يحكى أن رجلاً وجيهاً كان يملك مالاً كثيراً وجاهاً ..دائماً ما يلتف الناس حوله، يده بيضاء يقدم الخير للمحتاجين ويساعدهم وكان ينتابه شعور بالضيق من الحب الزائد والشعبية الزائدة والزحمة والاحترام كان الرجل إلى جانب ذلك حكيماً ويطمع أحياناً في أن يسمع شخصاً يقول له مثلاً ( طز فيك ) أو ما شابه،كان يريد أن يعرف سر هذا الحب وحقيقته، الناس تؤكد له أنه صاحب شخصية جذابة ومحبوب لشخصه..أراد يوماً أن يسير وحيداً دون ضجيج وبلا جموع، امتلكته رغبة شديدة في أن يتحرر من الشعبية والزحمة والأبهة.. خرج يوماً متسللاً لبس ثوباً مهترئاً من أيام الفقر وتسلل وحيداً يمشي ويمشي، شعر بالسعادة الغامرة وهو يتنقل بين القرى والأسواق دون أن يلفت انتباه أحد أو تعيقه الجموع، شعر أنه حر من الناس والشعبية التي تتحول أحياناً إلى قيود، الشعبية ذاتها أكبر مستبد وأكبر مستعبد لبعض الناس الذين يطلبون الشعبية ويرضخون للوجاهة وثناء الناس ورضاهم الذي لا يدرك وهؤلاء صنف من صنوف المعذبين في الأرض. سار صاحبنا حراً وحيداً بدون حصان ولا مرافقين وبلا جموع، شعر بالجوع.. في إحدى القرى طلب منهم كسرة خبز وماء كان يمثل دور المسكين الإنسان الذي يحبه..لم يؤبه له..الله كريم، الكلمة التي لم يجد غيرها مع كثير من الحاجة والذل الذي لم يذقه من قبل..لأول مرة يشعر بأن للجوع أظافر وأنياب بل وسكاكين حادة، في الأسبوع الثاني بعد عودته من رحلة الحرية والاختبار هذه..استقبلت القرية أحد الوجهاء والسلاطين إنه الحاج محمد عثمان بحصانه الأحمر ومرافقيه، اعترض أهل القرية الموكب وأقسموا إلا أن يكون الحاج ضيفهم، ذبحت الذبائح وصارت وليمة كبيرة وقبل أن يمد الحاج المحترم والضيف المبجل يده إلى المائدة أخذ ثوبه الطويل وغمسه بالمائدة قائلاً: (كُل ياكمي قبل فمي) أنها ضيافة للمظهر والثوب والهنجمة..لقد كان هو الرجل المتنكر الغريب الذي رفض الناس اعطاءه كسرة خبز قبل أسبوع ليسد رمقه.. أصل الحكاية من السودان والزيادة من عندي غير أنها ظاهرة إنسانية تتحدث عن احترام الناس للمظاهر التي تكون غالباً خادعة وترك المخابر تموت بصمت رغم حاجة الإنسانية إليها والاستفادة منها، الحضارة ليست أكثر من القدرة العامة على التنقيب بعد الجواهر والابتعاد عن زبد الأشياء كسباً للوقت واحتراماً للحياة الإنسانية..الحضارة استعلاء على خداع المظاهر لا أقل ولا أكثر. [email protected]