عندما ينفذ العصيان المدني فهو كفيل بأن يسقط أعتى نظام في عدة أيام.. لكن هذا في البلدان المحترمة القائمة على المؤسسية والنظام والقانون، أما في البلدان غير المؤسسية فالعصيان سلاح يفتك بالشعب وليس بالنظام. جربه الشعب اليمني في الثورة السلمية في 2011م، ولم يلبثوا أن تراجعوا وصرفوا عنه النظر سريعا، وإلا لكانوا تجرعوا عواقبه ونتائجه. العصيان المدني يشل حركة الحياة ويقطع شريان المال المغذي للخزينة العامة، فلا يستطيع أي نظام احتماله، وكان السؤال عند تنفيذه خلال تلك الأيام من الثورة: عندما تغلق المحلات والمخابز والمصانع وتتوقف حركة المواصلات ووسائل النقل وسائر مجالات الحياة، فمن هو الطرف الذي سيتضرر: الشعب المعتمد على هذه المحلات والمواصلات وسائر المؤسسات والمرافق، أم نظام صالح الذي يتلقى الدعم المباشر من الدول الشقيقة والصديقة التي تعهدت بعدم ترك نظامه ينهار..!؟ لقد كان نظام صالح مستعدا للبقاء والاستمرار مئة سنة في ظل العصيان المدني الشامل، أما الشعب فقد تكبد أكبر الضرر رغم أن العصيان كان جزئيا، ورغم أنه كان استجابة للدعوة وليس مفروضا بالقوة. واليوم، يقوم الحراك المسلح أو الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية بتكرار ذات الخطأ، ويلجأ إلى خيار العصيان المدني. وليس موضوع المقالة الآن الحديث عن كون هذا العصيان استجابة من الناس أو فرضاً بالقوة، وإنما هي كلمة عن جدوى هذا العصيان إن حصل، وبين يدي قادة الحراك وقواعده سؤال عن الطرف الذي سيتضرر في حال نجح العصيان المدني هنا أو هناك وتغلقت المدارس وتوقفت وسائل المواصلات وأغلقت المحلات التجارية وأفلس أصحاب الدكاكين ومات الباعة المتجولون في الجولات وووو.. من الذي سيتضرر؟ وهل -يا ترى- سيموت نظام عبدربه منصور هادي في صنعاء، أم ستموت الحياة في المحافظات الجنوبية!؟ لقد جرت العادة في الدول المتخلفة غير المؤسسية أن تلجأ الأنظمة إلى تأزيم الوضع العام في الشارع عندما تواجه أي مشكلة شعبية، وذلك حتى ترهب عامة الناس وتجلب المتاعب على الأغلبية الذين تستخدمهم بعد ذلك في تفتيت تلك الموجة المعارضة وضربها. وفوق هذا، فإن أي مجاميع شعبية تناضل من أجل أي قضية، سواء كانت قضية عادلة أو غير عادلة، يكون في صالحها أن تعمل في ظروف طبيعية يتوفر فيها أكبر قدر من عوامل استمرار الحياة وسيرها بشكل اعتيادي، خاصة عندما يبدو لها أن المشوار أمامها طويل. فالظروف الطبيعية توفر لها حرية العمل وتيسر لها الحركة، وتعطيها الوقت للتمدد والانتشار وكسب الجماهير إلى صفها فضلا عن تعاطف الرأي العام الداخلي والخارجي، وتمنحها طول النفس، وهو أهم عنصر لتحقيق النجاح. وحين تقوم هي بتعكير صفو الحياة فإنها لا تكسب انضمامات جديدة بقدر ما تفقد من الموجود، والأسوأ من هذا أنها لا تزيد بذلك على أن تقطع أنفاسها وأنفاس قضيتها.. وهذا هو ما يفعله الحراك اليوم في المحافظات الجنوبية وهو يحاول فرض العصيان المدني، وإذا كان هذا السوء في حال كان العصيان المدني استجابة سلمية للدعوة، فكيف وهو يُفرض في كثير من المناطق بالقوة وأساليب الضغط المختلفة!؟ كتبها رئيس التحرير. الصورة من الارشيف