· التصعيد لم يكن عفوياً.. إنما جاء مدروساً. · ومشاوراته.. اشترك فيها أكثر من وكيل إقليمي. · وإطاره العام.. تشرف عليه واشنطن. · والهدف الأساس.. تفكيك الجزيرة على مراحل!! لا ريب في أن النظام الصفوي القابع في قم وطهران، الذي اغتصب سلطة الشعوب الإيرانية منذ عام 1979، ما يزال يباشر في تنفيذ مخططه التوسعي بطريقة تجاوزت منهج الشاه على حساب العراق والمنطقة.. ولا ريب في أن منهج النظام الصفوي هذا أخذ زخمه المتصاعد، ليس من قدرته على فعل التدخل في المحيط الخارجي، إنما استمد قدرته من صلب (الشراكة الإستراتيجية) القائمة بينه وبين الإدارة الأمريكية على تفكيك واقع المنطقة برمتها، في شكل تغيير في الخرائط السياسية من جهة، وعن طريق الدمج الكتلوي، وهو مخطط استعماري قديم يتساوق مع التحالف الثلاثي - أمريكاإيران إسرائيل -، حيث (الشرق الأوسط الجديد)، الذي يعتمد أداة إيران الطائفية للدفع بالتناقضات المذهبية والعرقية إلى حافة التصادم الذي ينتهي بالتقسيم والتفتيت والاحتراب والشرذمة. والواضح في السلوك السياسي الإيراني الخارجي، حين يحاصر في زاوية الإدانة لوقوعه متلبساً بالجرم المشهود نتيجة لتدخله السافر في شؤون البلدان العربية، يتنصل رسمياً ويدعي أن الدعم الذي يصل إلى العناصر والفئات وتنظيماته الخاصة، يأتي من المرجعيات الدينية والمنظمات الخيرية، وكأن سلطة النظام السياسية والاستخبارية لا تعرف شيئاً أو لا تعلم بما يجري أو يحدث!! المهم في الأمر.. أن التدخل الصفوي في الشأن العربي وخاصة دعم التمرد (الحوثي) في اليمن، والتدخل السافر في الشأن السعودي إثر احتجاج طهران على دفاع السعودي عن نفسها في أحداث المنطقة، يعكس وصاية طهران على المجموعة المتمردة في جبال صعده خلافاً لميثاق الأممالمتحدة الذي يحرٌم التدخل ويؤكد على حصر النزاعات داخل الحدود الوطنية للدولة وعدم السماح باتساعها أو التدخل لإثارتها وتأجيجها. والملفت في الأمر أن عدداً من الدول العربية قد اتخذت موقفاً حذراً حيال ما يجري في اليمن، تدعو من خلاله إلى ضرورة اللجوء إلى الحوار لحل الأزمة دون أن تضع إصبع الاتهام بوجه الطغمة الفارسية الحاكمة.. والملفت أيضاً أن هذا الموقف الحذر ينسجم مع الموقف الأمريكي والأوربي في عدد من المفاصل.. كيف؟ لم تعلن أمريكا ولا أوربا موقفاً يرفض التدخل في الشأن اليمني وكذا السعودي كمبدأ ثابت في ميثاق الأممالمتحدة. الساحة الأمريكية والأوربية ما تزال مسرحاً سهلاً لتحرك الحوثيين، الذين ارتكبوا أعمال العنف والإرهاب والقتل وتهديد الأمن الوطني اليمني، بالرغم من مطالبة صنعاء من (الإنتربول) الدولي بملفات استرداد رسمية لهؤلاء القتلة ومحاكمتهم. لم يحرك مجلس الأمن ساكناً حيال حركة الأسلحة الإيرانية الصنع القادمة من ميناء بندر عباس بالقرب من مضيق هرمز إلى الميناء اليمني القريب من جبال صعده القريبة جداً من موقع التمرد الحوثي، والتي ألقت الجهات اليمنية المعنية القبض عليها بالجرم المشهود!! لم يحرك مجلس الأمن ساكناً حيال حركة الأسلحة الإسرائيلية عبر ميناء (ارتريا) على البحر الأحمر صوب تجمعات الحوثيين في تلك الجبال الوعرة القريبة من صعده المجاورة للحدود اليمنية السعودية!! لم تتحرك الجامعة العربية بما يمليها عليها ميثاقها، الذي وضعته تحت أقدام الغزاة والصهاينة، لتقول للمتدخلين كفى وإلا سنسحب من عاصمتكم سفرائنا المعتمدين بقرار عربي موحد ولتذهب مصالحكم إلى الجحيم ما دام الأمن الوطني والقومي مهدد بمخاطر التدخل!!
المشهد العام يفصح عن دور إيراني خطير في المنطقة يحظى بصمت أمريكا وأوربا و (إسرائيل)، يتولى التهديد بالإنابة عن طريق التمرد الطائفي في الأماكن التي تعاني تناقضات أو تعايش مذهبي وقومي في العراق ولبنان والسودان واليمن والسعودية صعوداً إلى مصر، وانتهاءً بالمغرب العربي.. فيما كانت الحكومة اليمنية تبذل جهوداً مضنية لاحتواء المشكلات والتأزم والتمرد ودعوات الانفصال المشبوهة.. حيث تكشف المصالحة القطرية لعام 2008 عن محاولات احتواء جادة، بيد أن هذه المحاولات وما يتخللها، يستثمر من لدن المتمردين لكسب الوقت وترتيب الأوضاع والتزود بالسلاح والعودة ثانية إلى التمرد!! الإشكالية العامة هنا، تكمن في مسألة الولاء، فلو كان للوطن لحلت في نطاق الثوابت الوطنية سياسياً، إلا أنها مسألة ليست وطنية ينصب الولاء فيها للقبيلة، التي تحكم بالفصل والثأر القبيليين، ثم أضيفت الطائفية لتدفع بالأحداث نحو التعقيد المتعمد. المنهج الإيراني الطائفي المراد تصديره إلى الخارج يعتمد أحد أخطر مفاصله على الولاء الخاص بالتشيع الفارسي، وكذلك على الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، الذي ينشط في صعده، كما له وجود ونشاط سري وعلني في عدد من البلدان العربية وخاصة الخليجية، ويمارس أسلوب التبشير بالأمامية عن طريق دفع الأموال وتقديم السلاح، ودعم تيارات (سنيه) مثل حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس في فلسطين، وجماعة حكمتيار في أفغانستان، وأحزابها الطائفية وتنظيم القاعدة في العراق. بيد أن الكثافة الزيدية الكبيرة والفرقة الجارودية، تتقاطعان مع الأمامية والإثني عشرية، التي تتبناها ولاية الفقيه.. ومع ذلك فأن هذه الحركة ليس لها أجندة واضحة ولا مطالب محددة، فهي تبدو مزيجاً من الإعجاب (بالنموذج) الإيراني المخادع والمضلل، ورفض منطق الدولة اليمنية.. والمعنى في ذلك، أنه مزيج من الدعم الخارجي الإيراني والتقاطع مع السياسة الرسمية للحكومة اليمنية في إطار أجواء الفقر والبطالة وسوء الأحوال وتنامي حدة الصراعات السياسية والقبيلية. فالحوثيون يجمعون بين كونهم وكلاء لإيران، وبين مسببات ذات طابع اجتماعي وتاريخي وسياسي في الساحة اليمنية. فهم يعلنون مطالب، مهما تكن، هي في حقيقتها هامشية لا تستوجب رفع السلاح وتهديد أمن الوطن وأمن المجتمع.. فيما تكمن أهدافهم في زعزعة استقرار دول المنطقة وفي مقدمتها اليمن والسعودية.
والمعنى في زعزعة استقرار المنطقة : إن جماعة متمردة وخارجة على القانون، مهما بلغت قوتها لا تستطيع أن تجابه قوة الدولة بأسلحة مماثلة، إنما مشاغلتها وإرباكها وإضعافها. فإذا كانت أهدافها هامشية فلماذا تسعى إلى إضعاف الدولة والتأثير على أمنها واستقرارها؟! هنالك أهداف أخرى أكثر عمقاً، تتسع لتشمل الجزيرة والخليج العربي والمشرق وكذا المغرب العربي، ذات طابع إستراتيجي يتداخل فيها الإقليمي مع الدولي.. كيف؟! لماذا طلبت إيران من صنعاء رسمياً توسيع وتنشيط أحد الموانئ اليمنية الصغيرة، وتسهيل إنجاز هذا المشروع بدعوى تعزيز وتطوير علاقات البلدين الثنائية، في الوقت الذي فيه موانئ يمنية أخرى أكثر أهمية وذات أهمية إستراتيجي وتنموية لتعزيز هذه العلاقات؟! والميناء البحري الذي اختاره الإيرانيون يقع جغرافياً بالقرب من المناطق، التي يتحصن فيها الحوثيون، وأن مثل هذا الاختيار الإستراتيجي يعني الحصول على منفذ لإيصال أسلحة وعتاد ومعدات إلى عناصر التمرد الحوثي، فضلاً عن الدعم اللوجستي العسكري في إطار مخطط يرمي إلى إقامة (كانتون) طائفي يفصل بين اليمن والسعودية قد يمتد تأثيره إلى الطائفة الشيعية في السعودية، التي قال عنها (مقتدى الصدر) بأنه مسؤول عن قبور الأجداد في المملكة وصيانتها. كيف يمكن لجماعة متمردة أن تجري مناورات عسكرية واسعة، ما لم تكن قد تلقت تدريبات عسكرية في دورات مخطط لها في الخارج؟! الأسلحة التي يستخدمها الحوثيون هي أسلحة (إيرانية)، وأسلحة (إسرائيلية).. والتساؤل هنا، كيف وصلت هذه الأسلحة إلى المجموعة المتمردة في صعده؟! وخاصة تلك الأسلحة التي استطاعت أن تسقط ثلاث طائرات سعودية في النزاع الأخير؟! ولماذا تقدم (اريتريا) أسلحة للحوثيين عبر البحر الأحمر إلى السواحل اليمنية وجبالها الوعرة ومنها إلى المتمردين؟ وما هو الربط بين نظام (أفورقي) في ارتريا والجماعة المتمردة من الحوثيين؟ ثم ما هو الربط بين النظام الارتري والكيان الصهيوني؟ والمعروف أن أفورقي حين يصاب بنزلة صدرية يذهب إلى تل أبيب لكي يتعالج!! ألا يعني أن تزامن تزويد الحوثيين بالأسلحة الإيرانية والإسرائيلية جاء في ضوء مخطط واحد وهدف واحد؟! التدخل الإيراني الصفوي... لم يكن تدخلاً مباشراً!! تعلن طهران على لسان وزير خارجيتها (منو شهر متكي) إعتراضها على الفعل العسكري السعودي، الذي يقع في إطار الدفاع عن الأمن والسيادة السعودية.. وترى فيه تدخلاً سعودياً في الشأن اليمني؟! فهل أن إيران وصية على اليمن؟ وهل هي وصية على اليمنيين الحوثيين مهما اختلفوا في ما بينهم وبين النظام السياسي اليمني؟!.. فيما تعد التصريحات الإيرانية الصفوية تدخلاً سافراً ووقحاً في الشأن اليمني والسعودي. تقول طهران.." أن دعم الحوثيين يأتي من المرجعيات الدينية والجمعيات الخيرية."، وهل أن المرجعيات الدينية والجمعيات الخيرية تدعم بالسلاح والعتاد ومتطلبات ولوازم عسكرية لوجستيه؟.. حيث أن هذا الاعتراف جاء بعد أن أحرجت طهران وتأزمت العلاقات بينها وبين صنعاء.. ألم يكن هذا الدعم تحت إشراف السلطات السياسية الإيرانية العليا ومخابراتها؟! لماذا أقدمت صنعاء على غلق المستشفى، التي بنته إيران في صنعاء؟ ألم يكن غطاءً ومنطلقاً إيرانياً للتحريض وتقديم الدعم المالي وغيره للعناصر التي ترى فيها فرصة للتنظيم الطائفي والتعبئة والترويج للفتنة والتشيع الفارسي ومن ثم التمرد؟! ولماذا أوقف بث قناة (العالم) الإيرانية على القمرين الإصطناعيين (عرب سات) و (نيل سات)؟! ولماذا أرسلت إيران سفينة أسلحة إيرانية الصنع إلى الحوثيين ضبطتها الجهات اليمنية المختصة في المياه الإقليمية اليمنية وبالقرب من الميناء اليمني آنف الذكر؟! ولماذا وصلت امدادات عسكرية إسرائيلية عبر ارتريا إلى الحوثيين في صعده؟! ألا يعني أن النار الفارسية الصفوية باتت تحاصر السعودية من الشمال (العراق المحتل) ، ومن الجنوب (اليمن)؟!
الخلاصة : التصعيد العسكري (الحوثي- الإيراني- الإسرائيلي) المتزامن لم يكن عفوياً. إن هذا الحدث لم يكن محدداً في فعله، إنما هو يتسع على وفق مخططه الرامي إلى إرجاع اليمن إلى المربع الأول بالتقسيم إلى شمال وجنوب، وزج السعودية في أتون إحتراب طائفي داخلي بدعوى المظلومية وانعدام الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. التصعيد هذا أحد أهم عتبات تطبيق (الشرق الأوسط الجديد) بعد احتلال العراق، وعلى طريق تقسيم السودان وتقسيم اليمن وزعزعة أمن واستقرار السعودية والعمل على دمج الكيانات العائلية في عموم الجزيرة والخليج العربي في كيانين أو أكثر.. أما مصر فهي مشمولة بهذا المخطط على امتداد المغرب العربي.!! فعلى الجميع أن يدرك بأن انتصار المقاومة الوطنية العراقي والعمل على دعمها بكل السبل الممكنة والمتاحة، سيفسد المشروع الذي شرعت الصفوية الإيرانية بتنفيذه بمشاركة إسرائيلية واشراف أمريكي.. وقد بدأته من أرض العراق بالزحف على أرض العرب بدون استثناء.. إنه مشروع لا يعرف صديقاً إنما يعرف المصالح لا غير!!