خطورة هذا المقال وأهميته تكمن في كشف الأسباب الحقيقة التي تجعل من اليمن عرضة للتدخل الأجنبي بل والاستعمار إن كلف الأمر ذلك, وقبل خوض غمار أسبابه لابد من سرد ثلاثة بنود:- البند الأول, عندما أتحدث عن التدخل الأجنبي فأنا لا أقصد بذلك أمريكا والاتحاد الأوروبي فقط وإنما للأسف دول إقليمية إسلامية تلعب دورًا سلبيًا مثل السعودية وإيران, وأخرى تلعب دورًا إيجابيًا مثل تركيا. البند الثاني, لن أتشعب في التفاصيل, فدائمًا أحاول بناء جسرًا من الثقة بيني وبينكم لإيماني بقدرتكم على فهم ما وراء السطور بل وتكملة ما سكت عنه قلمي سهوًا أو عمدًا. البند الثالث, لقد رتبت الأسباب بداية بالأهم ثم الذي يليه في الأهمية, ويحق لكم هيكلتها مجددًا أو إضافة أسباب لم أذكرها, وحبذا التفاعل مع المقال بالنقد والتعليق من خلال المساحة المتاحة أسفل الصفحة. أولاً الموقع الاستراتيجي, لو كان العالم زجاجة فاليمن هي عنق هذه الزجاجة بجبهتها البحرية الممتدة 2500كم والتي تعبرها عشرات آلاف السفن سنويًا, حاملة على متنها رؤوس أموال التجارة العالمية, ووقود المصانع العملاقة. فمضيق باب المندب هو ثالث أهم مضيق في العالم حيث يبحر منه ثلاثة مليون برميل نفط يوميًا, وأهرامات مالية مقدرة بأرقام فلكية لتستقر في شارع وول استريت الأمريكي الذي يرسم أصحابه سياسة العالم المهيمنة على شعوب الكرة الأرضية. وبدلاً من أن تدر هذه الجغرافيا الرائعة على مائدتنا المن والسلوى نرى الأقدام تتشقق لتعود بدولار نهاية النهار..!! فموقع السمراء عدن يؤهلها لتصبح مدينة اقتصادية سياحية عالمية حرة بدلاً من الهريسة والبخور والبسباس الذي أغرقت بهم السوق المحلية. ثم كذلك امتلاك اليمن 216 جزيرة يأتي على رأسها سقطرى التي توازي اليمن بأكمله من حيث أهميتها الاستراتيجية الشاملة. ثانيًا الثروات الحيوية, لا أتكلم هنا عن النفط والغاز فقط لأن من حولنا بحيرات عملاقة تفي بالطلب, لكن لدينا ثروات أخرى إذا صحت التقارير الأخيرة في اكتشاف ملايين الأطنان من الذهب واليورانيوم ونعرف أهمية اليورانيوم في تخصيب القنبلة النووية..!! ولأننا بعيدون جدًا عن تشكيل حتى قريحة نووية, فلماذا على الأقل نرضى لأنفسنا بأن نصبح دولة فاشلة, تستنزف الدول الأجنبية خيراتنا بطريقة تهدد مستقبل أولادنا؟ أليس تدخلهم السافر يسبب حروبنا الأهلية التي تخلف وراءها موجات تسونامية من الفقر والفساد والجهل والاستنزاف؟ ثالثًا ضعف الدولة, ولا يتمثل هذا الأمر في ضعف القيادة السياسية فقط بل أيضًا في فشل الاقتصاد, والأمن, والقانون في فرض السيادة الوطنية, وكذلك غياب المشروع الوطني الذي يحقق تنمية مستدامة. فقد توالت الأنظمة السياسية الضعيفة على حكم اليمن لذا كانت دومًا تبحث عن حليف خارجي, مما دفع الدول التي تملك أجندة خاصة بمصالحها على تشويه واقعنا واللعب بتفاصيل مستقبلنا, وليس هذا بجديد على قادة اليمن, فقد صنع الأمر نفسه آخر الملوك الحميريين سيف بن ذي يزن الذي نتغنى به في ملاحمنا التاريخية, ويبدو لي أن الجينات السياسية لذي يزن قد انتقلت عبر التاريخ إلى الذي يزن والذي لا يزن..!! ولعل العزلة التي فرضها الإمام على اليمن وجعل منها " أوطة مغمطة", باليمني دمة ما قد فتشتش, ربما أنها خطة ناجعة جعلت العالم ينظر بتعاطف لهذه البسة التي تتخبط في الظلام دون توريط نفسه بمساسها والعبث بها. رابعًا النظام الجمهوري, فاليمن هي الجمهورية اليتيمة في بيئة ملكية, لذا دأب الجوار على جعل اليمن مجرد مقلب نفايات لكل سلبيات ممالكهم حتى تزهد شعوبهم في أي حلم بالجمهورية, وما تمثله من رمزية للديمقراطية والحرية. فمن المؤكد أن هناك من يريد جعل النظام الجمهوري رمزًا للتفكك, والفساد, والصراع, والفشل, والضعف, والضياع وهذا ما نحن بصدده..!! خامسًا المجتمع المحافظ, معروف عنا المحافظة لدرجة التزمت أو الانغلاق, وهذه العنصر ذو حدين,مخافة تحول المجتمع إلى التدين الظاهري الشكلي. فمثلاً رغم مصاعب المجتمع العديدة إلا أن العالم ينظر إلينا كمجتمع متدين ذاتيًا, يراقب نفسه بنفسه, وثقافة العيب حاضرة بقوة لدينا, لكن الخوف ان يكون مرجعية المحافظة هذه نابعة من ثقافة العيب التي تستند على الأعراف القبلية, والعادات التقليدية, وليس من جوهر ديننا الرشيد, مما يجعل مفاهيم المجتمع حول بعض القضايا مجرد مفاهيم سطحية ستنعكس سلبًا على صورة الدين أصلاً..!! وهذا المجتمع المحافظ هو ما يحاول الغرب اختراقه, فإذا كان التدين شكليًا فلن يصمد لأن العادات والتقاليد تتبدل بتبدل فكر الإنسان, وتتطور بتطور الحياة, وتتغير مع تغير الزمان والمكان..!! سادسًا أهل المدد, ما يميز أهل اليمن رغم فقرهم وشقائهم أنهم أهل مدد لقضايا الإسلام منذ ميلاده. إن أياديهم فقيرة لكنها كريمة تقسم من أقواتهم نصرة لإخوانهم في البقاع المنكوبة, وهذا يدفع الغرب لتفكيك هذه العروة الإنسانية, والخصلة الإيمانية,واختراق هذا البنيان والإيثار والمدد, وشغل اليمن بشأنه الخاص, وتركيز انتباهه على لقمة عيشه..!! ومن الواضح أن ناس اليمن مازالوا قاعدة خلفية لكل قضايا الأمة الإسلامية ومددًا لها بالرجال والمال والأعمال والأقوال. سابعًا السلاح الشخصي, القبيلة والجماعات المسلحة في اليمن تشكل سببًا هامًا يدعو الغير للتدخل في شؤوننا من أجل تفكيك هذه المنظومة الشعبية المسلحة حتى لا تتحول إلى جهاد في أي يوم من الأيام. لكن من السذاجة أن نؤمن بأن الكلاشنكوف الذي نملكه يمكن أن يشكل خطرًا مباشرًا على أمريكا التي تقتل مواطنين في قيفة بالريموت كونترول من فلوريدا..!! إذن متى يمكن لسلاح المواطن العادي أن يشكل تهديدًا حقيقًا لمصالح الغرب؟ وللجواب أقول: عندما يتحول أي اعتداء على اليمن إلى هبة شعبية مسلحة تشكل ما يعرف في التاريخ بالمقاومة أو الانتفاضة التي تجعل كل مواطن مقاتلاً شرسًا ومجاهدًا مؤمنًا بقضيته. وفي مقدمة هذه الجماعات تأتي القبائل اليمنية الأصيلة, وما يؤكد صحة كلامي مثلاً أننا رأينا في الآونة الأخيرة كيف أنتقل تكتيك الحوثي من مواجهة الدولة إلى استهداف القبائل اليمنية, ومحاولة اختراقها من أجل انتزاعها من يد المشائخ إلى يديه لتحمل قضيته السياسية, وتمده بالرجال والجبال, وتوفر عليه الكثير من الجهد والمال والوقت..!! ثامنًا الطوائف المتعددة, اليمن عبر مراحل التاريخ كان قبلة لكل هجرة من أقطار شتى, وشهد صراعًا عالميًا تاريخيًا على مضيقه المائي, وجاءته أجناس عديدة, وتعايشت فيه أديان مختلفة, والتقت فيه طوائف كثيرة, والخطر يكمن أن هذا التناغم الديمغرافي والإيديولوجي من السهل العبث به لأسباب سياسية ودينية ليتحول من سمفونية هادئة إلى صخب يصم الآذان, ويشرخ الوطن الواحد, الدين الواحد, اللسان الواحد. تاسعًا الوحدة اليمنية, لطالما عمل الغرب على إجهاض أي حلم بالوحدة العربية حتى تظل دول المنطقة تحت السيطرة, وكان التخوف من تحول الوحدة اليمنية إلى لبنة أولى في أي تكتل عربي شامل نستعيد به أي شكل من أشكال الإمبراطورية الإسلامية المنقرضة..!! لكن للأسف لم تلهم الوحدة اليمنية الآخرين على تكرار التجربة بعد أن عكست أنموذجًا فاشلاً للدولة الركيكة التي تعاني من أزمات قاهرة. عاشرًا المرأة اليمنية, النظرة التقليدية للمرأة منها ما له علاقة بالدين, ومنها ما له علاقة بعادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان, والتي شكلت عقبة كؤود أمام حقوق المرأة المدنية والدينية. الغرب تعاطف كثيرًا مع المرأة اليمنية بل أعتبرها رهينة يجب تحريرها من سجن الرجل, لذا نرى الاهتمام بإعطائها حقائب وزارية, ومنحها الجوائز العالمية, وإدراجها في منظماته الحقوقية والإنسانية, وجميعها عوامل مغازلة للمرأة اليمنية لكن لن تكون كلها ضارة ولا كلها نافعة..!! بل الأهم هو وعي المرأة اليمنية لأي خطر يلتف حولها مع الاستفادة مما يقدمه الغرب من تأهيل ودعم بحيث لا يكون مغزاه الانقلاب على المجتمع والدين. سؤال أخير, هل فعلاً لن ترى الدنيا على أرضي وصيا..؟