(يحسبهم الجاهلُ أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا ...). عنوان هذه الحلقة [الصدقة على راكب حصان] هو أقرب إلى الحكمة والتجربة ، وجاء في الحكاية الشعبية أن أحد الأثرياء أخرج كيس (صُرة) دراهم ، وقال لخادمه : اخرج مبكراً وقف على باب المدينة وأعطِ هذه النقود لأول خارج من المدينة ، ففعل الخادم وجلس ...فكان أول خارج شخص راكب على ظهر الحصان يمشي متلفتاً يسرة ويمنة.. فنظر إليه الخادم قائلاً: حاشى أن هذا يستحق الصدقة وها هو يملك حصاناً جميلاً ...فتركه ولم يُعطه المال. وبعد لحظات خرج شخص رث الهيئة، محدودب الظهر يحمل كيساً كبيراً ويمشي بخطى مثقلة وعلامات الجهد عليه بادية فبادره الخادم وأعطاه الصُرة وعاد إلى منزل سيده ولم تكن سِوى لحظات حتى دخل الناس المدينة يقولون إنهم قد وجدوا شخصاً راكباً على حصان قد سقط ميتاً من الجوع، والأحجار مربوطة على بطنه، وفي الوقت نفسه وعلى بُعد أمتار وجدوا شخصاً مظهره يدل على أنه مسكين فقالوا ربما يستحق الصدقة، فتقدموا منه فإذا هو ميت ففتشوا كيسه الكبير فوجدوا فيه أنواعاً من الخبز والحلوى والفاكهة المختلفة وقد تلف بعضها، ووجدوا معه سكر، ودقيق، وأنواعاً من الحبوب في أكياس صغيرة ووجدوا معه نقوداً مختلفة المراتب ثم فوجئوا بوجود كيس (الصُرة) فتملكتهم الدهشة فحملوها إلى صاحب الشرطة وطار الخبر إلى بيت التاجر المحسن، صاحب الصُرة. ومن تلك اللحظة قيل إن الصدقة على راكب حصان. وإذا كان القرآن الكريم قد نص على أن هنالك أُناساً مستوري الحال أمام الأعين، وهم سكان في منازل جميلة متصبرين متجملين أمام نوائب الدهر غير أنه لا أحد يأبه لهم ظناً أنهم ميسورون، وهم أصحاب عفة وتجمل بالصبر يكاد يذوب أحدهم أهون عليه أن يمد يده، وهنا جاء القرآن الكريم يلفت الأنظار إلى هذه النوعية (راكب الحصان). هنالك بيوت وأسر لا تحتاج إلى العطاء العيني؛ لأن أولادها يمتلكون النباهة والذكاء، والمواهب وهم قادرون على كفالة أسرهم... فقط هم الآن في سن الدراسة الجامعية بحاجة لإعانتهم على إكمال مشوارهم التعليمي فقط. وهم سينطلقون إلى العيش الكريم بحكم الكفاية العلمية والمعرفية. من هؤلاء الأسر طلاب لم يتمكنوا من دخول التخصصات المرغوبة نظراً لعدم وجود وساطات أولاً، ونظراً لقلة المقاعد ثانياً، فحاولوا دخول المعاهد والجامعات الخاصة برسوم مرتفعة بالنسبة لواقع حال هؤلاء الطلاب ..بعضهم باع ما تمتلكه الأسرة من حُلي، وبعضهم استدان وواصل إلى منتصف المشوار، وهو الآن مهدد بالطرد نظراً لعدم دفع الرسوم!؟. بالمقابل هناك أولاد أغنياء ووجهاء يدرسون في هذه المعاهد الخاصة والكليات وبرسوم رفيعة ولكن على حساب بعض الجمعيات الخيرية؟! وربما بعضهم يأخذ هذه الرسوم من تجار والتجار يحتسبونها زكاة علماً بأن القليل من هؤلاء الطلاب هو من يستحق الدعم والبقية مجاملات وشراء مواقف. قد رأيت بعيني بعض التجار يقبلون وظائف بالثانوية العامة، بشرط أن يكون هذا الموظف من أبناء أو أقارب الوجاهات، وهم يعلمون أن هؤلاء لا ولن يشتغلوا؛ لأنهم غير مهنيين أولاً، ولكن هكذا شاءت الأوضاع أن يحرم حملة البكالوريوس المهني وتمنح الوظيفة لغير المهني إنه واقع منكوس ليس وليد الساعة، وإنما ثمار لوضع عاش واقعنا عقوداً نكدة خلقت هذا الغبن المتراكم. رابط المقال على الفيس بوك