حاولتُ جاهدًا أن أصغي لما يقوله، كان في صوته بحةً حزينة، لمَعان المواساة يبرق من عينيه. قاطعته: مافعلته خطأ. فرد عليَّ بلواذعية: بَلْ هَبَالة!. يختزل الشاب مُشير الشارحي حال ثورة اليمن، قبل أن تنهار قواه الخائرة، كان يرمقني بنظرات تأسي كأنه يبث شكواه من حداق عينيه، انطفأت الكهرباء ليصفي له حرية الحديث!. في رمضان تقدّم بمشروع إلى وزير الثقافة اليمني، الفكرة البسيطة كانت تقوم على دعامة الثورة «معرض تشكيلي في جامعة صنعاء للوحاته الفنية» رسم مايقارب من ثمانين وجه لشهداء ثورة الشباب. «حوَل لي الوزير بخمسين ألف ريال إلى صندوق التراث» قال مشير، وأردف: «من يومها وأنا أتابع دون جدوى». اقترض مشير من أحد أصدقائه خمسة عشر ألف ريال، كان ذلك في سبيل البحث عن الخمسين الألف، في هذا الموضع تغيرت نبرته بحُرقة: الواحد أللي استلفت منه الفلوس أواعده منذ أسبوعين، أقول له: اليوم باكر، الأيام الأخيرة أهان كرامتي برسائل موجعة، أضف إلى ذلك مشاكل لاحصر لها». الغريب الذي لا يعلمه أحد، أن حادثًا ما وقع بعد أن تجَرع مشير الشارحي دفقات من مادة الأسيت، أُسعف أمس ونجا من الموت، صباح اليوم اتجه إلى وزارة الثقافة بحثًا عن الخمسين الألف، كان في حالة نفسية سيئة للغاية «الثورة، الدولة، الفن»، هكذا قال لي. بمعنى أن لاشيء أُضْفِيَ عليه توابل التغيير! تحت الضغوطات النفسية، تحدث مشير مع المسؤولين في صندوق التراث، كانت لهجته ثورية بامتياز، وكانوا بلاطجة بامتياز أيضًا: رئيس الصندوق تابع لصالح بحسب مشير، رفض مشير مغادرة المكان قبل أن يسحبه العسكر. بلهجته الساخرة التي عرفته بها، قال: «العسكري قَلَب عليَّ، قد كان صاحبي، يعرفني أنا مداوم في الصندوق 3 أشهر، عادنا كنتُ جبتله حبة سجارة». انصرف مشير لم يتجاوز الجولة بعد، اعترضه أحد الجنود وقام بضربه بعقب بندقية حتى شُجّ رأسه، مازال رأسه معصوبًا بالشاش وآثار الدم باديةً عليه. حاول الانتحار أمس ونجا، وكاد أحد الجنود يؤدي بحياته ونجا كذلك. وهكذا، يعد ابن الثورة من فم الموت مرتين!