المتابع لتصرفات طهران في الفترة الأخيرة يلمس بوضوح أنها باتت تسلك سياسة جديدة في التعامل مع واشنطن وتل أبيب تقوم على "الصدمات المتتالية " ، فهي تعلن على فترات زمنية متقاربة جدا عن مفاجآت عسكرية ونووية وتكنولوجية وهو الأمر الذي يجعل الغرب في حالة ارتباك مستمرة بل ويدفعه أيضا للرضوخ لمطالبها شيئا فشيئا ولعل ما يؤكد صحة الفرضية السابقة هو أنه في ذروة تأزم محادثات فيينا حول أزمة برنامجها النووي وعلى هامش تصاعد حدة أزمتها الداخلية ، سارعت طهران لإبراز عناصر قوتها وعلى فترات زمنية متقاربة جدا لردع أوباما ونتنياهو عن التفكير في أية مغامرة عسكرية ضدها ، وكان آخر مفاجآتها في الصدد ما أعلنه وزير دفاعها أحمد وحيدي في 23 ديسمبر / كانون الأول بشأن قمر " طلوع ". وكان وحيدي كشف خلال تفقده ورشة الصناعات الإلكترونية في مدينة شيراز عن تخطيط إيران لإطلاق قمر صناعي جديد يحمل اسم "طلوع" في شهر فبراير/شباط المقبل ، وأضاف أن هذا القمر الصناعي تم إنتاجه بأيدي علماء وخبراء إيرانيين متخصصين ، معتبراً أن ذلك يشكل خطوة كبيرة للأمام . ووصف الصناعات الإلكترونية في شيراز بأنها تشكل القطب الصناعي والإلكتروني الناجح في البلاد ، مشيرا إلى الإمكانات الكثيرة والتجهيزات الحديثة والمتطورة في داخل إيران . واختتم وحيدي قائلا :" إن الانجازات التي حققتها وزارة الدفاع الإيرانية في المجال الإلكتروني تملكها اليوم عدد قليل من الدول في العالم بسبب التقنية المتطورة لتكسر بذلك القيود التي فرضها الغرب وقيامه باحتكار التقنية لمصالحه فقط". قمر الأمل
صاروخ شهاب 3 التصريحات السابقة والتي تؤكد تطور قدرات إيران العسكرية والتكنولوجية بشكل كبير ستثير بلا شك غضب واشنطن بشدة ولعل ردود الأفعال حول قمر "الأمل" تدعم صحة ما سبق . فمعروف أن إيران كانت أطلقت في 3 فبراير/ شباط 2009 وخلال احتفالها بالذكرى الثلاثين للثورة الإسلامية قمرها الصناعي الأول الذي يحمل اسم "أوميد" أي "الأمل" باللغة الفارسية . وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" عبرت حينها عن قلقها الشديد من عملية إطلاق إيران لقمرها الصناعي ، قائلة :" إنها تشعر بقلق عميق لهذا الواقع باعتبار أن ذلك قد يؤدي إلى تطوير نظام صواريخ بعيد المدى". وأضافت قائلة في بيان لها :" إيران أعلنت عن إطلاق أول قمر صناعي من صنع محلي وذلك على متن الصاروخ (سفير 2 ) الذي يعمل بمرحلتين، ما يعني أن هذا النوع من الصواريخ يتمتع بالقدرة على حمل رؤوس حربية لمدى بعيد ". وما يضاعف من صدمة واشنطن تجاه الإعلان عن قمري " الأمل وطلوع " هو تشكيكها في السنوات الماضية في احتمال نجاح إيران في تحقيق هذا الأمر ، ففي أغسطس 2008 ، أعلنت إيران أنها أجرت اختباراً لإطلاق صاروخ فضائي قادر على حمل أقمار صناعية ووضعها في مدارات حول الأرض . وفيما أعلن المسئولون الإيرانيون نجاح المهمة التجريبية آنذاك، شكك مسئولون أمريكيون في قدرة إيران على تحقيق تقدم كبير في تكنولوجيا الفضاء ، إلا أنه تأكد للعالم فيما بعد أن إيران باتت قوة عسكرية وتكنولوجية لا يمكن الاستهانة بها ، بل إن إطلاق قمرين صناعيين هو أمر يؤكد أن إيران ماضية قدما في تحديث قدراتها غير عابئة بالحظر الأمريكي المفروض عليها منذ قيام الثور الإسلامية قبل 30 عاماً ، وبالتالي فإن تهديد الغرب بتشديد العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب استمرارها في تخصيب اليورانيوم هو أمر لن يجدي نفعا على الأرجح . وبالنسبة لواشنطن تحديدا ، فإن أوباما وإن كان ألمح بعد تنصيبه إلى استعداده لإجراء حوار مع إيران ، فإن هذا الأمر بات أكثر إلحاحا عن ذي قبل لأن المواجهة العسكرية ستكون عواقبها وخيمة جدا ، خاصة وأن إدارته بدت في رد فعلها على إطلاق قمر " الأمل " وكأنها لا تدرك حجم القوة التي أصبحت عليها إيران. الفكة وسجيل 2
بل ويبدو أن تلك القوة المتصاعدة هي التي دفعتها للتشدد بشأن الحوار مع واشنطن وخلال محادثات فيينا في أكتوبر الماضي حول أزمة برنامجها النووي ، ورغم أن نتنياهو كان يعول كثيرا على فشل تلك المحادثات لإقناع إدارة أوباما بشن عمل عسكري ضد إيران ، إلا أن الأخيرة أجهضت مبكرا مثل هذا الأمر عبر عدة مفاجآت عسكرية . فبالإضافة للإعلان عن خطط إطلاق قمر " طلوع " ، فاجأت إيران العالم يوم السبت الموافق 19 ديسمبر بإعلان سيطرتها على بئر في حقل الفكة النفطي الواقع في جنوبي العراق بالقرب من الحدود المشتركة غير عابئة بوجود الآلاف من قوات الاحتلال الأمريكية في العراق. وقبل ذلك وتحديدا في 16 ديسمبر / كانون الأول ، أعلن التليفزيون الإيراني أن طهران أجرت بنجاح تجربة لإطلاق الصاروخ "سجيل 2" المعدل بعيد المدى . وأضاف أن الصاروخ الجديد يعمل بالوقود الصلب ويمتاز بقدرة تدميرية عالية وأصاب أهدافه بدقة متناهية ، قائلا :" الصاروخ "سجيل 2" المعدل مجهز بمحركين اثنين ويعتبر الأكثر تطوراً في منظومة الصواريخ الإيرانية ". ومن جانبه ، أكد وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي أنه من الممكن إطلاق الصاروخ بسرعة كما أنه يتمتع بالقدرة على المناورة أكثر من النسخة التي جرها اختبارها سابقا ، هذا فيما شدد الجنرال حسين سلامي قائد القوات الجوية في حرس الثورة الإيراني على أن "سجيل 2 " المعدل ذو مدى مناسب وقدرة تدميرية عالية ودقة كافية ويعتبر أحد الأنظمة البالستية الأكثر تطورا ، قائلا :" إنه أفضل سلاح تمتلكه القوات الجوية الإيرانية". ورغم أن البعض قد ينظر للتصريحات السابقة على أنها تحمل مبالغة ، إلا أنه عند تحليل الأمر من الناحية العسكرية ، فإنه يتأكد أن "سجيل 2 " المعدل يهدد إسرائيل بشكل غير مسبوق لأنه يتمتع بمدى أبعد من صاروخ "شهاب 3 ". فمعروف أن إسرائيل تبعد حوالى ألف كلم عن الحدود الغربية لإيران ، وبالنظر إلى أن صاروخ "شهاب 3" يمكنه أن يصيب أهدافاً على بعد 2000 كيلو متر ، فإن "سجيل 2 " المعدل يعتبر الأكثر خطورة على أمنها لأنه بالإضافة إلى مداه الذي يزيد عن ألفي كيلومتر والذي يجعله واحدا من أطول الأسلحة مدى في الترسانة الإيرانية ، فإن هذا الصاروخ يعمل على الوقود الصلب الذي يعطيه مردودية أفضل مقارنة مع الوقود السائل ، كما أن سرعة إطلاق هذا النوع من الصواريخ تعني القدرة على إطلاق عدة صواريخ على التوالي وهو ما يضع إسرائيل والقواعد الأمريكية في الخليج في مرمى القوات الإيرانية بشكل كبير جدا . والخلاصة أن سياسة إيران باتت تربك حسابات الغرب بشدة ، وفي حال كهذا فإن أوباما لن يعطي الضوء الأخضر بسهولة لإسرائيل لشن عمل عسكري ضد إيران خاصة وأن الاقتصاد الأمريكي مازال يئن تحت وطأة الأزمة المالية التي تفجرت في أواخر عهد سلفه جورج بوش.