الكذابون خاسرون دائما، ولا سيما أن أحدا لا يصدقهم حتى ولو صدقوا.. أرسطو لا يوجد أكثر تعبيراً عن الحالة المصرية من بيت المتنبي الشهير: وكم ذا بمصر من المضحكاتِ ... ولكنه ضحكٌ كالبكا فحزب المصريين الأحرار قام بوقفة احتجاجية ضد زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون لمصر السبت الماضي. حزب المصريين الأحرار ليس حزباً سلفياً يرى هيلاري امرأة متبرجة وسافرة ولا يجب أن يستقبلها رجل متدين مثل محمد مرسي، الحزب ليس أيضاً ذو توجهات شيوعية يشكك في كل عمل تقوم به الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ حزب المصريين الأحرار هو الأكثر تعبيراً عن الرأسمالية في مصر، وقادته لا يكلون عن مدح أمريكا، وسبق لمؤسس الحزب رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس أن أدلى بتصريحات لوسائل إعلامية أمريكية أثناء زيارة سابقة للأراضي الأمريكية فهم منها تحريضه على التيار الإسلامي. موقف المصريين الأحرار لا يقل انتهازية عن أنصار الرئيس المخلوع مبارك الذين دعوا للجهاد بمناسبة زيارة المسؤولة الأمريكية لمصر، وهو الأمر الذي لم تجرؤ القاعدة على التفكير فيه. لنترك الموقف من أمريكا جانباً، ونتحدث كيف تحول القانون لسكين في جسد الشعب وارادته الحرة، فقد شهدت مصر سعاراً كبيراً بعد قرار الرئيس محمد مرسي بسحب قرار المجلس العسكري القاضي بحل البرلمان، فقد حرّض كثيرون ممن يدعون أنهم ينتمون للتيار المدني العسكر على الانقلاب تحت زعم أن الرئيس لم يحترم أحكام القضاء. وبعيداً عن الشبهات التي تلاحق حكم المحكمة الدستورية التي قضت بحل البرلمان وهي أكثر مما تعد وتحصى، فإن المبادئ المستقرة في دساتير العالم أنه لا يُسمح بحدوث فراغ تشريعي، لذلك عندما حكمت المحكمة العليا الدستورية في بلجيكا بعدم دستورية قانون الانتخاب أعطت البرلمان مهلة اربع سنوات لتنفيذه، وفي دساتير هولندا والسويد والدنمارك لا يسري قرار الحل للبرلمان إلا بعد انتخاب برلمان جديد. وقد حاول الرئيس المصري أن يتلافى عيوب بقاء سلطة التشريع في أيدي المجلس العسكري في سابقة لم تحصل من قبل، وربما كان ذلك هو وراء هذا الهجوم البذيء على رئيس منتخب من قبل أشخاص لا يُعرف عنهم الشجاعة والانصاف. وعلى كل حال، بات من الواضح أن الرئيس الجديد والآتي من صفوف الشعب يواجه الدولة العميقة التي ما تزال تسيطر على معظم المؤسسات القائمة، ومن ضمنها مؤسسة القضاء التي باتت طرفاً في الصراع الدائر الآن بين الرئيس المنتخب والمؤسسة العسكرية التي تحكم مصر منذ ستين عاماً، وهذه الحقيقة ينبغي أن تغيّر من استراتيجيته، إذ سيكون من الأفضل أن يندفع مرسي تجاه حل مشكلات المواطنين، وتكوين ظهير شعبي يكون سنداً له في محاربة رموز دولة مبارك المغرقة في الفساد. وقد يكون من المناسب في هذا الاطار الاستفادة من التجربة التركية، فقد تعامل اردوغان بحذر مع تحالف العسكر والمحكمة الدستورية العليا، ووجه طاقاته نحو انتشال تركيا من حالة الفساد التي كانت استشرت في كل مؤسسات تركيا. على مرسي أن يدرك أن خصومه أشداء ويملكون قدرة رهيبة على التضليل، لذا ينبغي أن يتصرف بوصفه زعيماً شعبياً، فبعد أيام قليلة ستحل ذكرى ثورة يوليو، وثمة من يترقب كيف سيتصرف الرئيس مرسي الذي ينتمي لجماعة ليست على توافق مع ثورة يوليو وزعيمها الرئيس جمال عبدالناصر؟ إن أفضل تصرف يقدم عليه الرئيس مرسي أن يتعامل مع ثورة يوليو بوصفها ثورة الشعب المصري وجزءاً هاماً من تاريخ مصر العريق، ويتناسى كل المرارات التي لديه ولدى جماعته؛ جماعة الاخوان المسلمين من العهد الناصري، فهذه البداية للتأكيد على أنه رئيس مصر، ورئيس جميع المصريين، وليس رئيساً لفئة بعينها. - الناس