كتمهيد للمدخل في الكتابة والاحتفاء بالعالمة اليمنية “مناهل ثابت” تحتشر في رأسي حكمة قديمة “اللي ما يعرف الصقر يشويه”. في وطن يحتل من مساحة ذهنية أهله اهتماماً واسعاً ب”القصبة واللبنة” كمساحة أرضية يمكن أن تضمن لك استقرارا وارتباطاً مكانياً يقيك أتعاب التنقل وهموم الإيجارات في حين أنه لا تحتل فيه “مناهل ثابت” كقامة يمنية علمية وقفزة هامة في “ماراثون” المعرفة والأبحاث الفضائية إلا ركناً صغيراً غير مهمل في الصفحة الأولى لصحيفة الجمهورية. خبر كهذا قد لا يكون محفزاً ولا مسوغاً منطقياً عند البعض لاشتداد عضلات الوجه, إثر تعرضه لفرح مفاجئ أو عودة حبيب من غربة طويلة وكبدايةٍ لثمار ثورة آتت أكلها لمزارع أرهق في بذرها ورعايتها على أن ارتفاع عشرة “ريال” في سعر كيلو “طماط” يجعلهم محمومين إلى درجة يبدأون معها الحديث عن خطورة المستجدات في الساحة الوطنية وإرباك الاستراتيجيات العامة و”لخبطة” الخطة الخمسية وغيرها من “الهلوسات” وربما لم يكتف البعض إلا بصورة “عزمي بشارة” بتحليلاته العميقة وهو يحذر من مغبة الاسترسال في هكذا أعمال. يمكننا هنا في بلد “واق الواق” أن نحتفل بكل شيء وحتى بالجرح كما يرى الفنان “أبوبكر سالم” إلا مبدعينا فقد عاهدنا الله أن لا نحتفل بهم كما هي العادة. لم يكن غريبا ولا خارج الحسبان حين تجاهلنا والحكومة كذلك خبر ابتكار النظريات والمعادلات الحسابية الفضائية للعالمة اليمنية “مناهل ثابت” والتي اعتبرها العالم صرخة في وجه الأسطورة الأمريكية “اينشتاين” في حين استفزت هذه الأخبار كل وكالات الأبحاث الفضائية على أمل أن تبرم عقداً مع هذه العالمة القادمة بجواز سفر من بلد يقذف بأجمل أيقوناته من سطح المكتب إلى سلة مهملات كأيقونة غير مرغوب بها على ظهر وطن نتيجة دخول فيروس دماغي حطم جهاز الاستشعار التقديري للمعرفة والحساسية المفرطة تجاه الأعمال الإبداعية وعطل مغناطيس الانجذاب المعرفي لصالح إنجازات “الميري” والجنبية “الصيفانية” والتي ليس لها علاقة بالعقل “الصيفاني” تماماً كما ينبغي أن يكون. يقال إن بين الإبداع والجنون شعرة, وأقول إن بين الحكومة والمبدع شعرة أيضاً وحليب نمو “كامل الدسم” لأن المبدع في بلادنا يعيش مهمشاً ومشرداً إلى أن تسقط هذه الشعرة اللعينة وعندها تجد الحكومة له الكثير من “المصحات النفسية” بدلاً عن “المراكز البحثية” في حين أن “المصحات النفسية” تحتضنك ولكن بعنف وتضمك ك”خالة” تصر على إذلالك. “مناهل ثابت” غادرت وطنها ولكن وطنها لم يغادرها إذ بقي حبه محفورا في قلبها على أمل الانتماء لها واحتضانها كوليد ترى أمه في عينيه المستقبل باسماً إثر ولادة ثورية مفاجئة قربت البعيد وجعلت المستحيل ممكناً في هذا الوطن.. إنها لا تملك حين ينساها الوطن إلا أن تخرج من حقيبتها جواز السفر لتؤكد أن عينيها المتوقدتين قد تسمرتا عند حائط يمني وهي تقبع في ركن صغير من صحيفة الجمهورية. يتوازى العشق الوطني لشاعر مثل الزبيري عاش من أجل الوطن ومات من أجله ولم يجد حينها أثمن من قلبه الدامي ليعطيها له كهدية أخيرة وبين لغة علمية لا تستطيع “مناهل ثابت”صياغتها والتعبير عنها كما الزبيري إلا بلغة الحسابات الفلكية والمعادلات الرياضية لعقل يحب الضجيج ويكره الهدوء. إن هذا الجيل يشبه الى حد كبير جواري الزمن الماضي التي لم يكن يحررها غير ابنها الموجود في بطنها فبولادته تتحرر الجارية من العبودية وتفتك من أسر سيدها .. فيا حكومتنا الموقرة اهتموا بصغاركم لتتحرر اليمن ونجد مكاناً معرفياً في سوق الزحام الحضاري. [email protected]