لقد بدا الأمر فعلاً يتخذ طابعاً سياسياً أكثر من كونه مجرد عمل رياضي ما زال الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) غير معترف به حتى الآن.
*سامي الكاف
جزم وزير الشباب والرياضة رئيس اللجنة المنظمة لبطولة خليجي 20 حمود عباد أن اليمن مستعدة تماماً لاستضافة الحدث الرياضي في عدن وأبين خلال الفترة من 22 نوفمبر حتى 5 ديسمبر؛ وهو في سبيل ذلك راح يؤكد في تصريحاته الصحفية أخيراً أن اليمن فعلاً قد انتهت من تجهيزاتها. إنه جزم يشبه ذلك الذي يحدثه رجل ما وقف يقول لملأ: "أنظروا ان الشمس تشرق من الشرق!"؛ مع ان القرص الملتهب في السماء بدأ للتو رحلة غروبه اليومية. ولقد شاهدنا الرجل - تالياً- بمعية رئيس اتحاد كرة القدم أحمد العيسي يقومان بجولة مكوكية لتوجيه الدعوات يداً بيد إلى عدد من نظرائهم في الدول الخليجية، وهي جولة غير مسبوقة في تاريخ البطولة، في محاولة لتهدئة القلق الذي تبدى على نحو جلي داخل اليمن قبل خارجه. في الواقع ليس وزير الشباب والرياضة رئيس اللجنة المنظمة لبطولة خليجي 20 وحده من أكد استعدادات اليمن النهائية؛ فاللجنة الإشرافية العليا للإعداد والتحضير لاستضافة بطولة خليجي 20 برئاسة نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن وزير الإدارة المحلية الدكتور رشاد العليمي، عادت للظهور من جديد إلى واجهة المشهد الإعلامي، وراحت قبل أيام "تؤكد جاهزية اليمن الكاملة لاحتضان بطولة خليجي 20 الهامة واستقبال الأشقاء من دول الخليج العربي" طبقاً للنص الرسمي المنشور عبر وكالة "سبأ". على أرض الحدث تبدو الأمور مختلفة، بل ومغايرة؛ كان رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح في وقت سابق قال في خطاب تلفازي أن كافة التجهيزات المتعلقة بالاستضافة سيتم الانتهاء منها نهاية شهر أكتوبر بحسب ما هو مُخطط لها. أنظروا: لقد راح شهر أكتوبر إلى حال سبيله. والآن: هناك أقل من ثلاثة أسابيع هي التي باتت تفصلنا عن الحدث؛ ومع ذلك ثمة أشياء كثيرة ما زالت قيد العمل. لاحظوا: تبدو الأعمال النهائية في الفندقين الرئيسين لاستضافة الحدث غير منجزة؛ وإلا لتم الإعلان عن تسليم المشروعين. طبقاً لمعلومات: "لا يمكن للعمل في هذين الفندقين أن ينتهي في غضون ثلاثة أو أربعة أسابيع من الآن؛ بخلاف أن عملية تشغيل هذين الفندقين تحتاج هي الأخرى إلى مزيد من الوقت". هذه أمور متعارف عليها في عالم الفندقة والسياحة؛ فما بالنا باستضافة وفود رياضية. لكن تصريح لمسئولٍ عن فندق القصر أعلن مساء السبت الفائت ل"سبأ" ان افتتاحه رسمياً "سيتم في منتصف نوفمبر"؛ أي قبل موعد البطولة بأسبوع فقط. هل سأل أحدكم الآن: ماذا لو قررت وفود المنتخبات المشاركة في البطولة الوصول قبل البطولة بأسبوع - كمنطق يفرض نفسه بتلقائية شديدة- للتأقلم مع أجواء البطولة وإجراء تدريباتها على العشب الصناعي وهي المنتخبات التي تعودت اللعب على العشب الطبيعي؟ حسناً.. أتركوا ذلك جانباً الآن. تعاني ملاعب التدريب من مشاكل في الكهرباء، وفي مصابيح الانارة- الداخلية والخارجية، وفي الصرف الصحي؛ بل ولم يتم حتى اللحظة تركيب المقاعد في ملعب شمسان مثلاً الذي لم يُبنى فيه مدرجات من أصله: كل ما هنالك تم طلاء المدرجات السابقة التي تقع على جهة واحدة وحسب من الملعب. ثمة من يعتقد أن كل هذه الجلبة الاستعدادية - على مسرح وسائل الإعلام- التي ما برحت تحدثها اللجنة المنظمة وقبلها/ومعها الاشرافية العليا، بشكل مكثف وعنيف، ليس من هدفٍ ورائها سوى توجيه رسالة واضحة إلى المشككين بقدرة المسئولين عن الاستضافة، أو كما جاء تسميتهم في ملحق "الثورة الرياضي" بعض من المرجفين. إنها رسالة تقول: "نحن على أتم الاستعداد والجاهزية للقيام بما يتوجب علينا القيام به كما ينبغي". ومع ذلك؛ تم تهميش عدد لا حصر له من الكوادر والكفاءات والخبرات في سياق الاستعداد للحدث. ولقد قال لي عبدالعزيز المجيدي- صحفي: "لو أن الأمور تُدار في هذا البلد وفقاً لأسس وقواعد صحيحة، فان هذا الصخب المصاحب لتحضيرات البطولة لم يكن ليحدث، لماذا؟ ببساطة لأنه ما كان على اليمن وهي تواجه كل هذا الكم من الأزمات والتحديات أن تقرر الدخول في مغامرة طلب استضافة البطولة". ويتساءل رئيس تحرير مجلة "الشباب والرياضة" محمد سعيد سالم وهي المجلة الصادرة عن وزارة الشباب والرياضة وتوقفت دون أسباب معروفة، قائلاً: "لماذا غابت قيادات وزارة الشباب والرياضة الأخرى ومختلف الكوادر والمختصين، وكذلك اللجنة الاولمبية وقياداتها وكوادرها؟ هذا وضع ضار بالحدث فعندما يغيب كل هؤلاء، فمن الذي سيخدم الاستضافة والجماهير والإعلام بالكفاءة اللازمة، مع غيرهم من الكفاءات المعطلة حتى اليوم؟". أنظروا: لقد تم تهميش كفاءات وكوادر أنتظر الناس أن يروها تتصدر المشهد الاستعدادي في كافة جوانبه. إنه أمر لا شك غير طبيعي بالمرة. يقول المجيدي: "البطولة تجاوزت كونها تحدياً رياضياً وأصبحت تتعامل معها السلطات كتحدي سياسي بامتياز. لو كان الأمر طبيعياً فأننا كنا سنشاهد نجوم المنتخب الوطني والخبراء الرياضيين هم من يحتلون الصدارة في وسائل الإعلام وهم من يجب أن نصغي إليهم في هذه الأوقات، لكن عندما تسيطر على أجواء البطولة تصريحات السياسيين والقادة العسكريين والأمنيين فان ذلك لا يؤشر إلى أننا ذاهبون إلى بطولة رياضية، وهذا ما يتبادر إلى ذهن أي متابع". لسائلٍ أن يسأل: لماذا أصلاً لم يتم حتى الآن الإعلان عن تشكيل اللجان بأسماء أعضائها؟!، قبل أن يسأل أخر السؤال الأكثر مساساً بسيادة الدولة: لماذا من يثق بقدراته كدولة نراه يذهب في رحلة مكوكية مفاجئة في محاولة لخطب ود دولة أخرى..؟! لقد عرض وزير الشباب والرياضة حمود عباد على دولة الكويت اقتراحاً كان الرهان عليه لإذابة جليد اختلاف طغى على ما عداه: "قررنا نحن في اليمن تسمية بطولة خليجي 20 باسم الشيخ فهد الأحمد"؛ وهو أمر اعتبره كثيرون مفاجئاً قبل أن يكون له صلة بأي نوع من التودد. رسمياً كان الأمر على هذا النحو: "يُعد القرار ترجمة لحلم الشهيد فهد الأحمد الصباح الذي كان من أوائل من نادوا بمشاركة اليمن في كأس الخليج"، قال عباد ذلك ل"سبأ" وهو في حضرة عدد من المسئولين الكويتيين الذين استقبلوه في رحلته المكوكية تلك. لكن خالد عبدالهادي قال في مقال له تم نشره أخيراً في المصدر أون لاين: "يبدو من غير المنطقي أن يستضيف بلد حدثاً رياضياً هو الأول من نوعه في تاريخه ثم يستعير له تسمية لرمز ما في بلد آخر". لقد بدا الأمر يتخذ طابعاً سياسياً أكثر من كونه مجرد عمل رياضي ما زال الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) غير معترف به حتى الآن. ان ذلك يعني بعبارة أخرى أكثر دقة: بطولات كأس الخليج غير رسمية حتى الآن بالنسبة للاتحاد الدولي للعبة. بالنسبة لعبدالهادي فقد بدا غير مصدق ما حدث؛ إذ نراه يقول: "ستمثل التسمية غير المؤكدة حتى الآن رشوة رمزية لإسكات مطالب خليجية، برزت إلى العلن الأسبوع الماضي لنقل البطولة أو تأجيلها". هل يمكننا القول أن عبدالهادي اعتبر التصريح الرسمي لوزير الشباب والرياضة حمود عباد مجرد مزحة ليس أكثر..؟! حسناً.. مع ذلك؛ لا أحد يستطيع تجاهل المطالب الخليجية باقامة خليجي 20 في اليمن في ظروف أفضل مما هي عليه الآن. هل هذا الأمر حق من حقوقهم؟ إنّ بطولة خليجي 20 في نظر العماني محمد بن سيف الرحبي، مثلاً، هي: "خطر× خطر"؛ وهو عنوان كتبه أخيراً لمقال أراد به أن يعبّر عما شعر به تماماً. يقول الرحبي: "يذهب الخليجيون لليمن للعب دورة كروية لا مواجهة مخاوف أمنية (حقيقية) هم في غنى عنها، وقد تتوافر الحماية للمنتخبات، لكن من يضمن للمشجعين حياتهم في ظل وضع إشكالي لم يعد خافياً على أحد، ولم يعد مجرد خبر عابر في نشرة أخبار، إنما خبر متكرر يحدث دائماً". ويضيف بشكل واضح وصريح: "كأس الخليج في خطر لأنها تواجه الخطر، ليست مجرد خطأ تنظيمي كالذي حدث في سحب القرعة، إنما هو أمر يتعلق بالانفجارات والرصاص وحقول الموت التي تعلن عن مواعيدها يوماً بعد آخر على أرض الواقع، لا في افتراضيات المواقع المغرضة التي لا تريد لليمن هذه الاستضافة". على مستوى الداخل، لا يمكن تجاهل أن هناك من يعتقد أيضاً أن استضافة اليمن للبطولة أمر من شأنه أن يكون محفوفاً بالمخاطر جرّاء اضطراب الأوضاع الأمنية جنوب البلاد وليس بسبب عدم اكتمال منشآت الإيواء وحسب؛ في الواقع بدا الشعور بالقلق إزاء ذلك يتجلى على نحو بيّن إثر دموية الأحداث في كل من عدن وأبين في الفترة الفائتة. مثلاً: دعا أخيراً شلال شائع القيادي في ما يسمى الحراك الجنوبي "دول مجلس التعاون الخليجي إلى نقل البطولة تجنباً لعواقب قد تحدث". مؤكداً "اعتزام قوى الحراك الجنوبي التصعيد بهدف عدم إقامة بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم خليجي 20 بمدينتي عدن وزنجبار" كما جاء ذلك في تصريح صحفي عقب اتهامه بأنه يقف وراء التفجيرات الأخيرة التي حدثت في نادي "الوحدة" بعدن وراح ضحيتها 4 قتلى وعدد غير قليل من المصابين. ولقد أضاف: "مدينة عدن لن تكون آمنة لاستضافة البطولة وما تدعيه السلطة غير صادق". يقول رئيس تحرير صحيفة "النداء" سامي غالب رداً على سؤالي له أخيراً في ما إذا كان يعتقد أن استضافة خليجي 20 في كل من عدن وأبين أمر محفوف بالمخاطر في ظل الأوضاع التي تعيشها عدد من محافظات جنوب الوطن: "أظن أن الخطر هو في أجواء البطولة ذاتها. في العادة هذه البطولات لها وظائف شتى بينها الوظيفة الرياضية. المشكلة ليست فقط في المخاطر الأمنية، بل أيضاً وأساساً في البيئة التي ستحتضن البطولة، وهي بيئة تخلو من الروح الرياضية". لكن غمدان اليوسفي- رئيس تحرير سابق لصحيفة "رأي" يعتقد أنه مع التجهيزات والاستعدادات الأخيرة فإن بطولة خليجي 20 "ستتم كما هو مُخطط لها". ويضيف لي متسائلاًً رداً على سؤالي: "لكن دعني أسألك أنا: كيف ستتم هذه البطولة، ما الذي يجعلنا نغامر بكل شيء لأجل عناد ليس له داع، أعتقد أن دول الخليج كانت مستعدة لدفع الخسائر كلها مقابل أن تتم البطولة خارج البلاد، فالبطولة هي متعة كروية؛ تخيل نفسك أن تسبح في بحيرة وأنت خائف من ظهور التماسيح لتلتهم عظامك، فما معنى هذه المتعة؟!". ان مجرد تخيل المشهد على هذا النحو طبقاً لتصور اليوسفي بالتأكيد أمر من شأنه أن يثير الرعب في صدور الجميع؛ والجميع هنا هم الذين سيتعين عليهم أن يخافوا على حياتهم، ففي نهاية المطاف ليس عليهم أن يتحملوا عواقب حضورهم مباريات في لعبة كرة القدم كأن يدفعوا حياتهم ثمناً لهذا الحضور. ان المناداة - إثر كل ما تم عرضه سلفاً- بتأجيل، أو حتى نقل البطولة، حتى تتوفر أفضل الظروف لليمن لاستضافة خليجي 20، يخلق لدى كثيرين فكرة وضع السؤال التالي: من المستفيد في حال تم ذلك؟ يقول غالب: "اليمن هي المتضرر الأول من انعقاد البطولة في الظرف الراهن، والحكومة تكرس الصورة النمطية عن اليمن لدى الأشقاء في الخليج، والغريب هو الاعتقاد أن خليجي 20 سيجلب كل المباهج لليمنيين، وأقله سيجلب الاستقرار ويعمق الوحدة الوطنية أو اليمنية، ما يعني أن الهرم مقلوب في اليمن وفي وعي السلطة". ويضيف: "المستفيد من نقل البطولة إذا تم هو قوى الحراك أولاً، باعتبارها ترفض اقامة البطولة لأسباب تتعلق بمطالبها، لكنني اعتقد أن السلطة قد تكون المستفيد الفعلي لأنها ستتجنب مأزق عدم الجاهزية الفنية والخدمية، وربما تتجنب هزيمة سياسية وأمنية في ظل وجود تهديدات أمنية ومطالب شعبية". لكن اليوسفي يرى شيئاً أخر؛ إذ يقول لي: "لا أحد مستفيد من نقل البطولة ولا أحد رابح من بقائها، فالآلاف الذين كانوا ينوون القدوم لمشاهدة البطولة من دول الخليج لن يأتون بسبب المخاوف، وهنا ينتفي عامل الفائدة المرجوة." ويضيف: "أعتقد في حال لم تنظم البطولة ربما كانت اليمن هي الكاسب الوحيد من التأجيل أو النقل، لأنها ستكون قد رفعت الحرج عن نفسها وسلمت الناس مما كان يمكن حدوثه. القلق الذي سيعيشه الناس سيكون أكثر إزعاجاً من الأحداث الأمنية نفسها. لماذا نكابر وننشر عشرات الآلاف من الجنود لحماية متعة لن تحدث في هذا الجو". ان دحرجة كرة القدم المفترض ممارستها في النسخة العشرين من البطولة الخليجية غير المعترف بها حتى الآن من قبل (الفيفا) أخذت أكبر من حجمها وبشكل مبالغ فيه على حساب عديد حقائق ماثلة على الأرض؛ وفي نظر غالب "للأسف صرنا محشورين في الزاوية، وبسبب الفساد والأزمات السياسية والانقسامات الوطنية انكشف اليمن في مختلف المجالات". ويعتقد المجيدي أن "الأصوات التي ارتفعت بتأجيل البطولة ونقلها، تبدو محبة لليمن أكثر من اليمنيين أنفسهم، فاذا حدث -لا سمح الله- أي مكروه مع انطلاق البطولة، وهذا وارد، فان وجه البلد سيتمرغ في الوحل". لقد بدا الأمر بشكل قاطع فعلاً يتخذ طابعاً سياسياً أكثر من كونه مجرد عمل رياضي. ولقد شاهدنا على الطبيعة كيف تحولت مدينة الشيخ عثمان وضواحيها حيث يقع ملعب 22 مايو الدولي الذي سيستضيف خليجي 20 إلى ثكنة عسكرية مفزعة ليلة اقامة المباراة الودية بين منتخبنا الوطني لكرة القدم والمنتخب المحلي للسنغال يوم الخميس الفائت. يقول الرحبي: "كرة القدم ليست لعبة رجلين يجلسان في فندق محصن، هي لعبة الجماهير، الناس الذين يسيرون في الشارع، يسهرون في المقاهي، لكل الحالمين بالأمن، وبفرحة تنطلق صافية حينما تهز الكرة الشباك"..! - يُنشر بالاتفاق مع الكاتب