تتنافس القنوات الفضائية العربية في هذا الشهر الفضيل على جذب المشاهدين إلى برامجها التلفزيونية. وفي زحمة التنافس تركز معظمها على البرامج الترفيهية والدراما وبعض المدخلات الدينية، وللأسف فأغلبها ينتمي لعائلة "شخبط شخابيط، لخبط لخابيط" والقليل منها يحترم العقل ويسعى لإضفاء قيم توعوية. وإذا كان هذا هو الشكل العام لتعامل الفضائيات العربية مع المشاهدين، فإن بعضها حرص على تطعيم ساعات بثها ببرامج تستحق الاحترام والمتابعة، وأجد نفسي في هذه السطور أميل للحديث عن برنامج خواطر للإعلامي السعودي المبدع أحمد الشقيري. يستهدف البرنامج استنهاض الشعوب العربية وخصوصاً الشباب بالاستفادة من تجارب، يبدو بعضها بسيطاً، من أنحاء مختلفة في العالم، ويعتمد على المقارنة بين واقع بلاد العرب وواقع بلدان أخرى. وربما كانت فكرة البرنامج وعرضه بأسلوب بسيط هو سر نجاحه على مدى تسع سنوات متلاحقة. في إحدى الحلقات الأخيرة زار الشقيري سويسرا، ونقل شيئاً ملفتاً عن احترام هذه الدولة للمواطن، يتمثل في إيقاف العمل في الليل بمطار رئيسي، أما السبب فهو الحرص على عدم إزعاج السكان المجاورين للمطار أثناء نومهم. ومن بريطانيا وتحديداً العاصمة لندن لاحظ الشقيري أن سائق التاكسي لا يمنح رخصة العمل إلا بعد دراسة لعديد من الأشياء بينها حفظ أكثر من ثلاثمائة شارع بمعالمها في لندن، وتستمر الدراسة من ثلاث إلى خمس سنوات. أمر عجيب أليس كذلك، لكن الأعجب عزيزي كانت إجابة سائقي التكسيات عند سؤالهم: لماذا كل هذا العناء لأجل هكذا مهنة؟ ألا وهي: حتى تفتخر بي عائلتي. العمل على تاكسي مصدر فخر في المجتمع البريطاني، يعني حسب ونسب. وهناك أيضاً يحصل العامل الواحد في شركة سباكة على 150 ألف جنيه استرليني في السنة، بينما الطبيب على مئة ألف بالمتوسط. يعني دخل السباك باليمني أكثر من مئة ألف ريال في اليوم. ومن كوريا الجنوبية نقلت خواطر الشقيري شغف الشباب الكوريين بالتعليم لدرجة أن الحكومة اضطرت إلى تحديد ساعات التعليم الإضافية بدلاً من أن تكون مفتوحة لأن الطلبة كانوا يظلون إلى ما بعد الثانية عشرة ليلاً. وفي دولة أفريقية صغيرة تسمى بوتسوانا يصل متوسط دخل الفرد إلى 16 ألف دولار سنوياً، وهو من المعدلات المرتفعة عالمياً أما السبب الرئيسي فيكمن في جدية هذه الدولة في محاربة الفساد. تلك كانت نماذج من خواطر الشقيري تتلخص فيها مفاتيح نهضة الشعوب، وهي باختصار، الاهتمام بالإنسان قبل أي شيء آخر، وطبيعة القيم الاجتماعية الخاصة بالمهن والعمل، والتعليم، وأخيراً المحاربة الجادة للفساد.