موقف الغربلة أوقفني في موقف الغربلة وقال لي: لا تكن معدتك أكثر ذكاءً من عقلك، سألته التوضيح فقال: معدتك تلتهم الغذاء فتمتص ما يفيد الجسم وتقذف الفضلات، فلا يكن عقلك أعجز منها في الاستفادة من جوهر الأفكار والمعارف وقذف ما لا يفيد في سلة المهملات. القدرة على انتقاء المعلومة النافعة في عصر ثورة المعلومات، كنز عظيم إذا ظفرت به ظفرت بجوهر المعرفة. موقف التمييز أوقفني في موقف التمييز وقال لي :عندما كنتُ صغيرا، أخبرتني أمي رحمها الله أن كلباً تهجّم علي ،فلازمتني حالة من الذعر من كل كائن يدب على أربع لا أفرق بين الكلاب والأرانب وغيرها، وكلما بدأت أكبر بدأت أميز واتحرر من الحالة التعميميةالطفولية أدركت الفرق بين الأرانب وبين الكلاب و بين الكلاب المؤذية وغير المؤذية. ومن يومها أدركت أهمية العبارة القائلة” كل تعميم مجرد تعتيم”.. قلت له: الان فهمت السبب الرئيسي لظاهرة التراشقات التعميمية في إدانة الاحزاب والجماعات،والشعوب والجنسيات: يا إلهي: كم عدد الذين يعانون من حالة تثبيت وعي في مرحلة ما قبل التمييز وهم يظنون أن عقولهم قد تحررت وينذرون أنفسهم لتحرير الآخرين. قال لي احسنت لا يزال بعض كبار المثقفين والسياسين يعانون من حالة تثبيت وعي في مرحلة الستينيات والسبعينيات في توصيفهم لخصومهم ، وما يثير الغرابة أن تجد مثقفاً قارب الثمانين من عمره، وما يزال حبيس هذه الثقافة الإطلاقية. ما أحوجنا إلى محاسبة ذواتنا، لنعرف كم مرة نرتكس فيها نحن ادعياء الثقافة إلى ماقبل الطفولة الواعية عندما نطلق الاحكام التعميمية ضد من نكرههم لا أسوأ من جناية تلويث الذات بالكراهية المطلقة لأنها تحكم علينا بالطفولةالمؤبدة موقف العوائق أوقفني في موقف الابداع والتجديد وقال لي: ثلاثة أشخاص يعيقون الابداع و التجديد الحضاري في عالمنا العربي والاسلامي: متدين جامد ووضعي جاحد ونفعي فاسد، المتدين الجامد: يخلط بين قداسة الدين وبشرية التدين ويتجاهل أن التدين ممارسة بشرية معرضة للصواب والخطأ،وأن التدين في مراحل معينة يكونتفاعلاً مع تحديات ذلك الواقع. والعلماني الوضعي الجاحد: يغلب الجانب المادي وينتقد الدين من منطلقات مادية ساذجة تربط بين العلمانية والالحاد وتتخذ من أخطاء التدين مبررا للطعن في الدين. والبرجماتي النفعي الفاسد: يقلل من أهمية الظاهرة الدينية ويعتقد أن دراستها ليس لها أي مردود عملي وأن الدين لايدخل في اهتمامات الانسان المعاصر، وهو يشكو في نفس الوقت من تأثيرات الفكر الديني ويطالب بشطب الدين من الواقع الحياتي بجرة قلم، وهذا الشخص في الغالب يخاف الاحياء الديني لما يسببه له من تأنيب يقلق ضميره الغارق في ظلمات المصالح الفاسدة و النفعية الأنانية الضيقة. والتجديد الديني والحضاري لا يواجه ذهنية التشدد والجمود فحسب بل يواجه هذه العوامل الثلاثة في وقت واحد موقف الأولويات أوقفني في موقف الأولويات وقال لي: يوم قلتم الوحدة قبل الحرية والديمقراطية خسرتم الحرية والديمقراطية وشوهتم الوحدة, وعندما قلتم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية قبل الديمقراطية خسرتم الديمقراطية وشوهتم الاشتراكية وحين قلتم الاسلام قبل الديمقراطية خسرتم الديمقراطية وشوهتم الاسلام, وعندما قلتم القومية قبل الديمقراطية خسرتم الديمقراطية وشوهتم القومية, ويوم قلتم التنوير قبل الديمقراطية خسرتم الديمقراطية وشوهتم التنوير, وحين اكتشفتم أن نخبكم المؤذلجة جعلتكم تخسرون جميع مابعد وتشوهون جميع ماقبل. حتى جاء ربيع الثورات المشترك لجميع الايدلوجيات في يوم اشعل شرارته بائع الخضار في تونس،وحينها قالت لكم فلسفة الجسد المحترق ما عجز جميع فلاسفتكم ومثقفيكم عن قوله:الديمقراطية والحرية أولا وثانيا وثالثا موقف الابتلاء أشرق عليه في لحظة التجلي فقال يا رب: لماذا خلقتني في شعب يعيش هذا التعقيد وهذه الأزمات المتراكمة، قال: لأساعدك على تحقيق ذاتك، وتكثيف إنسانيتك، ولو خلقتك في عالم زاخر بالرفاهية خلو من التعقيد انتفت حاجة الحياة إليك. موقف التعايش أوقفني في موقف التعايش بين المذاهب وقال لي : يلجأ أهل السنة إلى المناهج العقلية في نقد التراث الشيعي ويلجأ الشيعة إلى ذات المناهج في نقد التراث السني ماذا لو لجأ كل فريق إلى ذات المناهج في مراجعة تراثه وتجديده وتطويره؟! من معالم المواطنة المتساوية في الاسلام حين اهتز عرش الرحمن وتنزلت آيات القرآن لانتهاك مواطنة يهودي في عصر النبوة سرق انصاري درعاً فلما اشتكاه صاحب الدرع الى الرسول اتفق الانصاري مع أصحابه على رمي الدرع في بيت يهودي لتلفيق التهمة على اليهودي ابن اليهودي وتبرئة المسلم، وذهبوا إلى الرسول (ص) وقالوا له إن الدرع في بيت اليهودي فبرأ الرسول المسلم واتهم اليهودي، فاهتز عرش الرحمن من هذا التزوير العصبوي الهادف إلى تبرئة المجرم الحقيقي لأنه مسلم، واتهام من لا ذنب له لأنه يهودي فنزل الوحي على صاحب الرسالة بقوله تعالى: ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيماً الى قول الحق :{ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا}. * عن يومية الجمهورية مع التصرف في العنوان