المفروضة على كل بنك: 2،5% × 9 مليار، أي ما يعادل مائتين وخمسة وعشرين مليون على كل بنك وعلى هذا يصبح إجمالي زكاة هذه البنوك ما يعادل اثنين مليار وخمسة وعشرين مليون ريال. فيا ترى لو تم تنفيذ الحكمة من الزكاة وتم إقامة مشاريع استثمارية للمستحقين لهذه الزكاة حينها لن يأتي العام المقبل إلا وقد قضينا على الفقر لدى آلاف الأشخاص وهكذا يتم التصرف في الزكاة بهذه الحكمة ويقضى على البطالة بالتدرج بدل تقسيم الزكاة وتبديدها بما لا يعود بالحكمة التي شرعت من أجلها، وبكل تأكيد عليكم أن تتصوروا أن هذا المبلغ العملاق هو زكاة البنوك فقط فكيف بالشركات والمؤسسات الأخرى، فلو قامت الدولة بتقسيم هذا المبلغ بأن تعطي كل مستحق سهم بمقدار خمسة مليون فإن هذا يعني أن زكاة هذه البنوك ستقضي على الفقر لدى أربعمائة وخمسة أشخاص سنويا، بل سيأتي العام القادم وهؤلاء يزكون من هذا المبلغ الذي تم استثماره بهذه الطريقة.