الاستاذ/علي أحمد العِمراني في كلمته أمام القمة العربية الأخيرة في الدوحة أشار الرئيس السوري بشار الأسد إلى أن مذكرة الإعتقال في حق الرئيس السوداني عمر البشير هي فصل جديد في مسلسل إستضعاف العرب.. والحق إن العرب لم يكونوا في تاريخهم الحديث أكثرضعفا أو استضعافا مما هم عليه اليوم...ولا شك أن الضعف ليس مرتبطا بجينات توارثها العرب عن أجدادهم لكن حالة الضعف والإستضعاف ترجع في مجملها إلى عوامل موضوعية ترتبط بتفرق وتشتت العرب وسياسات وأساليب حكم وإدارة يتبعها حكامهم في هذا الزمن ترسخ وتعمق التفرق والتشتت ويعضد ذلك ضعف دور الشعوب والطلائع العربية وخصوصا الإسلاميين العرب في مقاومة حالة التشرذم والتفرق الذي يعاني منه قومهم العرب باعتبارالإسلاميين هم القوة الشعبية الكبرى الفاعلة في هذه الحقبة التاريخية... وحيث تحظى التيارات الإسلامية في الوقت الحاضر بالثقل الأكبر في الشارع العربي غير أن فكرة توحيد العرب ظلت غائبة عن فكرالإسلاميين وأجندتهم وخطابهم ويبدون كمن لا يناهض التفرق أو يدعوا إلى الوحدة العربية وكأن ذلك مما لا يجوز الحديث عنه أو مما لا يستحق الإهتمام به...هل أن ذلك يرجع إلى قصور فهم مقاصد الإسلام وغاياته ؟...أوربما بسبب أن حقبة خصومة الإسلاميين السياسية مع التيارات القومية التي كانت تفصل خطأ بين العروبة والإسلام لا تزال تجر نفسها على الحاضر الذي يشهد ما يمكن إعتباره مصالحة أوعلى الأقل تقاربا بين التياريين القومي والإسلامي...ومقابل طرح القوميين الذي كان في جزء منه يتسم بشيء من الشوفينية ظل أكثر الإسلاميين يحلمون بوحدة جميع المسلمين ويتبنونها متجاوزين الواقع المجزأ لقومهم العرب..والحق إن فكرة توحيد جميع المسلمين التي ظل يتبناها الإسلاميون العرب فكرة جبارة ورائعة فهي تعني وحدة أكثر من مليار من البشر لكن ذلك لم يتأت ولا يمكن أن يتم دون أن يعمل الإسلاميون العرب جاهدين على توحيد قومهم العرب إبتداء...وحيث تلفت النظر ديناميكية إسلاميي تركيا الذين يسعون جاهدين إلى إنضمام بلادهم إلى الإتحاد الأوروبي وهو اتحاد مسيحي كما نعلم فإن أحدا لا يستطيع أن يرى الإسلاميين العرب خارج إطار حالة الإنفصام وربقة التيه العربي...وفيما يمارس الإسلاميون ضغوطات في اتجاهات عدة ويتبنون إجتهادات وطروحات في مجالات متنوعة بعضها هامشي لكن لحد الآن لم تحسب لهم أي توجهات أو طروحات أو ضغوط تُذكَر في سبيل توحيد قومهم العرب المتشرذمين المستضعفين...وفيما عدى صوتين خافتين جدا سُمِعَا أخيرا على إستحياء خارج سياق المألوف أحدهما للشيخ عبد المجيد الزنداني وآخر للشيخ راشد الغنوشي فإن الإخوان المسلمين والسلفيين والشيعة يستوون في التقصير إزاء تبني مشروع توحيدي للعرب بل إن بعض الشيعة يتبنون أطروحات فئوية وطائفية وجهوية كجماعة الحوثي في اليمن وجماعة الحكيم في العراق...وفي الوقت الذي تتحمل الأنظمة الحاكمة مسؤلية كبيرة إزاء حالة الإستضعاف الذي يعاني منه العرب فلا بد من الإشارة إلى أهمية مراجعة الإسلاميين - باعتبارهم أكبر قوة مؤثرة في الشارع العربي اليوم- لأولوياتهم وخطابهم بما يؤكد على أهمية إتحاد العرب . ولنا أن نتصورالأثر والزخم فيما لوأضطلعت جميع المنابر التي يسيطر عليها الإسلاميون بالحث والدعوة إلى الوحدة العربية . ولا أظن أن هناك شيئا يجب أن يحتل أولوية أكثر من وحدة العرب في هذا الزمن ذلك لأنه لا شيء أخطر على العرب وقضاياهم وكرامتهم ومكانتهم من التفرق والتشتت والتشرذم وهوسبب الضعف وأساس الإستضعاف الذي يعاني منه العرب...وسيكون أكثر منطقية بعد ذلك الدعوة والحث على وحدة أشمل تضم جميع المسلمين وحتى غيرهم إذا أمكن وتطلب الأمر... قبل عقود فكرت الولاياتالمتحدة في غزو الصين لكنها قدرت أنها ستواجه بأمة متحدة كبيرة وزعامة حازمة تملك مشروع نهوض حقيقي وقال حينذاك الزعيم ماو تسي تونغ للصينين : "إحفروا الخنادق وتزودوابالمؤن واحملوا السلاح دفاعا عن حدودكم وتأملوا في نفس الوقت أحوال العالم وراء هذه الحدود ...وافهموا " . وعدل الأمريكيون عن الغزو وبدلا من ذلك مدوا يد الصداقة للصين وزارها كيسنجر وزير الخارجية ثم الرئيس الأمريكي نيكسون بعد ذلك في فبراير 1972 ، وأضحت الصين بعد ذلك الدولة الأَولى بالرعاية في الولاياتالمتحدة وصارت الصين اليوم الشريك المعتبر الذي يتوجب أن تغض هيلاري كلينتون الطرف عن نواقصه في حقوق الإنسان وفقا لمعاييرأمريكية...وصارت بكين تمد يد العون وتسدي النصح لواشنطن في حسن التدبير والإدارة الإقتصادية والمالية . وكما إعتادت أن تفعل أمريكا مع الدول النامية فقد وجه الرئيس الصيني هوجين تاو اللوم والعتب لواشنطن على سوء الإدارة في الأزمة المالية التي ضربت الإقتصاد الأمريكي وأضرت بالعالم بما في ذلك الصين ولكن بدرجة أقل بكثير حيث لا يزال معدل نمو الإقتصاد الصيني كبيرا حوالي 6% . وبدلا عن الإعتماد على الصادرات تتجه الصين إلى توسيع إعتمادهاعلى الإستهلاك المحلي لشعب كبير صار متوسط الدخل فيه يتزايد باضطراد... واليوم هناك إيران التي كانت أمريكا قاب قوسين أو أدنى من ضربها قبل شهور وفقا لمعظم المحللين ، لكنها عدلت عن ذلك كمايبدو وصارت واشنطن الآن تمد لإيران الجزرة وتواري العصا.ووفقا لأسبوعية الليموند الفرنسية فإن أوباما يفكرأن يتعاطى مع إيران مثلما فعل ريتشارد نيكسون مع الصين مطلع سبعينات القرن الماضي . وقد امتدح الرئيس أوباما تاريخ إيران وحضارتها وهنأ قادتها بمناسبة عيد النيروز قبل حوالي أسبوعين وقد تنتهي علاقة أمريكابإيران على نحو أشبه بحال ما أنتهت إليه علاقة أمريكابالصين . وقد تصبح إيران يوما الدولة الأولى بالرعاية من قبل أمريكا والأهم من ذلك الأجدر بالإحترام ، ولا حسد ! فلكل مجتهد نصيب . فمثلما كان للصين مشروع نهوض حقيقي فالإيرانيون طامحون وتواقون إلى المجد والقوة ويعتزون بتاريخهم ويملكون مشروع نهوض كبير وإن كان لا يزال تعتوره بعض النقائص والعوائق الذاتية كالجموح الأيديولوجي المذهبي والعصبية القومية التي لم تعد تلائم العصر وبعض تدخلات ايران الإقليمية التي تضر بالثقة فيها. لكن لا توجد مبررات كافية تجعل المرء يشك في قدرة الإيرانيين على تطوير تجربتهم وتخليصها من النقائص والعوائق مثل "مشكلة الكبرياء الفارسي" "The Problem of Persian Pride " الذي كان عنوانا لتحليل في مجلة الإيكونوميست البريطانية في 19 مارس 2009 ورجحت المجلة أن إيران قد لا تستجيب لعرض أوباما على الرغم أنه يستحق المحاولة ... بالمقابل يوجد العرب الذين على الرغم من كثرة البهارج التي يحيط حكامهم أنفسهم بها لم يعد يثق فيهم أو يحترمهم أو يهابهم أحد فما بالنا أن يمتدح حضارتهم أحد مع أن منهم محمد وعمر ومنهم أيضا المتنبي وأبي تمام وإمرئ القيس وابن رشد وآخرون كثيرون وكانت لهم إسهامات كبرى في مسيرة الحضارة الإنسانية . لكن ما الذي يمكن أن يعنيه تاريخ حافل لأسلاف عظام إذا كان أحفاد أولئك العظام متفرقين ومتشرذمين لا يملكون مشروع نهوض عصري ومستقبلي واعد بل تتقاسمهم أفكارحمقى قاصرة ومشاريع خاصة صغيرة لا تتعاون ولا تتآزر ولا تتكامل بل تنافس بعضها وتواجه بعضها وغايتها بقاء إمتيازات فئات وأسر ونخب وعشائر يقال لها شعوب ضدا على مصالح أمة لا يفرق بينها سوى مصالح أنانية غير مشروعة لحفنة من الحكام والأزلام..ويساعد على ذلك غياب مشروع شعبي فاعل وواعي وضاغط كان يمكن أن يقوم به الإسلاميون باعتبارهم يمثلون في الوقت الحاضر جل التيار الشعبي العام في كل الأقطار العربية ... في الأمس القريب تم غزو العراق ، ولو لم يكن العرب متشرذمين وقادتهم متفرقين وأحيانا متناحرين يتآمرون على بعضهم وكل يحمل هم نفسه لأعادت أمريكا التفكير والنظركثيرا قبل إقدامها على غزو العراق ، والمرجح أنها كانت ستحجم عن الغزو مثلما أحجمت عن غزو الصين من قبل وإيران من بعد ... ولم يغن العراق إحتجاجات شعوب عربية مجزأة مقموعة ومغلوبة على أمرها ولا دعاء مؤمنين مخلصين متحمسين في المساجد بإهلاك المعتدين ، ولا بيانات حكام أنانيين مستبدين متشبثين بامتيازات غير مشروعة لا يتنازلون عنها أبدا.. ولذلك فقد كان العجز سيد الموقف وحلت كارثة الغزو بالعراق والعرب والمسلمين أيضا...وهناك قضية فلسطين التي تحولت مع الزمن إلى نوع من المتاجرة والمزايدة لأكثرية الحكام العرب فيما معاناة الفلسطينين تتزايد منذ أكثر من ستين عاما وفيما صارت قضيتهم أقرب إلى الضياع والتصفية منها إلى حل عادل يضمن حقوق الفلسطينيين ويحفظ شرف العرب... قبل حوالي ستين عاما تحدث المفكر الكبير مالك بن نبي عن القابلية للإستعمار وقال إن الإستعمار لا يمكن أن يحدث لشعب أو أمة مالم تكن الظروف والشروط الموضوعية متوفرة . والقابلية للإستعمار وفقا لمالك بن نبي هي حالة خاصة تصيب بعض الشعوب فتستخذي للهزيمة، وتقبل الاستسلام للخصم، والوقوع تحت سلطته... والقابلية للإستضعاف كما يبدو هي حالة تصيب بعض الشعوب أيضا ومن ملامحها التشرذم والتفرق والهوان على الذات وعلى الغيرويبدو أنها متداخلة في ملامحها ونتائجها مع القابلية للإستعمار أو أنها امتداد لها...والقابلية للإستضعاف هي ما يعبر عنها حال العرب اليوم ...وهي ما فطن إليه وحذر منه شاعر العرب قديما حين قال "تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا".. والحقيقة أن حالة إستضعاف العرب لم تأت من الخارج وإنما تولدت وتركبت وتفاعلت مجمل عواملها وأسبابها من الداخل... غير أن حالة الإستضعاف ليست عصية على الزوال مثلما لم تكن القابلية للإستعمار حالة أبدية... عندما توحد حوالي مليار من البشر في الصين في عام 1949 قال لهم الزعيم ماو تسي تونغ الآن ستبدأون الخطوة الأولى...والعرب لن يخطوا إلى الأمام قيد أنملة إلا بالإتحاد...وستكون أولى خطواتهم إلى الأمام عندما يتحدون مثلما هو حال جميع أمم الأرض...