يبدو أن إهانة السفير الإيراني محمود زادة لليمنيين وإدعاءه إلى أن اليمن ليست بلد هامه، وإنكار دعم حركة الحوثي والإنفصاليين في جنوب اليمن أنها مرحلة إسهاب في التدخل وتدشين لمرحلة أخرى من التدخل السياسي في الحكومة اليمنية على غرار زيارة لاريجاني ومتكي في بداية 2009، وكان السفير أكثر أرتباكاً عند سؤاله عن 20 ألف دولار للحزب الديمقراطي الذي كشفه أمينه العام في حوار مع صحيفة الجمهورية هذا الأسبوع. ففي مقابلة عام 2008 مع القنصل الإيراني في دبي سابقاً عادل الأسدي من منفاه في "استوكهولم" والذي أنشق عام 2003 عن النظام الإيراني، أكد أن التمرد الحوثي في محافظة صعدة ومديرية حرف سفيان بمحافظة عمران إحدى خلايا الحرس الثوري أشرف على تدريب عناصره "فيلق القدس" لتحقيق أهداف فارسية مرسومة بعناية من قبل الحرس الثوري الإيراني المناط به تنفيذ قرار المرشد العام المتعلق بتصدير الإثني عشرية لخلق قواعد إيرانية في المنطقة العربية تحت يافطة تصدير الثورة الإسلامية. فبعد قيام الثورة الإيرانية أصبح لقوات الحرس الثوري قسم خاص سمي ب"حركات التحرر" والذي كان يتولى مهمة تمويل وتدريب العناصر الإسلامية المتشددة الموالية للثورة الإيرانية في دول عدة عربية وإسلامية على العمليات العسكرية، وكان يرأس القسم مهدي هاشمي الذي جرى إعدامه بسبب دوره في كشف تفاصيل اللقاء السري الذي جمع هاشمي رفسنجاني بمبعوث الرئيس الأمريكي الأسبق إلى طهران مك فرلين، إبان الحرب الإيرانية - العراقية وهو الأمر الذي اشتهر ب"فضيحة إيران" حيث تواصل قوات الحرس الثوري هذه المهمة حتى يومنا هذا بالتنسيق مع الأجهزة الإستخباراتية والدبلوماسية الإيرانية. الأجهزة الإستخباراتية في السفارات والممثليات الإيرانية في الدول الخليجية والعربية بشكل عام تعمل على استقطاب وتجنيد العناصر الشيعية المتطرفة، التي تدين بالولاء للنظام الإيراني على حساب ولائها لأوطانها، ليتم إرسال هذه العناصر إلى إيران عبر دولة ثالثة دون أن تختم جوازات سفرهم، وهناك تنظم لهم دورات تدريبية عسكرية واستخباراتية وسياسية وأيديولوجية. ولعل سفر حسين بدر الدين الحوثي في بداية الألفية الثالثة وتسعينات القرن الماضي والعديد من عناصر الحوثيين عبر لبنان خلال الحروب السابقة يؤكد حديث التدريب فبعد عودتهم إلى أوطانهم يتم تنظيمهم بحيث يتحول كل منهم إلى عنصر ناشط في خدمة أجهزة الاستخبارات الإيرانية في هذه الدول، والذي ستقوم بدورها في تجنيد عناصر جديدة لصالح شبكاتهم السرية التي تنفذ أوامر وتعليمات طهران. وكشف القنصل الإيراني المنشق خلال حواره سر الحرص الإيراني على خلق تواجد لها في سواحل خليج عدن والبحر الأحمر بذريعة حماية سفنها من أعمال القرصنة، كما يكشف السر أيضاً في الاستبسال الذي يبديه التمرد الحوثي في السيطرة على المنطقة المحاذية للبحر الأحمر من جهة جزيرة ميدي، والذي من شأنه إن تمكنوا من ذلك سيحقق لهم اتصالاً مباشراً بإيران، التي لن تتأخر لحظة عن تعزيز الدعم اللوجستي لهم.. والأهم من ذلك خلق موطئ قدم لإيران على ساحل البحر الأحمر. المسؤول الإيراني كشف بتصريحاته تلك الكثير عن حقيقة الدور الإيراني في أحداث صعدة ومدى تابعية التمرد الحوثي لإيران من خلال الدعم وجسور التواصل الفكري والثقافي والذي تحول بعد غزو العراق إلى دعم مادي وعسكري فيما شهد النفوذ الإيراني تنامياً ملحوظاً في المنطقة. في برقية يرجع تاريخ إلى يوم 12 سبتمبر عام 2009، البرقية التي وجهها السفير سيش إلى وزارة الخارجية الأمريكية والتي كشفها موقع وكليكس في بداية 2010 وموضوعها (الوجود الإيراني في اليمن: ظلال طهران تلوح باتساع والأدلة قليلة). قالت البرقية "ردد" عبد الله الرضي"، رئيس البروتوكول بوزارة الخارجية والذي أمضى أكثر من عقد في طهران كطالب وكمسئول دبلوماسي تضمنت فترة عمل بها كسفير لليمن في إيران، ردد الموقف شبه الإجماعي لدي المسئولين اليمنيين عندما أخبر نائب السفير الأمريكي في الثالث والعشرين من أغسطس أنه يعتقد أن إيران تريد بطاقة سياسية للعب في اليمن على غرار جماعة "حزب الله" في لبنان. وقال الرضي أن اليمن حاول تطبيع العلاقات من خلال الزيارات التي قام بها كلاً من لاريجاني ومتكي في بداية 2009 إلى اليمن، ولكنها "لا يمكن أن تقبل" المحاولات الإيرانية لتحويل الطائفة الزيدية اليمنية إلى الشيعة الاثنى عشرية, كما أضاف أن الإيرانيين لا يزالون منزعجين من موقف اليمن الذي ساند العراق أثناء حرب الخليج الأولى منذ ذلك الحين. السفير الإيراني الذي تحدث عن تاريخ العلاقات اليمنية الإيرانية وكأنه يتحد ث عن تلك النزعة التي لم تتخلص منها الثورة الإيرانية 1979 بالبحث عن مجد بلاد فارس من جديد هي الطاغية على ذهنّه ، وأنصحة بالسؤوال عن القرن الذي نعيش فيه .