من وقت مبكر وأنا أفكر في كثير من النصوص الشرعية التي توحي بان الابتلاء سنة من سنن الله وان الانبياء والمؤمنين اكثر من ينالهم هذا الابتلاء وماهي دلالات ذلك وهنا اقدم للقارئ الكريم بعضا من هذه الدلالات التي توصلت اليها بالتأمل في بعض هذه النصوص مع الاعتذار عن اي خطأ وقعت فيه دون قصد ومن هذه الدلالات: - أن الأنبياء واتباعهم اكثر الناس حاجة الى التدريب والتأهيل بالوقائع والأحداث والنوازل وان يكتووا بحرهاليعملوا جهدهم في ايجاد الحلول المناسبة لهذه الابتلاءات والمصائب وكون الناس يثقون بهم وبصدقهم لابد ان تكون قدراتهم في إدارة الناس وعونهم والارتقاءبهم متوازية مع مامنحوا من ثقتهم وحبهم ولذا فهم بحاجة ماسة الى دربة عالية. ومهارات يفوقون بها غيرهم ، ولايوجد مثل التجربة والاختبار والامتحان معين على ذلك وبتكرار الابتلاء يرتقي المبتلى في سلم الدراية العملية ويتجاوز عقبات وحواجزمن الإحباط واليأس ليصبح خبيرا ومرجعا في ميدانه. - أن المصيبة تعمل على تجميع القدرات والطاقات بأعلى درجاتها لمقاومة آثار هذه المصائب ومايصاحب ذلك من تفعيل للعقل وتدريب للذهن على تصور الحلول الذاتية الناتجة عن رصيد التجربة فيمامضى من العمر وإستحضار اجتهادات الغيرفي ذلك واتباع هذه الخطوات بذاته أي المبتلى أنفع وأنجع من إيكال الامر الى الغير من أول وهلة مهما كانت ثقته وقدراته لمافي ذلك من حرمان المصاب من الانتفاع بماذكرنا وسنذكر من المنح والمزايا وقد قيل( ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة). - لانها تجعل المصاب اكثر قربا من الله القادر على كل شئ يتقوى بقوته سبحانه ويستعين به وكلما بلغ درجة الاضطرار تحصل على الاستجابة وكشف السؤ كما قال الله تعالى (امن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السؤ) ويستمر سير هذاالمضطر المسكين الفقير بقدراته المتواضعة رافعا يديه الى السماء عندما يناله الضعف وينزل به العجزويصبح ذلك سببا في بلوغ مقام الاستخلاف (ويجعلكم خلفاء الارض) انه ذلك المسكين الذي بدأمشوراه معتمدا على قدراته ومستعينا بجناب ربه يصبح هو الخليفة في ميدانه وتخصصه يعود اليه الغير ليحل مشكلاتهم ويقدم لهم العون والمساعدة ناكرا لذاته متجردا لربه الذي منحه الوصول الى هذا المقام وكان معه في مشواره من أول يوم. - لأن المصائب تفقه صاحبها بأهم الأخطاء والتجاوزات التي وقع فيها وكانت سببافي نزل البلاء به (ومااصابكم من مصيبة فبماكسبت ايدكم) وظاهر الآية يدل على ان هناك ارتباط وثيق بين المصيبة النازلة وبين الكسب المذكور. أي أن لكل عمل ووظيفة في الاسلام مقدمات تؤدي الى نتائج شريطة ان يتم ذلك وفق منظومة من واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات ووسائل واساليب واليات متعلقة بالفعل وبتأخرها اوبعضها تتأخر النتائج وأول هذه المفردات الاعتماد على الله والتوكل عليه كماأمر سبحانه وكمابين رسوله محمد (ص) بقوله (اعقلها وتوكل) ولكل أمر وعمل عقال يخصه والمصيبة هنا في الخلط القائم بين الذنوب والخطايا في أبواب التدين اليومية للمسلم وأثرها في في إعاقة تحقق النتائج والأهداف المرسومة والمرادة عند التخطيط. ومن هنا كان على التاجر الذي أفلس أن يراجع منظومة السلوك والممارسات التي اتبعها من اول يوم بدء فيهابدراسة الجدوى لمشروعه المفلس الى ان نزل به البلاء ولاينس ان يقرأ بتمعن قوله تعالى( ان المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) وقوله(وكلوا واشربوا ولاتسرفوا) وأن يعرض تصرفاته على قوله( والذين اذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) ولاينس ان يعرف ان هذا الرشد قدجاء في اطار حصر صفات عباد الرحمن وأنها تقدمت على صفة التوحيد وقتل النفس وغيرها. وعلى الجيش المنهزم أن يعي أن الهزيمة التي مني بها كانت نتيجة لتفريط بدأ من التقصير في إدراك معنى الاعداد وحدود الوسع والاستطاعة في قوله تعالى( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) اذ الاستطاعة والوسع والطاقة مصطلحات ظلمت لدى المتدينين كثيرا. وللبيان لايخفى ان سعة الإناء هي كمية مايملؤه من السائل وبالتجربة والاستطلاع نجد ان وسع الانسان تابع لمايعرض عليه من حوافز وكانه بزيادة الحافز تزداد الطاقة والقدرة. وعند عرض مبلغا من المال على جمع من الناس شريطة السير عشرات ومئات الكيلومترات علئ الأقدام تكون الاستجابة وكلماارتفعت قيمة الحافز قل المتخلف ولعلمه تعالى السابق بفطرة الانسان نجد القرآن الكريم يذكرالجنة والجزاء والثواب والمغفرة. وعودة الى الاستطاعة المذكورة آنفا في اعداد العدة للجهاد مثلا نجد الآية تضع معيارا واضحا له وهو تخويف الأعداء جميعا تخويف يتجاوز الاعداء المحاربين بحيث يصل هذا التخويف الى قلوب آخرين بعيدين لانعلمهم بالله يعلمهم. وفي الآية دليل على ان هذا الاعداد يستخدم للتخويف أكثر من استخدامه للقتال إذ لايتصور قتال أقوام لانعلمهم وانما يعلمهم الله وحده ولم تستطع أجهزتنا التعرف عليهم (ترهبون به عدو الله وعدوكم وإخرين من دونهم لاتعلمونهم الله يعلمهم). وبهذا المثال ندرك ان قدرا كبيرا من قدراتنا وطاقاتنا لم تستخدم ولم تتم الاستفادة المرجوة منها بسبب ضعف إدراك الفرد والمجموع لحقيقة قدراتهم وطاقاتهم كما ندرك التفريط الحاصل في تحقيق الكثير من الاهداف والنتائج الفردية والجماعية. وما نتج عن ذلك من سلبية بلغت حد الضيق من البعض لسماع ثقافة جديدة تجعله مسؤولا عن تفريطاته وفشله في حياته اليومية وإعجاب البعض بالخطاب الهروبي الذي يبعده من المسؤولية ويحمل سؤالحظ وشر الأقدار الفشل الحاصل منه وقد حارب الاسلام هذه النفسية الضعيفة غير المسؤولة وأمر ان يدعو المسلم صباحا ومساء(اللهم أني أعوذ بك من الهم والحزن وأعود بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل ومن غلبة الدين وقهر الرجال) والخصال الثمان قاتلات للمرء معينات للشيطان في تجاوز مرتبة الإغراء له الى درجة الامر بالفواحش اذا استسلم المسلم للضعف واقتنع بالعجز والفقر الموعود من إبليس كمافي قوله(الشيطان يعدكم الفقر ويأمر بالفحشاء) ولم يترك القرآن الجواب لعزائم الناس وانما أتى بوعد منه كله إيجابية ومسؤولية فقال( والله يعدكم مغفرة وفضلا والله واسع عليم ) فلمن تكون الاستجابة إذن؟ - وبالابتلاء يتعلم المرء مراجعة الماضي وتقييمه والوقوف مع نجاحاته ليعززها وينميها ومع اخفاقاته ليصححها ويصلحها كما ان الآلام والأوجاع قد تكون إنذارات لماخلفها من امكانية الإصابة بالأمراض المزمنة تدفع صاحبها الى المبادرة بالإسعاف قبل ان يستفحل الوضع ويصبح خطيرا. وهكذا يجمل القرآن الكريم ان الغاية الكلية من خلق الموت والحياة هي الابتلاء والامتحان وان نتيجة ذلك هو معرفة الأحسن عملا فقال سبحانه ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) انه مقام الجميع مطالب بتحقيقه في كل الميادين والمجالات والتخصصات وماابدعه الانسان من معايير الجودة وأجمع عليهاالناس درجة في سلم الأحسن والوقوف في مقامات دونها وخاصة من اتباع الانبياء ومن جعلهم الناس قدوة لهم تفريط وتقصير وربماتجاوز كثير من الذنوب والخطايا.