يزداد الأمر تعقيدا أن الإصلاحات المفصلية والجوهرية التي فرضتها المرحلة الانتقالية الثانية مرتبطة بمؤتمر الحوار بل إن الآلية اشترطت أن تكون تلك الإصلاحات من مخرجات المؤتمر. أفضى التباطؤ المستمر أو التأخير الذي اختاره الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي بصفته قبطان العملية الانتقالية وتقسيط الحلول وعدم الحزم في اتخاذ القرارات إلى تأجيل غير معلن لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل بعد تأخر اللجنة الفنية التحضيرية للمؤتمر في استكمال مهامها وفق الفترة المحددة. التأخير في موعد انعقاد المؤتمر واستكمال التحضير له لم يكن مفاجئا باعتباره نتيجة حتمية لديدن التأخير الذي تم التعامل به مع المبادرة وآليتها التنفيذية منذ الأيام الأولى لنفاذ المرحلة الانتقالية مع توقيع المبادرة يوم الأربعاء 23 نوفمبر 2011م. في مثل يوم الجمعة القادمة من الأسبوع الجاري من العام 2011م أذعن الرئيس السابق علي صالح وخط بقلمه توقيعا على 5 نسخ من البروفة الخامسة من المبادرة الخليجية المدعومة دوليا تقضي بتنحيه عن الحكم. توقيع صالح جاء بعد جولات متلاحقة من خيبات الأمل وصلت درجة اليأس ورضوخا لضغوط محلية كادت تصل حد الانفجار واحتشاد دولي لضمان خروج «آمن ومشرف» لصالح الذي تفنن في إرهاق الجميع بمماطلته وحيله. ومن سوء حظ المبادرة تلك المماطلة والتأخير في التعامل معها سابقا ولاحقا إذ تبدو أجواء اليأس التي رافقت التوقيع في 23 نوفمبر 2011م لا تختلف كثيرا عن أجواء الإحباط المتسعة بحلول 23 نوفمبر 2012م. لا يبدو الوضع بذات الصورة التي يراها الرئيس هادي وتأكيده في غير مرة أن نجاحات «باهرة» تحققت خلال الفترة الماضية.. لا يبدو موافقا لمفردات المقارنة المملة التي تحوكها الآلة الإعلامية للرئاسة في حديثها عن استقرار منقوص تعيشه العاصمة صنعاء وكيف أنها كانت «مقطعة» أو «مقسمة».. نقول ذلك قبل 3 أيام من غروب شمس الجمعة 23 نوفمبر 2012م وانتهاء عام مضى والدخول في عام ثان. متأخرات المرحلة الأولى بالنظر إلى بنود المرحلة الأولى التي انتهت في ال(25) من فبراير المنصرم ونصت آلية المبادرة على أن تبدأ مع بدء نفاذ الآلية نجد أنه تم تأخير وترحيل بعض البنود الواردة فيها. وبدأ مسلسل التأخير في تطبيق الآلية من تأخير تقديم الحكومة برنامجها لمجلس النواب لمنحها الثقة، حيث تنص الآلية على أن يتم ذلك في غضون 10 أيام من تاريخ أداء الحكومة اليمين الدستورية. قدمت الحكومة برنامجها للبرلمان في تاريخ (24 ديسمبر 2011م) أي بعد 4 أيام من الموعد المحدد إذ كان يفترض أن تقدم برنامجها يوم (20 ديسمبر) علما أن الحكومة أدت اليمين الدستورية بتاريخ 10 ديسمبر 2011م. مرت المرحلة الأولى دون أن تقوم الحكومة ب»وقف جميع أشكال العنف وانتهاكات القانون الإنساني» الذي نصت عليه الفقرة (أ) من البند (13) للآلية، إذ يثبت الواقع أن العنف امتد إلى المرحلة الثانية ولا يزال يحدث في مناطق مختلفة حتى اليوم. كما لم تقم الحكومة حتى اليوم بكثير من واجباتها في فرض كامل سيطرتها على جميع أنحاء البلاد إذ لا تزال كثير من المناطق خارج سيطرة الدولة؛ يعلم الجميع أنها لم تستطع تأمين حياة وزراء فيها تعرضوا لمحاولات اغتيال أمام مقرها بصنعاء واكتفت بإصدار بيانات الإدانة والاستنكار فقط؛ بل إنها لم تستطع تأمين مبنى مجلس الوزراء ولجأت في غير مرة إلى عقد اجتماعاتها بدار الرئاسة لدرجة اعتكاف رئيسها باسندوة في منزله وممارسة مهامه منه بدلا من مكتبه الرسمي. وصل الحد لدرجة اعتراف الحكومة مثلا بعدم سيطرتها على ميناء ميدي -وفقا لما صرح وزير النقل واعد باذيب. كما لم تنجح الحكومة خلال المرحلة الأولى في إعادة الوحدات العسكرية إلى ثكناتها وإخلاء المدن من الجماعات المسلحة. ومقابل النص على قيام الحكومة بحماية المدنيين وضمان حرية التنقل للجميع و»في جميع أنحاء البلد» لا تزال النقاط والقطاعات المسلحة تنتشر في كثير من المناطق والطرق العامة حتى اليوم. الأمر الآخر أن المعلومات لا تزال تتواتر عن استمرار المختطفين والمخفيين قسريا على ذمة الثورة في سجون ما بعد الثورة رغم أن بنود المرحلة الأولى تلزم الحكومة بإطلاق «سراح الذين احتجزوا بصفة غير قانونية»، وبعض أولئك لم تعرف بعد أماكن وجهات احتجازهم. عجز النظام الانتقالي نصت الفقرة (ب) من البند العاشر على أن يكون المرشحون لعضوية حكومة الوفاق «على درجة عالية من النزاهة والالتزام بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي»، وشاب تنفيذ هذه الفقرة الكثير من المخالفات حيث نال عضوية الحكومة أشخاص لا تنطبق عليهم هذه المعايير ويتهم بعضهم بالمشاركة في انتهاكات وجرائم وقضايا فساد. وألزمت المبادرة النظام الانتقالي بما وصفته «ضمان أداء المهام الحكومية على نحو منظم بما فيها الإدارة المحلية وفقاً لمبادئ الحكم الرشيد وسيادة القانون وحقوق الإنسان والشفافية والمساءلة»، ويعلم الجميع أن عملية التغيير لم تشمل الإدارة المحلية والمستويات الإدارية المتوسطة ذات العلاقة المباشرة بحياة المواطن وأمنه كإدارات الأمن والمراكز التعليمية والصحة وغيرها؛ فضلا عن انحصار عملية التغيير في الوزراء فقط ولم تشمل ما دونهم مقابل بعض المخالفات في قرارات جاءت بعيدة عن مبادئ «الحكم الرشيد»، كما لم يصل التغيير إلى المؤسسات العامة والحكومية بعد. التأخير ذاته حدث مع تشكيل لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار الذي نصت المبادرة على إصدار قرار بتشكيلها في غضون 5 أيام من بدء نفاذ المبادرة، إلا أن قرار تشكيلها لم يصدر إلا في 4 ديسمبر 2011م بتأخير (6) أيام، إذ كان يفترض أن يصدر القرار قبل (29 ديسمبر). بنود منسية أوجبت المبادرة تشكيل لجنة التفسير خلال المرحلة الأولى بل وفي غضون 15 يوما من بدء نفاذ المبادرة؛ واللجنة تعتبر مرجعية لطرفي التسوية لحل أي خلاف في تفسير المبادرة وآليتها، إلا أن تشكيل اللجنة لم يتم حتى اليوم رغم انتهاء المرحلة الانتقالية الأولى ومضي 9 أشهر من المرحلة الثانية. اللافت أن هذا البند صار منسيا من جميع الأطراف ومن رعاة المبادرة أيضا. وسبق أن دعا المجلس الوطني لقوى الثورة السلمية إلى الإسراع بتشكيل لجنة تفسير المبادرة إلا أن الدعوة لم تلق أية استجابة. العدالة المعلقة بين رئيسين ولأكثر من خمسة أشهر وقانون العدالة الانتقالية متروك على طاولة الرئيس الانتقالي ورئيس الحكومة الانتقالية بانتظار إقراره بعد إحالته إليهما من قبل الحكومة التي فشلت في إقراره بسبب رفض وزراء في حزب المؤتمر الشعبي العام مناقشته في يوليو المنصرم. ومقابل تأكيد وزير الشؤون القانونية محمد المخلافي أن القانون المعلق بين رئيسين سيصدر قبل مؤتمر الحوار الوطني (لم يحدد موعده حتى اللحظة) سبق وقال الوزير إن الأطراف ملزمة بإصدار القانون وفقا لنص قانون الحصانة وبموجب المبادرة وآليتها التنفيذية. الأمر ذاته حدث مع تشكيل لجنة التحقيق المستقلة في الأحداث التي وقعت عام 2011م التي تأخر تشكيلها كثيرا بعد عرقلة وزراء في المؤتمر مناقشتها من قبل الحكومة.. وقد صدر القرار الرئاسي بتشكيل اللجنة في ال22 من سبتمبر الماضي. مأزق المرحلة الثانية تكاد المرحلة الثانية من العملية الانتقالية تقترب من مأزق خطير قد يصاحب الاقتراب السريع من نوفمبر 2014م في ظل التباطؤ المستمر في إنجاز بنود المرحلة التي مر عليها 9 أشهر ومحددة بعامين. ووفقا لنص القرار الجمهوري رقم (30) الصادر في 14 يوليو الماضي بإنشاء اللجنة الفنية التحضيرية لمؤتمر الحوار كان يفترض أن يصدر الرئيس هادي في ال(15) من نوفمبر الحالي قرارات بالإجراءات التي اتخذتها اللجنة الفنية؛ إذ كان يفترض أن تكون اللجنة انتهت من مهامها بحلول 30 سبتمبر الماضي وإصدار تقرير نهائي تقدمه للرئيس ليقوم بدوره بإصدار القرارات بعد ستة أسابيع من صدور التقرير النهائي للجنة.. هكذا ينص القرار. وتفرض الآلية على الرئيس الانتقالي والحكومة الانتقالية الدعوة لعقد مؤتمر حوار وطني شامل لكل القوى والفعاليات السياسية واشتراطها أن يتم ذلك «مع بداية المرحلة الانتقالية الثانية»، وهي المرحلة التي شارف عامها الأول على الانتهاء. تعثر التحضير للمؤتمر يكشف حجم العثرات التي صاحبت العملية الانتقالية وعجز النظام الانتقالي وأطراف التسوية في تنفيذ كامل بنود المبادرة وغياب لجنة التفسير التي كان يعول عليها تقديم مساعدات كبيرة في ترميم أي اختلالات. ويأتي تأخر المؤتمر كنتيجة طبيعية لاستمرار انقسام الجيش والأمن وتأخير وإصرار الرئاسة على تأخير القرارات العسكرية والأمنية والمدنية والدبلوماسية التي من شأنها زرع الثقة لدى جميع الأطراف -وبالأخص القوى الثورية- بجدوى الحوار وبالتالي إقناعها في الانخراط فيه. يزداد الأمر تعقيدا أن الإصلاحات المفصلية والجوهرية التي فرضتها المرحلة الانتقالية الثانية مرتبطة بمؤتمر الحوار بل إن الآلية اشترطت أن تكون تلك الإصلاحات من مخرجات المؤتمر. وتشترط الآلية أن يخرج المؤتمر بتشكيل لجنة دستورية في مدة أقصاها ستة أشهر من انتهاء المؤتمر مهمتها صياغة مشروع دستور جديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنشائها، ليتم بعدئذ عرض الدستور للاستفتاء العام.. وخلال ثلاثة أشهر من اعتماد الدستور الجديد يعتمد البرلمان قانوناً لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. وينتظر من ال13 شهرا المتبقية من المرحلة الانتقالية أن يتم خلالها الانتهاء من عملية الإصلاح الانتخابي بما يشمل إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات (قائمة المرشحين على طاولة الرئيس) وإعادة بناء السجل الانتخابي القائم على السجل المدني والرقم الوطني بما يحتاجه ذلك من وقت طويل. وبذلك ستكون الفترة المتبقية من المرحلة الثانية مثقلة بالتحديات المتمثلة في ضرورة مسابقة الزمن لإنجاز البنود المتأخرة والمتعثرة وتنفيذ الإصلاحات الجوهرية؛ وما لم يتم ذلك فقد تضطر الأطراف المعنية إلى تمديد المرحلة الانتقالية، وهو الأمر الذي أفصحت مختلف الأطراف عن رفضها له؛ وهو المنطق ذاته الذي صرح به الرئيس هادي في أكثر من مناسبة وغير مناسبة.