لم تفلح عدد من اللجان، سواء الرئاسية التي شكلها رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، أو لجان الوساطات القبلية، لم تفلح هذه كلها في إطفاء حرائق جماعة الحوثي المسلحة التي أشعلتها منذ نهاية العام 2012 إلى اليوم، في عدد من المحافظات اليمنية، بدءً من صعدة، وهي مسرح ست حروب خاضتها جماع الحوثي المتمردة أمام الجيش منذ العام 2004، مروراً بمناطق في محافظات حجةوعمرانوالجوف، ووصولاً إلى محافظة إب، ومنطقة الرضمة تحديداً التي نقل إليها الحوثي حروبه في أغسطس 2013، بصورة استفزت قبائل المنطقة، وبروز بؤرة توتر جديدة في مدينة معبر بمحافظة ذمار. كان الحوثي قد استغل أيام الثورة السلمية لشن حروب توسعية في المحافظات المجاورة لصعدة، والاستيلاء على عدد من المناطق، في حين شن حرباً على منطقة دماج، التي يتواجد فيها المئات من طلاب العلم الدارسون في معهد دار الحديث، كان ذلك مع نهاية 2012، قبل أن يعود الهدوء للمنطقة لفترة قصيرة، حشد فيها الحوثي عدته وعتاده، وزحف على دماج التي تسكنها قبيلة وادعة، ليطوقها بأسلحته الثقيلة، ويعرضها لقصف عنيف منذ ما يقارب ثلاثة أشهر وفرض عليها حصاراً مطبقاً، بعد أشهر قليلة من نقله المعركة إلى إب، ومناطق من عمران في مواجهة القبائل، وقبل ذلك في كتاف، وفي محافظة الجوف أيضاً. وخلال معارك الحوثي المتعددة والتوسعية، شكل الرئيس هادي عدداً من اللجان، فشلت جميعها وإلى هذه اللحظة في كبح جماح جماعة الحوثي، أو حتى في وقف عدوانها على القرى والمناطق، إضافة إلى فشل الوساطات القبلية، وهو ما يضع الرئيس وسلطته في موقف حرج أمام رفض الحوثي لوقف هذه الحروب، فضلاً عن اشعال حروب أخرى. لجنة رئاسية بمعبر في سبتمبر العام الماضي شكل الرئيس هادي لجنة رئاسية لنزع التوتر في مدينة معبر، بين الحوثيين والسلفيين، بعد تمكن مسلحين قبليين من قتل "عبدالحميد الجمالي" المتهم بقتل المواطن "محمد زيد" وهو أحد طلاب مركز الحديث، ومن أبناء منطقة "الفتايل"، والذي قتل في يناير برصاص الجمالي، بعد رفض زيد تعليق ملصقات ذكرى المولد النبوي على محله، ووصل التوتر مداه بقطع مجاميع حوثية للطريق العام بمدينة معبر، وسيطرتهم على أحد الفنادق. وتضم اللجنة في عضويتها يحيى منصور أبو اصبع، الذي أصبح لاحقاً رئيس لجنة وساطة في صعدة، وعبد الله بدر الدين وعلوي الباشا بن زبيع وعلي القوباني ودرهم الزعكري، وبعد لقاء اللجنة بالطرفين تمكنت في أكتوبر من عقد صلح بين الطرفين، غير أن التوتر لا زال قائماً ومرشحاً للانفجار في حال تأثر المنطقة بما يجري من صراع لجماعة الحوثي مع القبائل والجماعات السلفية في محافظات الصراع. الأحمر من وسيط إلى غريم كانت أولى اللجان التي شكلها الرئيس هادي لوضع حد لما يجري في محافظة صعدة، وفي دماج خصوصاً هي تلك اللجنة التي رأسها الشيخ حسين الأحمر، في النصف الأول من العام المنصرم. كانت آخر مهام لجنة حسين الأحمر التي وصلت آخر مرة إلى صعدة في 22اغسطس 2013 وعقدت اجتماعاً فورياً بقيادات حوثية وطالبتهم بإيقاف سريع وفوري لإطلاق النار على أبناء منطقة دماج كخطوة أولية للبدء في إجراءات التوسط بين الطرفين. وقام حسين الأحمر بإرسال لجنة إلى منطقة دماج لمراقبة الوضع هناك والإبلاغ عمن يقاتل أو يطلق النار بعد أن شن الحوثيون قصفاً عنيفاً على أهالي منطقة دماج قبل يومين من وصول اللجنة، راح ضحيته العديد من القتلى والجرحى الأبرياء. واستقبل فارس مناع محافظ صعدة المعين من قبل الحوثي لجنة الوساطة في القصر الجمهوري أثناء وصولهم، غير أن اللجنة فشلت في مهامها في وقف الحرب، بسبب تعنت جماعة الحوثي، وهو ما ادخل اللجنة في مواجهة مع الجماعة المسلحة، ليصبح الأحمر غريماً جديداً للجماعة، ويدخل فيما بعد في مواجهات معها في عدة مناطق من محافظة عمران. لجنة الحجري بالرضمة.. أسرى الحوثي سر النجاح حينها كان الرئيس هادي يشكل لجنة رئاسية جديدة، لوقف الحرب الدائرة بين قبائل الرضمة بمحافظة إب، ومسلحي جماعة الحوثي، الذين قدم أغلبهم من محافظة صعدة، بعتادهم وآلياتهم العسكرية، للسيطرة على المنطقة التي شهدت معارك ضارية قبل أسابيع بين رجال قبائل ومسلحي الحوثي، راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من الطرفين، كانوا وقوداً لمخطط لزرع فتنة طائفية تنطلق من الرضمة. اللجنة الرئاسية في الرضمة كانت برئاسة محافظ إب أحمد عبدالله الحجري، والوكيل الأول للمحافظة عبدالواحد محمد صلاح، ومعهما الشيخ أحمد المقبلي، غير أنها لم تفلح في بادئ الأمر، وظل مسلحو الحوثي يواصلون حربهم في المنطقة أمام رجال القبائل الذين قادهم الشيخ عبد الواحد الشلالي -شيخ مشائخ مديرية الرضمة، الذي قاد مع قبائله معركة التصدي لمليشيات الحوثي ومنعها من التمركز والتمترس بالمنطقة، غير أنه تم استدراج سبعة من أبناء الرضمة إلى صنعاء في سبتمبر بذريعة منحهم تعويضات، عن خسائر الحرب وديات الشهداء من أبناء القبائل ومعالجة الجرحى ليتم احتجازهم، واتهم الشلالي حينها اللجنة الرئاسية ووزير الدفاع باحتجاز أبناء القبيلة بأنه إرضاء لعبدالملك الحوثي، بعد أن تلقت مليشياته خسائر فادحة في الأرواح والعتاد من قبل أبناء القبائل. لم تكن مرت سوى أيام قلائل على نجاح اللجنة الرئاسية على إطلاق 13 مسلح من جماعة الحوثي وجميعهم من محافظة صعدة، كان أبناء القبائل قد تمكنوا من أسرهم، وهو ما جعل اللجنة الرئاسية تنشط وتفعل دورها حتى إطلاق الأسرى، وهو النجاح الوحيد الذي حققته لجنة الحجري، والذي قاد إلى إيقاف الحرب في المنطقة بوثيقة صلح، لا تزال حتى اليوم تعيش هدوءً حذراً. لجنة أبو أصبع.. المهمة المستحيلة وبالتزامن مع تشكيل هادي للجنته الرئاسية لوقف حرب الحوثي في الرضمة، فإنه -وفي نفس اليوم ربما- شكل لجنة رئاسية أخرى لوقف حرب الحوثي في صعدة، عوضاً عن لجنة حسين الأحمر، وكانت اللجنة هذه المرة برئاسة يحيى منصور أبو اصبع، التي اعتبرت مهمته استكمالاً لمهمته في معبر، وتضم لجنته هذه المرة علوي الباشا ودرهم الزعكري إضافة إلى محافظ صعدة فارس مناع. اللجنة فشلت لأكثر من شهرين في تثبيت وقف إطلاق النار، بعدما كانت توصلت إلى اتفاقات عدة لوقف الحرب، في حين كانت دماج ومعهدها العلمي يتعرضان لقصف عنيف وشبه يومي، سقط خلاله عشرات القتلى والجرحى، نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء، مع حصار خانق للمنطقة أدى لانعدام الغذاء والعلاجات، ورفع معاناة عشرات الجرحى والمصابين الذي أصرت جماعة الحوثي على عدم السماح بنقلهم للعلاج، بسبب حصارهم للمنطقة. وفي ظل وضع كهذا فشلت لجنة أبو أصبع حتى في السماح بإخراج وإسعاف الجرحى، إلا في حالتين، تم فيها نقل أعداد محدودة جداً، تعرضوا في المنافذ والنقاط التي يسيطر عليها مسلحو الحوثي لتعسفات، كما بقيت لجنة الصليب الأحمر الدولي مشلولة أمام تعنت الحوثيين، وكل ذلك جعل أبناء دماج يتهمون اللجنة بالضعف، وأحياناً بالتواطؤ، ووصل الأمر إلى تعرض اللجنة لرصاص الحوثيين عدة مرات، قبل أن يهاجم الحوثيين أبو أصبع الأسبوع الماضي، على خلفية تصريحاته التي ترجع أسباب فشل اللجنة إلى الحوثي، وحديثه عن الأسلحة الثقيلة التي يستخدمها. كان هذا فيما لجنة برلمانية في المنطقة ترافق اللجنة الرئاسية على فترات متقطعة، واللجنتان لم تفلحا في تثبيت وقف إطلاق النار ولو ليومين متتاليين. وفي نوفمبر 2013 شاع أن الرئيس هادي وجه بإعادة تشكيل اللجنة الرئاسية المكلفة بحل النزاع وإنها التوتر بمنطقة دماج بمحافظة صعدة، شكل اللجنة من فريقين بحيث يتوجه كل فريق مدعوم بكتيبة من القوات المسلحة إلى طرف من طرفي النزاع بدماج لايقاف إطلاق النار وتثبيته وإيقاف سفك الدماء وإخلاء المواقع والنقاط المستحدثة وإحلال وحدات عسكرية بدلا عنها، وذلك بعدما عجزت لجنة أبو أصبع، من وقف قصف منطقة دماج، غير أن أبو أصبع ما لبث أن عاد بلجنته ليحاول عبثاُ إيقاف الحرب، لتعود اللجنة أدراجها إلى صنعاء بخفي حنين، مع نهاية شهر أغسطس المنصرم، ومعها اللجنة البرلمانية. هلال في صعدة مجدداً الخميس الفائت ارتأى هادي تشكيل لجنة رئاسية جديدة برئاسة أمين العاصمة عبدالقادر هلال، وهو المقرب من جماعة الحوثي، اعتبرها مراقبون إعفاء تلقائيا للجنة الرئاسية الأولى برئاسة البرلماني السابق يحيى منصور أبواصبع، وتضم اللجنة في عضويتها، العميد ركن عبد ربه الطاهري وعضوية العميد ركن ناصر علي الحربي، واللواء فضل بن يحيى القوسي قائد قوات الأمن الخاصة، واللواء الدكتور رياض القرشي مساعد وزير الداخلية، ودرهم الزعيتري، وبمعيتهم يحيى أبو أصبع. هلال كان قد ترأس لجنة وساطة في العام 2009 أثناء حرب جماعة الحوثي السادسة ضد الدولة، وهي الوساطة التي فشلت لأسباب متعددة، لكن ما يمكن الإشارة إليه هنا هو شائعة "بنت الصحن" التي اتهم هلال يومها بأنه كان يحضرها معه إلى صعدة، واعتبرت دليل على ميله لجماعة الحوثي. وساطة قبلية مع وقف التنفيذ وصول لجنة هلال إلى صعدة جاء بعد أيام من وصول وساطة قبلية يقودها عدد من مشايخ ووجهاء محافظة ذمار، يتقدمهم الشيخ محمد حسين المقدشي، وصلت في 24 ديسمبر الماضي، لكنها فشلت حتى في الوصول إلى دماج بسب رفض الحوثي، لتعود الأسبوع الماضي إلى مدينة صعدة، في حين أكد الناطق باسم أهالي دماج سرور الوادعي مقتل أحد طلاب مركز دار الحديث بدماج برصاص قناصة الحوثي الجمعة الفائتة وإصابة ثلاثة آخرين أحدهم قنصته مليشيات الحوثي أثناء تواجد لجنة الوساطة القبلية التي يرأسها المقدشي. وخامسة في أرحب في نفس اليوم -الخميس الفائت- أوفد الرئيس هادي لجنة رئاسية إلى قبيلة أرحب لوضع حل نهائي لقضية توافد مجاميع حوثية إلى منطقة عيال سحيم بأرحب، وسعيهم لفتح جبهة حرب جديدة، والسيطرة على المنطقة، ما دفع قبائل أرحب للتصدي لهذه المحاولة، لتجري مواجهات مسلحة بعد انتهاء المهلة التي حددتها القبائل للحوثيين القادمين من خارج القبيلة للمغادرة. وتضم اللجنة التي يرأسها اللواء علي الجائفي قائد قوات الاحتياط وتضم وكيل محافظة صنعاء الذي التقى بعدد من الأطراف من الجانبين, حيث وافق رجال القبيلة على الحلول المقترحة من اللجنة الرئاسية والتي دعت إلى رحيل كل حوثي ليس من أبناء المنطقة ورفع أي نقاط أو تقطعات يقيمها أي من الطرفين. لجنة أرحب تشكلت بعد يوم من توعد الرئيس هادي للحوثيين الذين قال أنهم تمادوا كثيراً حيث يحاولون تفجير الوضع بالقرب من العاصمة صنعاء وتحديداً مطارها الدولي، وقال "إن أي تطاول جديد من قبل الحوثيين بقوة السلاح لن تسكت عنه الدولة وسيكون ردها حاسماً لكل هذه التطاولات والتي تؤثر في السلم الاجتماعي للبلاد". والجوف بانتظار لجنة؟! في هذا الوقت وصلت مجاميع الحوثيين المسلحة إلى تخوم قبائل دهم في الجوف، وهو ما استنفر القبائل التي تداعت للمواجهة في منطقة على الحدود اليمنية السعودية، حيث تسعى جماعة الحوثي للاستيلاء على مناطق ومعسكرات الجيش، غير أنه يتوقع أن يكون للرئيس والحكومة موقفاً رادعاً هذه المرة، خصوصاً بعد توارد الأنباء عن فرض مسلحي الحوثي حصاراً على مقار حكومية ووحدات للجيش، وتهديدهم بقتل من فيها، وهو ما يستبعد معه تشكيل لجنة رئاسية لفض النزاع كما يحدث في محافظات أخرى، في ظل السعار الذي وصلت إليه الجماعة وأطماعها الغير محدودة في التوسع والسيطرة عبر الحروب والقتل اليومي. صالح وسيطاً الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وهو من خاض ستة حروب ضد جماعة الحوثي، هو الآخر أرسل لجنة وساطة كبيرة في 10 نوفمبر الماضي، كما ذكرت صحيفة اليمن اليوم في خدمتها الإخبارية موبايل، برفقة مرافقين عسكريين وتعد الأكبر، وقيل وقتها أن موكبا كبيرا من السيارات يقل لجنة وساطة أرسلها صالح، ووصلت دماج والتقت يحيى الحجوري رئيس مركز دار الحديث، غير أن اللجنة التي ظلت في صعدة لأيام ضاعت في زحمة اللجان، ولم يعلم حتى اليوم ما حققته. ومع كل هذه اللجان الرئاسية، والبرلمانية، والوساطات القبلية، فإن الأمور تسوء في ظل إشعال الحوثي لمزيد من الحروب وفتح جبهات جديدة، وتزايد سقوط الضحايا، ما يدعو للتساؤل عما حققته هذه اللجان. *المادة نشرت في صحيفة الأهالي الأسبوعية