"خطبة الموت"، هي خطبة ألقاها الإمام احمد عندما عاد من إيطاليا التي ذهب إليها بغرض العلاج سنة 1959م، فلما عاد خطب تلك الخطبة التي هدد فيها بقطع الرؤوس والأيدي والأرجل، بل وتحدى الشعب وطلب أن يبارزه إن أراد. فالإمام الطاغية أراد في تلك الخطبة –كذلك- أن يرسخ لدى اليمنيين أسطورة ومزاعم الحق الإلهي في الحكم الذي لا يجوز لأحد أن ينازعه فيه. وإزاء ذلك التهديد وتلك المزاعم التي غلفها الطاغية بالدين، كان الشهيد محمد محمود الزبيري بالمرصاد لتنفيذ تلك المزاعم وفضح تلك الادعاءات: ليس في الدين أن نقيم على الضيم ونحني جباهنا للضحية ليس في الدين أن نؤله طغيانا ونعنو للسلطة البربرية ليس في الدين أن نقدس جلادا ويمناه من دمانا روية لعن الله كل ظلم وجور.. لعنة في كتابه سرمدية فليمت من يضفي على الظالم الطاغي رداء الجلال والقدسية الركوع الذليل في غير بيت الله رجعى بنا إلى الوثنية وعبيد الأحجار أشرف ممن يجعل السيف ربه ونبيه إنه الزاهد الثائر والرباني المقاوم للظلم وطغيان الإمامة الذي توافينا ذكرى استشهاده في الأول من شهر ابريل حيث استشهد الرجل سنة 1965م حين كان يسعى لهدفين عظيمين تثبيت النظام الجمهوري بتصحيح مسار الثورة ولملمة شتات اليمنيين بوقف الحرب الأهلية؛ لذلك مضى ومعه قيادات كبيرة في الصف الجمهوري نحو حوار يدعو إليه اليمنيين إلى مؤتمر خمر للسلام. كان للشهيد الزبيري -رحمه الله- شخصية كارزمية مؤثرة وشهيرة واسعة، وهو مع ذلك يحمل نفسية نقية، وروحا ورعة ساءها التصرفات الخاطئة من بعض الجمهوريين؛ فلم يتردد أن يواجههم: روح الإمامة تسري في مشاعرهم وإن تغيرت الأشكال والأسس فاستقال من الوزارة وغادر صنعاء ساخطا على نظام يعيد الظلم الإمامي: وأنتم طبعة للظلم ثانية تداركت كل ما قد أهملوا ونسوا واتجه نحو المناطق الشمالية التي تسوق فيها بقايا الإمامة بضاعتها عبر صناديق الذهب والدعم الذي كان يتلقاه ماليا وعسكريا، فمضى شهيدنا ليقنع شيوخ تلك المناطق ممن كان لا يزال في فلك الإمامة والملكية، ليتركوا ذلك الارتهان للطغيان الإمامي الظالم وأن يلحقوا بمؤتمر خمر للسلام لتصحيح مسار الثورة وترك الاقتتال الأهلي. لم ترض حكومة صنعاء عن تحرك الجمهوريين الذين التفوا حول الشهيد الزبيري مطالبين بتصحيح مسار الثورة، لكن الجانب الآخر من القوى الملكية كانت أشد غضبا وحقدا على الشهيد الزبيري وعلى النظام الجمهوري على حد سواء. فبيت حميد الدين كان ما يزال يحن إلى استرجاع الحكم الإمامي، وكانت تدرك مدى شعبية وتأثير الزبيري. وإن شعره كان إنجيل الثورة والممهد لها. فانبعث يومها أشقاها محمد بن الحسين واستعان بالسيف والذهب لشراء ذمم البعض الذين أخذوا يترصدون الشهيد وتنقله بين القبائل بهدف فك ارتباطها ببقايا الإمامة، فينفذون جريمتهم البشعة يوم 1 إبريل 1965م. فيصدق الزبيري مع شعبه ووطنه إلى آخر قطرة من دمه، ويصدق ما تعهد به: بحثت عن هبة أحبوك يا وطني فلم أجد لك إلا قلبي الدامي