الأسبوع الماضي منع قبليون أفراد أمن من اقتياد شخص إلى السجن.. العبارة السابقة من المؤكد أنها ستثير حنق "المدنيين" وستعزز النظرة السلبية للقبيلة، وستضيف إلى سلوكيات تفجير أنابيب النفط والغاز وأبراج الكهرباء، وقطع الطرقات، نقطة سوداء إلى ملف القبيلة تتمثل في منع السلطات من أداء وظيفتها.. هكذا تظهر الصورة للوهلة الأولى، لكن ماذا لو تم سرد القصة التي وقعت أمام عيني (وما حد قلي). قبيل أذان المغرب، وصلت سيارة أجرة (مش شرطة) إلى حارة بمنطقة عصر، مقابل الأحوال المدنية بالعاصمة صنعاء، يستقلها ثلاثة ببزات عسكرية أحدهم السائق. توقفت السيارة بجوار مكتبة قرطاسيات صغيرة، ونزل منها الثلاثة ببندقياتهم، وبطريقة رجال الأمن البواسل التي يعرفها اليمنيون.. سمعت حماة الديار يوجهون الإهانات لصاحب المكتبة الوصابي.. طبعاً ترددت قليلاً في الاستفهام عن جريمة الوصابي، لأن هبة عناصر الأمن أوهمتني للحظات أنهم ظفروا بفريسة لا تقل عن درجة إرهابي. اقتربت وسألت أمير الجماعة الأمنية عن جُرم الوصابي، فرد بأن "المجرم" مطلوب للنيابة. طيب يا فندم ألتزم بإحضاره الصباح، قلت له. (طنشني) ووجه الأفراد بأخذه بالقوة إلى داخل السيارة هو، وشخص آخر، وصابي أيضاً، شاء له القدر أن يخزن عند صاحبه في المكتبة. يا فندم.. يا أخي مش هكذا تتعاملوا مع الناس، (طنشوا) وصعدوا السيارة بالمجرم (واللحقة)، وبينما أحاول مراجعة (الفنادم) الثلاثة، إذا بجيراننا من أصحاب الشيخ ربيش علي وهبان يمسكون بأبواب السيارة ويخاطبون الأخ الفندم: إذا كان على الوصابي شيء فسنحضره للنيابة الصباح.. طنشهم، فما كان من رجال وهبان إلا أن قالوا لرجال الأمن البواسل لن تذهبوا بالوصابي وصاحبه إلا على جثتنا، وهذه هي اللغة التي يفهمها هكذا أصناف أمنية.. وبالفعل غادر أفراد الأمن بدون الوصابي وصاحبه، وبعد أن بردّوا على قلوبهم بتهديد ووعيد بحملة أمنية.. الله الله.. حملة أمنية على الوصابي، وكأن هذا الضابط "عنتر شايل سيفه" خلص مشاكل البلاد الأمنية من صعدة إلى المهرة ولم يتبق غير محرك الاختلالات الأمنية، الوصابي. من المضحك "المبكي" المخجل، المؤسف أن يقول الضابط حفظه الله ورعاه إثر تهديده ووعيده إنه يمثل القانون والقضاء.. سحقاً له من قانون والويل والثبور لقضاء يمثله هؤلاء الفراعنة الأقزام. يأتون خارج دوام رسمي، ويأخذون شخصاً لا علاقة له بالموضوع سوى أنه خزن –ولا حول ولا قوة إلا بالله– في المكتبة، ويقولون لك نحن نمثل قانون. أما جريمة الوصابي فهي ضمانته الحضورية لشخص كان موجوداً ويقول بأعلى صوته لا ذنب للوصابي، أنا صاحب الشأن حاضر.. صاحب الشأن محامي، وذو رتبة عسكرية كبيرة، بينما الوصابي مسكين لا رتبة ولا مسؤولية، طارف يعني، ويمكنه أن يجنب الثلاثة الأبطال تأنيب المسؤول الأمني الذي أرسلهم إذ رجعوا بغير صيد. على بساطة الواقعة، فإنها تفسر لماذا يعود الناس إلى قبائلهم لنيل حقوقهم، ولماذا لا يحترمون النظام والقانون.. وتفيد كذلك أن السلوكيات السلبية لبعض العناصر القبلية، هي أشياء طارئة على قيم القبيلة الأصيلة التي من بينها نصرة المظلوم، ونجدة الضعيف.. تلك القيم التي نحتاج لتقنينها كرافد تشريعي، واللجوء إليها عندما تغيب الدولة، وتحتضر قوانينها، بفعل سيئات وهمجية من يقدمون أنفسهم حماة للنظام والقانون. صحيفة الناس