باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الجنوب هو الخاسر منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    إقالة رشاد العليمي وبن مبارك مطلب شعبي جنوبي    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    عنجهية العليمي آن لها ان توقف    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس يتغذى من «الأزمة» ويعتاش عليها! ..
نشر في البيضاء برس يوم 24 - 08 - 2013

كان مقيل مساء الأربعاء قبل الماضي ممتلئا بعدد من الصحفيين, أغلبهم ذو توجهات مستقلة . طلب أحدهم من مضيفنا فتح الفضائية اليمنية لسماع ما سيقوله عبد ربه منصور هادي, في كلمته التي سيوجهها الى اليمنيين؛ بمناسبة عيد الفطر.
لم يتحمس الجميع لسماع "هادي" وطلبوا, بدلاً من ذلك, سماع خطاب الرئيس المصري المؤقت, عدلي منصور. استمعنا الى كلمة "منصور" باهتمام بالغ, ولمست في كلمته حالة من الجدية, نسينا الرئيس هادي وكلمته., حتى أن احداً منا لم يسأل, ولو من باب الفضول أو حب الاستطلاع , عما يُمكن أن يقوله, أو ما قاله (هادي).
الرئيس, الذي يُكرس حضوره كعالة على الأزمة, ويظل يُمارس نشاطه بلا مشروع أو حس وطني, يصبح مجرد واجهة سياسية ميتة تعجز حتى عن إثارة اهتمام الناس, ثم يتحول الى عبء وأزمة قائمة بذاتها. "هادي" إذ يتجه نحو ذلك بإلحاح, ومازال يُراوح مكانه دون خطوات جادة وملموسة للتغيير والبناء, حتى أصبح حضوره باهتاً, ومثيراً للإحباط والفشل والعجز.
أفرط الرجل في الحديث عن المتاريس, وشبح الحرب الأهلية, الذي كان مخيماً على العاصمة صنعاء واليمن بشكل عام, خلال ما يُسميها "الأزمة" وفي أغلب خطاباته, أخذ يُكرر ذلك, ضمن سياق حديثه عن "إنجازاته" المختزلة في إزالة متاريس الحرب من شوارع العاصمة, وإعادة الخدمات التيار الكهربائي, وعدد من الخدمات الأساسية التي قُطعت حينها, تحول هذا الحديث الى أسطوانة مكررة للتفاخر, رغم أن إزالة متاريس الحرب, وإعادة الخدمات الأساسية لا تصلح للتفاخر بها كمنجزات وطنية جبارة, ولا تُغري بإدمان التغني بها, والعيش تحت ظلالها. هذه خدمات أساسية وضرورية يعمل على تأمينها مسؤولو الدولة باعتبارها "ألف باء" أي حكم. وهي, انطلاقاً من ذلك, لا تستدعي المباهاة والتفاخر. المنجزات, بمعناها البسيط والمتعارف عليه, تتجسد في المشاريع الاستراتيجية, التي تُمثل انعطافه حقيقية في تاريخ الشعوب, وتُحدث تحولاً حقيقياً في تاريخها.
وإذا ما جارينا سيادة الرئيس, واعتبرنا تأمين الخدمات الأساسية "منجزات وطنية" قابلة لاستخدامها في سياق التباهي والتفاخر, يحول الواقع دون ذلك, لأن دولته فاشلة, حتى اليوم, في تأمين هذه الخدمات الضرورية؛ فالكهرباء ما زالت تُمثل مشكلة كبيرة ورئيسية, وكذلك المياه, وبقية الخدمات الأولية.
لا أفهم من إصرار الرجل على التغني المستمر بهذه الأمور البسيطة وتكرارها "منجزات وطنية" إلا أنه يقيس نجاحه وتقدمه بالنظر الى ثورة الشباب باعتبارها مجرد "أزمة" دفعت به, عبر الحظ والمصادفة, الى سدة الحكم, رغم أنه كان جزءاً رئيسياً من النظام الذي ثار عليه اليمنيون. الأرجح أنه يتحرك محكوماً بوعي "الأزمة" وخاضعاً لها, الى درجة أنه لم يعد يرى الإنجاز الوطني إلا عبر تعريفه ب" الأزمة", ومقاربته لها, لهذا أصبح الإنجاز كامنا في تقليل انقطاعات الكهرباء من 18 ساعة, الى 8 ساعات فقط في اليوم, وليس حل مشكلة الكهرباء بشكل جذري عبر مشروع كبير يتمثل في بناء محطة كهربائية ضخمة!
ضمن هذا المنطق الرئاسي العجيب, أصبح الإنجاز يتمثل في إزالة متاريس الحرب من شوارع العاصمة, وليس تفكيك قوة مليشيات مراكز القوى التي أقامت تلك المتاريس! والمضحك أن مراكز القوى سحبت مليشياتها من متاريس الحرب تلك لا خضوعاً لقوة "الدولة" بل استجابة لتوسلات مسؤوليها, وعلى رأسهم رئيس الجمهورية, الذي نعرف جميعاً أنه توسل مراكز القوى تلك, مراراً, لإقناعها بالتراجع عن متاريسها! والشاهد أنه بدلاً من مواجهة مراكز القوى تلك لفرض سلطة الدولة؛ اتجه الرئيس نحو تعزيز قوتها, مانحاً إياها امتيازات كبيرة, أبرزها تجنيد الاف من مقاتلي مليشياتها في صفوف قوات الأمن والجيش!
والمعني أن الرجل الأول في البلاد قام بعملية غسيل لتنظيف وإضفاء شرعية على مليشيات مراكز القوى ومقاتليها المرتزقة؛ إذ دفع بهم الى مؤسستين سياديتين, مؤطراً وجودهم المخالف للقانون ضمن هيكل المؤسسات السيادية, ومانحاً إياهم صفة قانونية!
تشبه هذه العملية غسيل الأموال التي يقوم بها مجرمون محترفون؛ غير أن "غسيل المليشيات" جريمة أكبر وأخطر, وتصعد الى مرتبة "الخيانة الوطنية" عندما يقوم بها الرجل الأول في البلاد.
لا يقول "هادي" في خطاباته, إلا أنه يتغذى من "الأزمة" ويعتاش عليها؛ ليس باعتبارها مصدراً لشرعيته, بل باعتبارها مبرراً لبقائه في السلطة, تمديداً أو تأجيلاً. كنا بلداً بثورة حولها المتسلقون الى أزمة, ثن أصبحنا اليوم بلدا مأزوما لديه رئيس عاجز يتغذى على الأزمة وإرثها, جنياً الى جنب مع مراكز القوى التي خلقت هذا الوضع الكارثي وتعتاش عليه.
فشل فشلاً ذريعاً في قيادة اليمن نحو مرحلة جديدة؛ حتى أننا لم نعد نكترث بما يقوله في خطاباته؛ لأن هناك شعوراً عاما بفقدان الأمل لدى غالبيتنا؛ كيمنيين فقدان الأمل ب"هادي" كرئيس أكثر من أي شيء آخر. لا تتوقف المسألة عند عدم الاكتراث فحسب, بل تتجاوزها الى ما هو أبعد. لقد أصبح حضور الرئيس هادي مبعثاً للإحباط والاكتئاب.
هو متصالح ومتعايش مع هذا الوضع الكارثي, ويبدو في علاقة ود مزدهرة مع مراكز القوى التي دمرت اليمن وعبثت به, طوال العقود الماضية!
لا أولويات, ولا مشروع, لا رؤية, ولا حتى طموح شخصي جدير بإثارة هذا القدر البالغ من اليأس والإحباط في صفوف اليمنيين, هناك فقط رئيس يُحاول الرقص على رؤوس الثعابين؛ سيراً على خطى سلفه, علي عبدالله صالح, ذي التجربة الكارثية, التي أنهكت اليمن وأثقلته بعملية إفساد منظمة انتهت بنا الى وطن متضعضع الهوية تتهدده أكثر من أزمة.
بعث الحياة في أشباح الماضي
صعد "هادي" الى رئاسة الجمهورية على خلفية ثورة شبابية سليمة أطاحت ب"صالح". كانت أمال الناس كبيرة في بناء يمن جديد على انقاض دولة الإفساد والنظام المناطقي البغيض, الذي دمر البلاد طوال 34 عاماً؛ بيد أن عامين مرا دون حدوث أي تغيير يستحق؛ كما لو أن اليمنيين خرجوا بثورة من أجل إزاحة "صالح" ونزع السلطة منه, وتسليمها الى "هادي" وعلي محسن الأحمر!
لا يمكن حدوث أي تغيير بأدوات الأزمة؛ إلا أننا راهنا على "هادي" متجاهلين مسيرته السياسية كرجل اعتاد البقاء في الظل, 15 عاماً يعمل مع "صالح" دون أن نسمع له احتجاجاً, أو اعتراضاً, أو رأياً, أو موقفاً طوال تلك السنوات الطويلة, التي قضى جزءاً كبيراً منها في موقع الرجل الثاني في البلاد.
بعد التوافق عليه كرئيس انتقالي؛ حظي الرجل بدعم دولي وإقليمي غير مسبوق؛ إلا أنه ظل خائفاً, متردداً, وظهر مرتعش الخطى, مفزوعاً من أشباح الماضي, التي بدل أن يغلق عليها الأبواب عمل على بعث الحياة فيها من جديد!
جعلت الثورة, في مرحلة زخمها, مراكز القوى تتوارى, وبعضها تملق الحالة الثورية, وامتطاها, تجنباً لمصير "صالح" كان على "هادي" استثمار الحالة الثورية, لتقليص نفوذ مراكز القوى تلك؛ إلا أنه ذهب نحو تملقها وترتيب وضعها في دولته هو, وليس في دولة ما بعد الثورة. وبالنتيجة ظل الرجل, حتى اليوم, متذبذباً, كأي شخص لا يملك مشروعاً وطنياً, ومسكوناً بحذر الخائف من مراكز القوى.
ولأنه كذلك؛ لم يتمكن, طوال عامين, من إنجاز عملية إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية تُخرجه من هيمنة وسيطرة طرفي الصراع العسكري.
في العاشر من أبريل الماضي, أصدر حزمة قرارات عسكرية لم يتم, حتى اليوم, تنفيذ عدد كبير منها, كحالة استخفاف واضحة به كرئيس, تضمنت تلك القرارات إلغاء الحرس الجمهوري, والفرقة الأولى مدرع, والمنطقة الشمالية الغربية العسكرية, من مكونات الجيش. ورغم أن اللواء علي محسن باشر عمله الجديد. في مكتب خاص داخل رئاسة الجمهورية, كمستشار للرئيس لشؤون الأمن والدفاع؛ إلا أنه لم يُسلم, حتى الآن, معسكرات وأسلحة المنطقة الشمالية الغربية, أو معسكر "الفرقة" الذي ما زال تحت سيطرته؛ مع أن "هادي" أصدر, يومها, قراراً قضى بتحويله الى حديقة عامة تحمل أسم "حديقة 21 مارس"!
كذلك, ضمت تلك القرارات تعيين عدد من أطراف "الأزمة" في مواقع دبلوماسية في سفارات اليمن في عدد من الدول؛ طارق محمد عبدالله صالح ملحقاً عسكرياً في إثيوبيا, أخيه عمار ملحقاً عسكرياً في ألمانيا, هاشم الأحمر ملحقاً عسكرياً في السعودية, محمد علي محسن ملحقاً عسكرياً في قطر. مضت قرابة 4 أشهر. مازال جميع هؤلاء في اليمن, رافضين قرارات تعيينهم. هم ليسوا ملزمين بتنفيذ قرارات تعيينهم؛ إلا أن صدورها, ثم تجاهلهم لها بهذا الشكل, أمر يؤكد استخفاف مراكز القوى ب"هادي" كرئيس للجمهورية, مقابل سعيه الحثيث نحو تملق مراكز القوى تلك, التي تبادل ذاك التملق باستخفاف, وبلا مبالاة وعدم اكتراث. لم يكن عليه تعيين هؤلاء, كما لم يكن عليه تعيين أحمد علي سفيراً في الإمارات, أو علي محسن مستشاراً له؛ بيد أنه فعل ضمن خضوعه الواضح والمستمر لأدوات الأزمة كان عليه إقالتهم فقط؛ لكنه لم يفعل ذلك, مدفوعاً بهاجس الخوف من هؤلاء, لأنه لم يدرك أن الثورة حولتهم الى أشباح.
كنا بحاجة الى رئيس يُجهز على تلك الأشباح, إلا أن "هادي" ذهب نحو بعث الروح فيها, عبر تملقها, ومشاركتها, اقتسام البلاد.
لقد بالغ في تقدير قوة هؤلاء وراهن على الخارج في مواجهتهم, دون أن يلتفت الى الشعب, وخلال خطواته السابقة, لم يتمكن من كسب ثقة الشعب؛ إذ كرس حضوره كمركز حسم منحاز لأحد طرفي الصراع العسكري والقبلي. أفقده ذلك ثقة الناس وجمهوره المنقرض في المؤتمر الشعبي العام, أوصل كوادر المؤتمر الى قناعة بأنه خاضع لعلي محسن, ويتحرك بما يُحافظ على مصالحه هو, دون أن يضع أي اعتبار وتقدير لمصالح حزبه, أو مشاعر أعضائه. مع ذلك, يُريد اليوم أن يقصي علي عبدالله صالح من قيادة المؤتمر!
نتفهم تحالف "هادي" مع "محسن" وهو, على ما يبدو؛ تحالف استراتيجي؛ لكن كان عليه أن يأخذ في الاعتبار أن كوادر المؤتمر يرون في "محسن" وأولاد الأحمر, أعداء وخصوما.
كرس "هادي" جهده, طيلة الفترة الماضية, لاسترضاء وكسب ود خصوم "صالح" وخصوم المؤتمر, وتقوية علاقته بهم, دون أي التفات الى حزب المؤتمر, الذي كان يعتبر سيطرته علي مسألة وقت لا تحتاج أي جهد, أو تقدير, أو تملق.
الحاصل أنه فشل في إقصاء "صالح" من رئاسة المؤتمر, ما يعني أن الأخير سيتولى الإشراف الفعلي على دخول هذا الحزب في الانتخابات القادمة. وهذا سيوفر للرئيس السابق مجالاً لاستمرار نفوذه على قاعدة جماهيرية كبيرة, وعلى طبقة اجتماعية مازالت نافذة ومؤثرة في الحياة العامة داخل البلاد. كان يُفترض أن يكون "صالح" من أشباح الماضي؛ غير أن "هادي" أعاد بعث الروح فيه.
أتوقع أن يدعم المؤتمر ترشيح "هادي" في الانتخابات القادمة؛ إلا أن "صالح" سيكون صاحب القرار الأول في اختيار مرشحي الحزب في الانتخابات البرلمانية. بيد ان تطور الخلافات سيصب في مصلحة الرئيس السابق لإبقاء سيطرته على الحزب. وقد يتطور الأمر الى تقديمه مرشحا رئاسيا آخر غير الرئيس الحالي. ولم يعدم "صالح" العثور على شخصية جنوبية لتقديمها كي تنافس على موقع رئيس الجمهورية.
لو أن "هادي" تبنى رؤية وطنية جادة لكان تحول الى "بطل شعبي" سيحظى بالتفاف واسع من قبل الشعب, وسيضمن حصوله على غطاء لدعم خطواته في قيادة البلاد, ومواجهة نراكز القوى؛ بدءاً من "صالح" مروراً ب"محسن" وأولاد الأحمر, والنخبة العسكرية والقبلية السابقة, التي نهبت البلاد وتريد استمرار سيطرتها عليها خلال الفترة القادمة.
الى جانب ظهوره "هادي" دون مشروع وطني؛ ظهر منحازاً لطرف بعينه؛ لهذا فشل في إحداث إي تغيير حقيقي في البلاد, وتراجعت طموحاته, وصغرت الى مستوى رئاسة حزب المؤتمر. وهو اليوم غير قادر على الوصول الى رئاسة هذا الحزب عبر قناعة واختيار كوادره, فراح يبذل جهوداً لإقناع سفراء الدول العشر كي يضغطوا على "صالح" لإجباره على التخلي عن رئاسة الحزب!
عقلية ثأرية وخضوع مبالغ فيه
وجُهت عملية إعادة هيكلة الجيش نحو تحقيق مصالح شخصية, بعيداً عن المعايير العلمية, الوطنية.
وبدلاً من أن تؤدي الى تحويل الجيش من إقطاعيات عسكرية لمراكز القوى القبلية الى جيش وطني حديث, كرست نفوذ طرف عسكري وقبلي بعينه على الجيش.
ضاعف هذا الأمر من أزمة الثقة برئيس الجمهورية, وجعل حضروه يتراجع في الذهنية العامة من مشروع وطني, ورئيس لكل اليمنيين, إلى أداة من أدوات "الأزمة" والصراع داخل قبيلة حاشد.
الكارثة أن هيكلة الجيش وجُهت نحو تدمير قوات الحرس الجمهوري وتفكيكها, وكأنها ليست ملكاً للوطن والشعب. بل عزبة خاصة بعلي عبدالله صالح ونجله أحمد! من المستحيل أن يعود هذان الى حكم البلاد, فضلاً عن قيادة قوات الحرس, لهذا فالتعامل مع هذه القوات بذهنية ثأرية أمر أضر بالمصالح الوطنية, ودمر- ويُدمر- قوات كان يُفترض أخذها كنواة لتكوين جيش وطني حقيقي.
إن أكبر ما يخدم الرئيس السابق ونظامه هو التصرفات غير الوطنية ل"هادي" ونظامه, ممثلاً بوزير الدفاع, الذي عمل على تدمير وإيقاف "مستشفى48", التابع لقوات الحرس المنحلة, فيما كان عليه الحرص على استمرار عمله, وتحسينه الى الأفضل. هذا الفشل الذريع, في أبسط المهام, رفع ويرفع من شعبية الرئيس السابق في الذهنية العامة, ويخلق مبررات لعودته, وهذه هي الكارثة الحقيقية.
بُنيت قوات الحرس المنحلة من أموال الشعب, وهي- طبقاً للعسكريين – افضل وحدات الجيش, جاهزية وتدريباً وتسليحاً وتنظيماً.
المصلحة الوطنية كانت تقتضي إقالة أحمد علي من قيادة هذه القوات, وإعادة هيكلتها وفقاً لأسس وطنية حديثة, يتم عبرها إعادة صياغة ولائها الوطني وعقيدتها القتالية, ضمن مشروع يتم فيه إقالة قادتها الفاسدين والموالين للنظام السابق, وتعيين كفاءات عسكرية مستقلة بديلة منهم.
وفقاً لتأكيدات مختصين, كان على الرئيس الحالي أخذ قوات الحرس الجمهوري كنموذج أولي, يعمل على رفع مستوى وحدات الجيش الأخرى لتصبح في مستواها, تمهيداً لإحداث تطوير أفضل وأكبر لهذه القوات, ولكافة وحدات الجيش.
ما حدث هو العكس؛ فقد تم تفكيك الحرس, وتم الدفع بها هبوطاً لتكون في مستوى بقية وحدات الجيش, ذات الوضع المتدهور, على مستوى الجاهزية القتالية والتنظيم والتسليح.
الشاهد أنه تم, حتى اليوم, توزيع عدد من ألوية قوات الحرس المنحلة على مناطق عسكرية عدة, وجرى حل وتوزيع لواءين عسكريين منها رغم أنهما أثبتا كفاءة وجاهزية قتالية غير عادية؛ جرى حل اللواء الثالث مشاة جبلي, الذي كان متمركزاً في مأرب؛ إذ أعطي أفراده, قبل أكثر من شهرين, إجازة مفتوحة, ووزعت أسلحته, بعد أن تم نهب كثير منها. كذلك تم حل لواء الحرس الذي كان يتمركز في رداع, وأحل مكانه لواء جديد تابع لعلي محسن تشكل, مؤخراً, من العسكريين الذين انظموا ل"الأحمر" بعد انشقاقه عن نظام "صالح" في 21 مارس 2011م.
تصوروا! يتم حل اللواء الثالث مشاة جبلي, الذي خاض معركة مشهورة في "الصمع" وفرض الأمن والنظام في مدينة مأرب, مانعاً دخول السلاح إليها أو التجول به فيها!
من حق الرئيس هادي حل قوات الحرس الجمهوري, وإعادة دمجها وتوزيعها على المكونات الجديدة للجيش, لكن هذا لا يعني ولا يبرر, ضرب هذه القوات تشتيتاً وتدميراً؛ ذلك أنها ملك للشعب, وليست ملكية خاصة بأحمد علي, كي يجري الانتقام منها على النحو الذي جرى ويجري حتى اليوم.
الى ما سبق. فقد تم إقالة عدد من قادة ألوية الحرس الذين واجهوا علي محسن, ورفضوا الالتحاق به, خلال الصراع السابق, ما أظهر الهيكلة, في جانب كبير منها, كما لو أنها عملية انتقامية وتصفية حسابات يقوم بها اللواء الأحمر لتأديب ومعاقبة الحرس كقوات منظمة, وقادتها الذين رفضوا الالتحاق به بعد انشقاقه عن نظام "صالح"! إعادة هيكلة قوات الحرس المنحلة, مع الحفاظ على تماسكها وقوتها, كانت مهمة وطنية كبيرة؛ لكن هذا لم يكن ممكنا في ظل عقلية قيادية, سياسية وعسكرية, تفتقد لمشروع وطني حقيقي, واستبدلته بمزاج نزق يتحرك وفقاً لعقلية ثأرية.
كان يفترض ب"هادي" الحرص على إبقاء هذه القوات متماسكة, بعد إزاحة نجل الرئيس السابق من قيادتها, وإعادة تشكيل ولائها الوطني وعقيدتها القتالية, بما يجعلها قوة وطنية تُساعده في مواجهة مراكز القوى العسكرية والعصبية القبلية, التي عبثت, وما زالت تعبث, بالبلاد منذ أكثر من ثلاثة عقود.
لكن الغريب أن الرجل عمل, بدلا من ذلك, على تمكين علي محسن من السيطرة على هذه القوات! والشاهد أنه جرى تعيين قيادات مقربة ومحسوبة على الأخير في قيادة عدد من ألوية هذه القوات؛ بما فيها القوات الخاصة (قوات النخبة داخل الجيش) التي عُين أحد الموالين له في قياداتهاً!
وخلال الفترة الماضية, ظهر الرئيس منفذاً لرغبات علي محسن بأكثر مما تقتضيه الصحبة القديمة, أو تفرضه علاقة التحالف, مهما كانت استراتيجية ومصيرية.
بالمطلق, لم يتم, حتى اليوم, الاقتراب من وحدات الجيش التابعة ل"محسن"؛ رغم أنها في وضع عسكري ضعيف ومتدهور جعلها تتجلى كمليشيات وإقطاعيات خاصة, أكثر منها جيشاً وطنياً.
المحزن أن توجيهات الرئيس, السابقة والحالية, تبدو كما لو أنها تسعى الى محاكاه تجربة "محسن" العسكرية, عبر تحويل قوات الحرس الى مليشيات!
تقاسم باسم الشمال والجنوب
ما جرى داخل الجيش كان مجرد تقاسم لتركة الرجل المريض "صالح" الذي سلم السلطة استجابة لثورة شعبية كبيرة, وعظيمة, لهذا, كرست هيكلة الجيش. وتُكرس, نفوذ علي محسن, ومراكز القوى, التي التحقت بالثورة هروباً من الغضب الشعبي, ومحاولة لتصفية حساباتها مع شريكها التاريخي, الذي تركته بمفرده يواجه استحقاقات الغضب الشعبي بعد أن حاول الاستفراد بالحكم وتثبيت أقدام أولاده وأسته فيه. والأرح أن عملية الهيكلة ستقود الى جولة صراع جديدة قد يكون "هادي" طرفاً فيها, ولعله يكون الطرف الأضعف.
طبقاً للمعلومات, فقد تمكن "الأحمر" من تعيين عشرات الضباط المحسوبين عليه في مواقع عسكرية عدة, اخترق عبرها قوات الحرس, تمهيداً لربط ولائها به.
وفيما كان "محسن" وأحمد علي يعملان, منذ 1997م, كمركزي استقطاب داخل الجيش؛ أصبح لدينا اليوم بفضل الرئيس الانتقالي, مركز استقطاب وحيد داخل الجيش, وهو علي محسن, الذي لم يُثبت قدرته على مكافأة رجاله فحسب, بل أكد قدرته على معاقبة المتمردين عليه, وأولئك الذين لم يقبلوا الالتحاق به. الأمثلة كثيرة على ذلك, أبرزها القائد السابق للواء 312 مدرع المتمركز في مأرب.
كان يقود هذا اللواء, الذي يتبع الفرقة الأولى مدرع المنحلة, العميد الركن محمد قائد سعيد, الذي رفض الالتحاق بعلي محسن, بعد انشقاقه عن نظام "صالح" وظل في وضع محايد من طرفي الصراع العسكري, المنطق كان يقتضي من "هادي" التمسك بعسكري مهني ومحايد كهذا الرجل؛ إلا أنه أقاله وعين في موقعه ضابطاً شاباً كل مؤهلاته أنه مقرب من "الأحمر".
اليوم, تؤكد المعلومات أن كثيرا من القادة العسكريين المستقلين, وأولئك الذين كانوا محسوبين على "صالح" ونجله, بدؤوا, منذ أشهر, الارتباط بعلي محسن, بحثاً عن مراكز نفوذ توفر لهم حماية تضمن استمرارهم في مواقعهم.
لا تبرير لما يجري إلا أن رئيس الجمهورية فشل في مهامه, كما فشلت هيكلة الجيش الى أن تتم على أسس ومعايير علمية ووطنية, فضلا على ذلك, فقد عجز الرئيس الانتقالي عن إظهار نفسه كمركز استقطاب جاذب للقادة العسكريين المستقلين, والمهنيين, أو حتى أولئك الباحثين عن جدران للحماية.
قامت عملية الهيكلة على ذهنية المحاصصة والتقاسم, بشكل مكشوف ضاعفت مأزق الجيش ومشكلته. وإذ كرس "هادي" جهده في أخذ حصته, باعتباره ممثلاً للجنوب لا باعتباره رئيساً للجمهورية, فقد عجز عن تكوين وخلق مظلة وطنية جاذبة لشخصه وحركته داخل الجيش وخارجه, وبينما تحرك الرجل؛ ويتحرك, كممثل عن الجنوب, تعامل مع اللواء الأحمر كممثل للشمال! وقد ذهبت المغانم بالضرورة الى "هادي" وعصبه المناطقية المحيطة به, وإلى "محسن" وعصبته القبلية والحزبية المحيطة به, فيما الجنوب والشمال خارج هذه الحسبة. التي تعاملت مع الدولة بعقلية استحواذيه قائمة على ثقافة الفيد والمغنم.
تقتضي الضرورة هنا الإشارة الى أ، تجمع الإصلاح حصل على نصيب وافر من عملية التقاسم الجارية. والشاهد التعيين الفضائحي الذي تم, مؤخراً, في وزارة النفط, إذ عين إصلاحيان, أحدهما نائباً للوزير, والآخر وكيلاً للوزارة؛ رغم أنهما غير مختصين, ولا علاقة لهم بالنفط ومجاله.
المضحك أن الرئيس "الوطني" راعي مراكز القوى القبلية ومنحها نصيبا من التعيينات التي يُفترض بها أن تكون سيادية!
توظيف للقضية الجنوبية العادلة
لم يفعل الرئيس الانتقالي شيئاً غير أن قوى نفوذ حلفيه التاريخي (علي محسن) وأعاد- ويعيد- ترتيب البلاد وفقاً لمزاج ومصالح مركز قوى عسكر, قبلي. سيؤدي ذلك, بالضرورة الى صراع جديد قد يمثل ممراً أمناً لانفصال الجنوب, ربما سيلعب فيه "هادي" دوره كرئيس انتقالي. صحيح أن الرجل قلص من سيطرة "صالح" وأسرته على الجيش والبلاد؛ غير أن ذلك لم يتم ضمن سياق يخدم اليمن كوطن وكدولة, بل تم ضمن سياق يخدم مراكز قوى كانت شريكه ل"صالح" في تدمير ونهب البلاد, وتريد حصولها على فترة زمنية جديدة لإعادة سيطرتها تلك بشكل منفرد.
المصلحة الوطنية تقتضي تقليص نفوذ جميع مراكز القوى التي نهبت البلاد وأعاقت تطويرها, وما زالت تحول دون تحقيق ثورة الشباب لأهدافها في بناء يمن جديد خال من عمليات الإفساد المنظمة وقائم على النظام والقانون, والمواطنة المتساوية.
لقد راهن اليمنيون على رجل عاجز, لم يُدرك أهمية التطورات التي دفعته سمن الظل الى موقع الرجل الأول للبلاد, وافتقد للحساسية المطلوبة في قراءة تحولات الأحداث, وإدراك موقعه منها وقدرته على التأثير فيها, لم يفهم تطلعات وآمال شعبه, وافتقد حتى الطموح الشخصي لتخليد اسمه كزعيم وطني.
وكان ذلك ممكناً ومتوفراً له, بالنظر الى الفرصة النادرة التي وضعها أمامه تطورات الأحداث في مرحلة تاريخية استثنائية ملهمة وخالقة للقوة.
بعد إسقاط "صالح" في ملحمة شعبية نادرة؛ تعامل اليمنيون مع "هادي" كزعيم محتمل؛ رغم أنه لم يكن في تاريخه ما يشير الى ذلك. تعددت أسباب المقامرة على استنهاض زعيم داخل رجل تعايش مع سنوات من الصمت سفي ظل "صالح" ولم يكن في سيرته ما يقول إنه شخصية موقف ومواجهات.
وقد كان من بين تلك الأسباب جنوبية لليمن, وصنعاء على الانفصال, عبر بناء دولة جديدة على أنقاض دولة الغلبة والغبن التي أقامتها مراكز القوى الانتهازية.
غير أن ذلك لم يحدث؛ فالرئيس الجنوبي استغل القضية الجنوبية العادلة ووظفها في الحفاظ على حضوره وموقعة الشخصي كرئيس جنوبي في صنعاء. لقد نافس الانتهازيون, والمتسلقون, الذين ركبوا موجه القضية الجنوبية طلباً لتحقيق مصالح شخصية, وتقمصوا دور العصبوية المتشنجة لهذه القضية, وأخذوا يرفعون سقف المطالب؛ رغم أنهم كانوا جزءا من مشكلة الجنوب وأزمته, جراء عملهم الطويل مع نظام "صالح".
وفيما لم يتخذ أي إجراءات لإعادة الثقة مع الجنوب, كإعادة الاعتبار له, وتبني إصلاحات واسعة لمحاربة الفساد, وإرساء دولة النظام والقانون, كرس جهده لاختراق الحراك الجنوبي, وإقامة علاقة تصالحية معه جعلت نشطاء الحراك يتجنبون مهاجمته, والنظر إليه باعتباره الشخص الذي سيوفر انفصالا أمناً للجنوب! وهناك لا يرى موقفه السلبي, المتجاهل للقضية الجنوبية, إلا باعتباره دفعاً بالأوضاع نحو الانفصال.
الفيدرالية كمحاولة للهروب من العجز والفشل
بدلاً من قيامه بمهامه المفترضة لإحداث تغيير حقيقي يؤدي الى تغيير فعلي يقود اليمن نحو التطوير والتحديث؛ اتجه الرئيس هادي الى الرهان على شكل جديد للدولة ونظام الحكم! هؤلاء يريد أخذ اليمن الى شكل سياسي جديد للدولة يتضمن إعادة صياغة للوحدة, بل يريد الهروب من فشله وعجزه, ودافعاً البلاد الى وضع قانوني آخر "فيدرالي" بأزمتها الحالية, ومراكز القوى المهيمنة عليها, هذا ليس أكثر من عملية "غسيل" غير قانونية للقاذورات المتحكمة والمهيمنة.
يُريد الرئيس الانتقالي, على ما يبدو, أخذ اليمن, المريض والمأزوم, الى الفيدرالية, وهو مثقلاً بمخلفات الأزمة الوطنية وأدواتها, مع ذلك يُراهن الرجل, واقع الحال, وبناء يمن جديد!
تتغلب الدول على أزماتها الوطنية عبر مشروع وطني يواجه إرث الأزمة, وليس عبر الهروب الى تغيير شكل الدولة والنظام السياسي. من قال إن مشكلة اليمن تكمن في تحديد شكل الدولة والنظام السياسي؟!
تُناسب الفيدرالية اليمن؛ غير أنها لا تتجلى اليوم إلا كمجرد مغارة لساسة يهربون من فشلهم في حل الأزمة, وعجزهم عن مواجهة أسبابها الرئيسية, الى مسميات نظرية جديدة لا يبدو ستكون مقامرة بالبلاد ومستقبلها, تكمن مقامرة هؤلاء الساسة, ومغامرتهم, في أنهم يريدون دفع اليمن الى الفيدرالية وهي مثقلة بأدوات وأسباب الأزمة المحصنة بإرث حافل من الهمجية والفياد وانتهاك القانون, والمتمنطقة لثقافة الاستحواذ والغلبة التاريخية.
الفيدرالية ليست حلاً سحرياً للتغلب على المأزق الوطني المدهور الحاصل, الذي يهدد بحالة فوضى ومرحلة تفكك, خلافاً لذلك, تصبح الفيدرالية بالنسبة لدولة متضعضعة شأن اليمن, بمثابة انتحار على طريقة "القتل الرحيم".
حظي "هادي" بدعم دولي وإقليمي واستثنائي؛ غير انه أفتقد للمشروع الوطني, وشجاعة الإقدام. وانعكاساً لذلك, ظهر الرجل مستند بجمال بن عمر والسفير الأمريكي, وبقية سفراء الدول العشر, من أجل تنفيذ قرارته, هو معذور في ذلك في فترته الأولى لمواجهة مركزي الصراع العسكري؛ غير أن استمراره بذلك حتى اليوم لا يؤخذ إلا باعتباره مؤشرا الى العجز والفشل. كان أحد أكبر أخطائه إنه تجاهل الشعب, دون أن يدرك مقدار القوة التي تًمكن أن يستمدها منه, فوضع كل رهانه على المجتمع الدولي, الذي تجسد في "بن عمر" وسفير واشنطن في صنعاء, لقد سد قنوات تواصله مع الشعب, لهذا تعزز ارتهانه للخارج, الذي يُراهن عليه اليوم في منحة فترة تمديد أخرى في الحكم.
هل راهنا على الرجل الخطأ؟ هذا أمر مؤكد, ذلك أن الأحداث في اليمن ليست أكبر من الرجال. سينهي الرئيس التوافقي فترته في الحكم وقد دفع اليمن نحو أزمات ومشاكل أخرى, وقد ينهي حكمه بانهيار ما تبقى من الكيان الشكلي المفترض للدولة, ما سيجعل البلاد أمام تفكك فعلي سيستحيل السيطرة عليه أو ضبطه, لدينا رئيس عاجز, ووطن مريض بأزمات تُهدد وجوده الإنساني والجغرافي.
لقد راهنا بالفعل على الرجل الخطأ, ولم يعد أمامنا غير انتظار وقوع الكارثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.