صحيفة الرشد - يتمتع الشيخ محمد العامري المشتهر بالبيضاني نسبة إلى مسقط رأسه في محافظة البيضاء بشعبية وقاعدة عريضة اكتسبها من خلال جهوده العلمية والدعوية والخيرية المبذولة في مساحات عموم الوطن، على الرغم من كونه بعيداً عن الأضواء والصحافة فإن لديه ما يقدمه ، بل ويتميز به عن غيره في تقديم رؤية شرعية مدعمة بالأدلة آثرت اختصار إجاباته هنا دون سرد الأدلة والنصوص الشرعية التي أوردها في معرض تناوله لقضايا الواقع المستجدة في الشارع اليمني والمحلي وميدان العلم ورحاب الدعوة، وقد اختصرت في فرصة ذهبية وضع أسئلة على عجالة من أمره، وفرط انشغاله. قبل أيام معدودة بعد تواصل متتابع دون جدوى تمكنت فيها من محاورة عضو هيئة علماء اليمن الشيخ الدكتور محمد بن موسى العامري البيضاني، أحد الرموز والقيادات العلمية السلفية المؤسسة والبارزة، ويعد أحد المراجع السلفية في اليمن.. رافق بدايات منشأ الدعوة والحركة السلفية المعاصرة التي يعود امتدادها بحسب بعض المؤرخين إلى تأسيس الجامعة الإسلامية التي تخرج منها في الرياض، ودرس وتتلمذ على كبار علمائها، وانطلق هو وغيره من العلماء والدعاة بعد عودتهم اليمن في ثمانينات القرن الحالي ينشرون العلم والهدى مبلغين للدعوة في كل أرجاء البلاد، وكذلك تتلمذ أيضاً برهة من الزمن في صعدة على يد الشيخ الراحل مقبل بن هادي الو ادعي عليه رحمة الله الذي تزوج من إحدى بناته، وكتب رسالة نقدية لأطروحاته وآراء مدرسته التقليدية، وقام هو ومجموعة آخرين بتأسيس جمعية الحكمة اليمانية الخيرية عام (90م)، وقبل ذلك كان له الإسهام في تأسيس جمعية الإصلاح الخيرية، ويروي بعضهم أنه ممن شارك في تأسيس التجمع اليمني للإصلاح الذي فارقه بعد إشهاره هو ومجموعة من العلماء، وأسهم في تأسيس جمعية الإحسان الخيرية، وشغل أميناً عاماً لها، وعمل في مركز الدعوة العلمي بصنعاء مديراً ومحاضراً. نال درجة البكالوريوس في مقاصد الشريعة الإسلامية، ومؤخراً حصل على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه من جامعة أم درمان بالسودان، وهو يشغل حالياً عضو في مجلس أمناء جمعية الإحسان، ومدرساً بمركز الدعوة العلمي، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة الرشد الخيرية بصنعاء، ولديه العديد من الرسائل والأبحاث والكتابات؛ فإلى تفاصيل الحوار. حاوره: سلمان العماري الرشد : كيف تقرؤون واقع المشهد اليمني في مرحلته الحالية وموجة الصراع المحتدمة بين السلطة والمعارضة بشكل مجمل؟ البيضاني: أقول إن كثيراً من الصور التي نشاهدها اليوم والتجاذبات الموجودة على الساحة لا تبشر بخير وبمستقبل واعد، ما لم يحصل تغيير حقيقي في النفوس، وعلى السلطة أن تقوم بواجبها، وتكفل حقوق الناس، وتؤدي الأمانة التي اؤتمنت عليها في حق الشعب اليمني، وعليها أن تدرك أن حفظ الدين للناس يعتبر المقصد الأسمى من مقاصد الشريعة الإسلامية، وكذلك بقيتها من حفظ المال والنفس والعرض، وهذا هو الواجب في حق الدولة والسلطة التي تحقق لها التمكين في الأرض أن تقوم في العدل بين الخلق ورعاية شؤون ومصالح الناس والحفاظ عليها، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطبيق أحكام الشريعة، وهذا ما ندعو له، ونحث السلطة والحكومة عليه. أما المعارضة فيؤسفني أنه لا توجد معارضة جادة وملتزمة بأسلوب النصيحة الشرعي، ومن حيث المبدأ والحقيقة لايوجد في الإسلام شيء اسمه معارضة على الدوام، ولكن الموجود نصيحة، والموقف الحق للمعارضة هو أن تكون النصيحة صادقة ونابعة من عقيدة ودين ومصالح الشعب لا أن تتلقى التوجيهات من السفارات الأجنبية، أو تتقوى بالخارج على حساب البلد؛ فهذه ليست معارضة تنتظر ثقة الشعب، وتزايد عليه في حقوقها، وتجعل مسألة الوحدة في مهب الريح، وتكون نظرتها ميكافيلية حين ترهن مصالح البلد برمته وتضعها رهن أجندة خارجية، وعلى المعارضة أن تضع نفسها محل ثقة أبناء الشعب اليمني، وتكون صادقة وناصحة وأمينة تسعى لمصلحة الشعب والمجتمع، وليس الحزب والفئة والطائفة وتتجنب مسلك المكايدات. الرشد : ترى ماهي الأسباب الرئيسة التي تقف وراء هذا الشتات، وعوامل الفرقة، وهل ثمة بعد خارجي أم أن المشكلة داخلية؟ البيضاني: حين نعود ونرجع إلى معرفة أسباب ما نحن عليه من الشحناء والبغضاء؛ نجد أن ذلك نتيجة البعد عن الدين الحق ونسيانه بين الناس، وإن أكبر عوامل الفرقة بين المسلمين هي داخلية، والعدو الخارجي لا يمكن أن تنفذ سهامه فينا ما لم تكن القابلية لدينا موجودة والهشاشة والضعف، وعلى قدر مكر وكيد ونفوذ العدو الخارجي لا يكون في حال وجود الخلل، ونحن لا نقلل من شأن التدخل الخارجي فهو موجود وله أجندته، وهو يسعى بين الناس بالتفريق والشتات، ويثير النعرات، ويجعل من مسألة الديمقراطية مدخلاً عظيماً للتفريق والتناحر في أوساط المجتمع، ويجعل من المعونات التي يقدمها مدخلاً لشراء الذمم، وتفريق الصفوف، وزرع طوائف وفئات تنخر في جسم هذا الشعب اليمني الأصيل. وتتمثل العوامل الداخلية في موجة الأهواء والرغبات والشهوات، وترك شيء من الدين، وثمة عوامل أخرى متعددة هي التي تعصف ببنيان المجتمع، وتنخر في سياج الأمة الداخلي. الرشد : ماهو الموقف الشرعي من هذه المشكلات، وما هو واجب العلماء وموقفهم منها ومن الصراع المتصاعد بين السلطة والمعارضة والتدخل الخارجي؟ البيضاني: لا شك أن العلماء الذين أعطاهم الله العلم، ومنحهم فضله، يملكون من الحلول لهذه المشكلات والمعضلات ما لا يملكه غيرهم، مصداق ذلك في كتابه الكريم: " ولو ردوه إلى الرسول وأولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطون منهم... الآية " وهذا أمر الله عز وجل بالرجوع إلى أهل الاستنباط لأنهم من الذين يدركون السنن الإلهية والربانية في حياة الناس، وهم يدركون من خلال قراءتهم لسنن الله والتاريخ ما هو الواجب والموقف الشرعي، لكن المشكلة تكمن في تغييب العلماء، والتهميش المتعمد وغير المتعمد، والإلغاء لدورهم في المجتمع؛ حتى لقد وصل الحال بالبعض بأن يجعل من العلماء ألعوبة بيده يحركها كيفما شاء، ولو ترك المجال للعلماء والدعاة الصادقين ليوجهوا النصيحة للحاكم والمعارضة لحصل خيرٌ عظيم، وقد استبشرنا حين أعلن عن تشكيل لجنة للعلماء تكون مرجعية علمية للبلاد والمجتمع والناس، وقلنا: هذه خطوة إيجابية. لكن لا بد من أن تتبع بالترجمة العملية في إعطاء العلماء مكانتهم وقدرهم. الرشد : هل يوجد للعلماء مشروع أومبادرة يقدمونها لحلحلة هذا الركام من المشاكل، والعمل على نزع فتيل اشتعال الحروب والمواجهات؟ البيضاني: نعم. يوجد، ونحن حقيقة في هيئة علماء اليمن نتدارس الموقف الشرعي، ونبحث عن توصيف دقيق للمشاكل في الواقع والعمل على معالجتها، وتقديم الحلول لها، وسوف نقدم رؤية شاملة وكاملة لمشروع الإنقاذ المقدم من لدن العلماء، ونتمنى من كافة التوجهات أن تصغي لصوت العلم والعقل والحكمة والبيان؛ لأن الفتنة إذا عمّت طمّت، وشررها إذا قامت -لا قدر الله- ستشمل كافة أبناء الوطن، ومن واجبنا أن نقوم بالنصيحة وبيان الرؤية والحقيقة بشمولية واضحة التي نأمل أنها تحقق رضى الله في المقدمة، وتحقق المصلحة لكافة الشعب وعموم فئاته، وتحفظ له كرامته ومكانته اللائقة به. الرشد : لكن المتابع يلحظ بين الفينة والأخرى ويرى هجوماً شرساً من قبل السياسيين وجموع الصحفيين من طرفي السلطة والمعارضة لإسكات العلماء فما هو تعليقك؟ البيضاني: في الحقيقة لعلي قد أشرت إلى ما يعانيه العلماء بين الفينة والأخرى حين يتلقون الشتائم والسباب والشتم والطعن في كثير من صحف السلطة والمعارضة على السواء. وباعتقادي أن الذين يتكلمون في العلماء لايخرجون عن ثلاثة أصناف: أولها: يريد أن يلغي مكان ودور العلماء، ولهم مآرب وأهداف يريدون من خلالها أن يعشش الجهل بالمجتمع ويبتعد الجيل عن علمائه، ويسعون للحيلولة بين تأثير وتوجيه العلماء للناس، وهؤلاء مقاصدهم مشبوهة، وقد يكونون مدفوعين من توجهات وأجندة خارجية للقيام بهذا الدور، والصنف الثاني: يجهل مكانة ومقام العلماء ودورهم في المجتمع، وفي تصوره أن صوت وكلمة العالم لا تختلف عن غيره في المجتمع. وهذا لا شك ناتج عن نظرة سطحية للأمور؛ لأن العالم حين يتكلم يصدر في رأيه من خلال استلهامه لمقاصد الشريعة، والأخذ من نصوص الكتاب والسنة بخلاف غيره، والصنف الثالث: أصحاب الأهواء والرغبات الحزبية الذين ينظرون من خلال زاويتهم الخاصة بهم لمكايدة غيرهم؛ خشية على المصالح الضيقة والمناصب التي يستشرفونها، ولذلك يقومون بدور سيئ ومشبوه تجاه العلماء، وثمة صنف رابع لايفرق بين العلماء الصادقين الربانيين الذي يصدعون بكلمة الحق، وبين غيرهم ممن يبيعون ويشترون بآيات الله ودينه ثمناً قليلاً، ولا يقومون بواجبهم على ما يريده الله ورسوله، وإنما يصدرون فتاواهم وفق أمزجة السلطة وهوى المعارضة، وهذا الصنف يخلط بين الغث والسمين، وبين الناصح والعالم، والمنتسب للعلم والدعي له. الرشد : أين يقف السلفيون من مجريات الأحداث باعتبارك أحد الرموز للتيار والقيادات السلفية البارزة؟ البيضاني: السلفيون من حيث الجملة موقفهم لا يتعارض مع موقف علماء اليمن الصادقين الناصحين، ومما يتميز به السلفيون رموزاً وقادة عن غيرهم: حرصهم على الابتعاد عن المكايدات الحزبية والسياسية الرخيصة، وصدور آرائهم ومواقفهم عن مرجعية شرعية، ويقومون بواجبهم من خلال النصح للحاكم والمعارضة على السواء، وتقديم الخدمات والعون، والمساندة لأبناء المجتمع، ونشر التوحيد والقيم النبيلة، والعقيدة الصحيحة، ومحاربة البدع والشركيات والسحر، والحرص على توحيد كلمة الناس واجتماعهم والصلح بينهم، والدعوة إلى الحفاظ على مقدرات الأمة والوطن التي من أهمها الوحدة اليمنية، وعدم التفريط بها، والتحذير من مخاطر التفرق والتشرذم، والعمل على نشر الحق، وسياسة الناس بالعدل وعدم تقييد حريتهم.. الحرية المنضبطة بمفهومها الإسلامي لا الأمريكي ولا العلماني الليبرالي.. أحراراً في ظل العبودية لله وليس للبشر. الرشد : في إطار البيت السلفي والداخل للجماعة السلفية قرأت قبل فترة تصريحاً لأحد القيادات السلفية مضمونه توقف الحوار بين فصائل العمل السلفي؛ فما الذي يراه الشيخ العامري؟ البيضاني: في الحقيقة أن مسالة الوفاق أو التوافق السلفي بين مختلف الفصائل والعاملين موجودة، ومتقاربة إلى حد كبير في جانبها المنهجي والفكري العقدي سوى نزر يسير من بعض أناس لا يمثلون الاتجاه السلفي الصحيح، وإن حسبوا عليه ممن ينقصهم الرؤية الشرعية الحقة، ولا يراعون مصالح ومقاصد الشرعية كما أنزلت، إنما منغلقين على أنفسهم، وهؤلاء لا غرابة في وجودهم؛ فلكل تيار لا شك أناس ينتسبون إليه لا يمثلونه، وقد يسيئون له، وعلى العموم هنالك حرص من أغلب قيادات الدعوة السلفية العلمية على التواصل والتعاون وتوحيد المواقف، وثمة خطوات في هذا الاتجاه لا بأس بها تحدث بين الفينة والأخرى تقوم وتتعثر، ونسأل الله يسدد الخطى لكل ما يحب ويرضى.