تروي كتب الأمثال والأدب أن أَمَةً لبعض العرب واعدة صديقاً لها أن تأتيه بعد فراغها إلى وراء الأكمة , فشغلها سيدها في تلك الليلة أفعلي , وافعلى , فلما تأخرت عنه قالت : شغلتموني وإن وراء الأكمة ما وراءها , فأرسلتها مثلاً . وهذا يقال لكل شيء يكون خلفه ما يخاف منه , وإن كان العرب مسكونين بعقدة المؤامرة , في تاريخهم المعاصر , غير أنه لا يعني أن لا يكون المرء على حذرٍ وبينة , ولا يصبح وقد بان له الصبح عن داهيةٍ من الدواهي وهو عنها غافل , وقد حكى لنا التاريخ قصة علي بن الفضل القرمطي , حيث آوى إلى جبل من جبال اليمن , ومكث فيه سبع سنوات , يظهر التعبد والزهد , حتى اسوتثق له الناس , واحبوه , خرج عليهم بدعوة الالحاد الباطنية , والتي كان من آثارها أن حكمت اليمن والحجاز , بالرفض والشرك ,وكان المنطلق هو مسكنة ابن الفضل هذه السنين , والناس لايدرون عنه شيئاً , ولذلك يقال هنا وراء الأكمة ما وراءها .طُلِبَ مني غير مرة الكلام عن قصة (( الحبيب باعش )) المثيرة للجدل , ولا أريد أن اتورط فيما تورط فيه غيري من ذكر الأسماء , أو إطلاق الكلام على عواهنه , مادحاً أو ذاماً , على أن موضوع الاخ عبدالله العبدلي أعجبني كثيراً , والذي أريد طرحه هنا , لاسيما وقد أستفحل الأمر وكثرة التساؤلات حول موضوع (( الحبيب )) , وقد كتبت دراسة قبل سنة طُلِبَتْ مني من مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث ,حول هذا الموضوع , ثم رأيت عدم صلاحية نشرها , فآوت قريرة العين إلى سلة المهملات , غير أني خلصت إلى عدة تساؤلات , هي أشبه ما يكون بتوصيف أو أثارة موضوع (( الحبيب )) للناس عموماً , وأنا هنا لا أتكلم عن مشايخ القبائل , ولا مسؤلي الدولة , والسبب هو غياب النظام والأطر التي يعمل تحتها أمثال هؤلاء , فلا هم لهم سوى , (( نفسي نفسي لا أسألك سواها )) , ولهم أقول كلٌ يظهرنفسه بما يليق بها , ولعل كلٍ منهم ظهر بما يليق به , وكل أمرءٍ أدرى بنفسه أين يضعها , وتساؤلاتي تدور حول عدة نقاط , وبالإجابة على هذه النقاط , يتضح الأمر جلياً , وكلٌ أمرءٍ بعد ذلك حسيب نفسه ,وهي كالتالي . أولاً : سيرة (( الحبيب )) كانت مليئةً بالأشواك والمتعثرات , وتنقله للعمل من الرياض إلى المدينةالمنورة , نجاراً أو بائعاً في نفس المجال , تحكي وضعه الأقتصادي السابق , فجأة ظهر وأشتهر , وأصبح من أهل المليارات , ومن تتبع سيرة التجار رأى قانون التجارة وأصولها , من اين ظهرت كل هذه الأموال وبهذه السرعة ؟ تساءل كثيرون عن السر , وتباينت الردود , من القراءة على ابنة احد التجار , ولكن (( الحبيب )) اصبح اغنى من التاجر نفسه , إلى الدعم المادي المتحول من جهات صوفية , ولكن العمل الخيري لا يسير بهذه الطريقة , إلى السحر , إلى الدعم الأميركي على خلفية تقرير مؤسسة راند , والذي أوصى بدعم المتصوفة كونهم يخدمون المشروع الأميركي في المنطقة , إلى الدعم الإيراني , إلى التجارة أخيراً , ومحلات الألكترونيات , واظن أن دخل محل سنة كاملة لا يكفي لصرفية (( الحبيب )) يوم واحد فقط , وقد رأيت وسمعت عن آل الراجحي وأموالهم تكفي لميزانية دولة كاملة كاليمن , ولكنهم لا يبذرون المال هكذا , فمن أين ؟ ومن يجيب ؟ ثانيا ما الغرض من كل هذا الدعم ؟ ولماذا (( الحبيب )) بالذات ؟ وماهو المشروع الذي يتبناه , ولماذا التوثيق ؟ , وهل هناك من ضرر رأيناه من كل هذه الدعم ؟ , وهل هناك خطط مرحلية يقوم (( الحبيب )) بالمرحلة الأولى منها ؟ ولماذا ظل (( الحبيب )) وقصته رمزاً شائكاً لا توجد له أجابة ؟ والتاريخ يقول أنه قد حصل لشخصيات أثارت جدلاً واسعاً ثم ظهرت لها مشاريع خطيرة كانت سبباً في حروب وكوارث وتغيرات سياسية وفكرية وعقدية , كقصة علي بن الفضل السابقة . طريقة التوزيع ومقدار البذل , يطرح أكثر من سؤال وسؤال محير , لماذا يكون مع المسؤلين , والمتنفذين نصيب الأسد ؟ , ولماذا تُعطى لهم مبالغ طائلة ؟ في حين يُعطى الفقير أو المسكين كيساً من القمح السعيد من وصل إليه والأسعد من حصل عليه بعد ان يصل إليه , ولماذا تغيب أعمال خيرية يتقصدها المحسنون ؟ , أين حلقات التحفيظ ؟ , أين دعم الأنشطة العلمية والفكرية ؟, أين بناء المساجد وأقامة الدورات ؟ , أين دور رعاية الأيتام ؟ , أين أين أين ؟؟؟ . ثم هناك تساؤل آخر , لماذا يتركز كثير من الدعم في بيوت السادة ؟ , قد يقال الأقربون أولى بالمعروف , وحسناً فعل , لكن لماذا يُعطى مؤسرهم أكثر من معسرهم , ولماذا كلما كانت الشخصية أكثر شهرةً كانت أكثر حظاً من الدعم , ولماذا يتنافس الأقرباء في عزة على المائدة بل ويسخطون على راعيها اذا حصل أدنى اختلال , وسمعت بأذني من مقربين من (( الحبيب )) تسخطهم وحنقهم في حين كان الأولى هو المدح والحب ,فهل وراء عزة ما وراءها ؟. ثالثاً من التساؤلات : لماذا كانت التسميات تميل إلى الهوى الإيراني ؟ . كمدرسة (( الحسين )) , ومستشفى (( الزهراء )) , والعمائم السود التي ظهرت في إحدى المناسبات ثم أختفت , علما إن نفس التسميات يملكها حزب الله في لبنان !! . هذه التساؤلات وغيرها الكثير , هل تؤكد حالة التشكك عند كل غيورٍ على وضع اليمن وبيعه أو رهنه إلى قوى خارجية ؟ , وهل سيكون الحبيب هو ابن الفضل الثاني ؟ , وهل سيمهد لظهور مرحلة ثانية من التشيع ؟ , كان هو صاحب المرحلة الأولى ؟ , هل مرحلة الحبيب هي إعادة وضع الهاشميين وترتيبهم من جديد ؟ , لاسيما بعد السنين العجاف التي رافقت الحكم الجمهوري من جهة , والوعي الديني من جهةٍ أخرى . وأخيراً هل الحبيب تاجراً ؟ , فما هذه تصرفات التجار . أم انه محسناً ؟ , فما هذه من مشاريع المحسنين . أم ان وراء عزة ما وراءها ؟ .بقلم : عبدالله بن محمد النهيدي/ كاتب وباحث اسلامي