بعد تردد كبير بين الرد على ما كتب النهيدي بعنوان (وراء عزة ما وراءها) وبين عدم الخوض مع رجل أعمته عصبيته الضيقة وحسده بالإضافة إلى كثرة الضغوط التي مورست عليه بحسب ما جاء في موضوعه ((طلب مني غير مرة الكلام عن قصة (الحبيب باعش) )) ولم يفصح عن الأسماء التي دفعته إلى ذلك وتحفظ عليهم بقوله (لا أريد أن أتورط فيما تورط فيه غيري من ذكر الأسماء)
وهنا كان لزاماً التوضيح وعدم السكوت على دعاة الفرقة والتمزق وإثارة الفتن كما هو دأبهم ونهجهم في استعداء من يخالفهم فكرياً ومذهبياً ، وفي الحقيقة أن النهيدي لم يوفق في تحقيق ما كان يهدف إليه في موضوعه وهو خلق رأي موجة ضد منهج التصوف . وقد فشل النهيدي في ذلك نظراً لعدم موضوعيته وعدم التزامه المصداقية في طرح الموضوع أولاً وثانياً لما يميز المنهج الصوفي عن غيره من إلتزام التوسط والاعتدال وانتهاج الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة واصلاح المجتمع وتربيته على الورع والزهد من خلال الاعتماد على التربية الروحية والأخلاقية والشواهد التاريخية تدل على أن الطريقة الصوفية تمكنت من نشر الإسلام في أصقاع الأرض بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة واستطاعوا بمعاملتهم أن يؤثروا في الملايين من البشر سواءً في آسيا أو أفريقيا وأوروبا في حين أن تيارات أخرى كانت سبباً في استعداء العالم على الإسلام والمسلمين. ولست هنا بصدد الدفاع عن شخص الحبيب صالح الذي يجب أن تنبري كل الأقلام الوطنية النزيهة والشريفة لقول كلمة حق للدفاع عنه نظراً لما يقدمه من أعمال الخير ومساعدة الضعفاء والمساكين وتزويج الشباب وغيرها من أعمال الخير المتعددة التي لايتسع المجال هنا لذكرها . كيف لا وهو الذي تنطبق عليه صفة العالم العامل والزاهد الورع الذي سخر ماله وجهده ووقته لخدمة الدين ومساعدة المساكين وهو الذي يتحلى بمكارم الأخلاق النبوية التي قل أن نجد من يتصف بها اليوم ، ومن مكارم الاخلاق سجية الجود والكرم التي كان يتفاخر بها العرب ويتسابقون عليها وهي سجية حث عليها نبينا الكريم وأكرم عليها وما إحسانه لسفانه بنت حاتم الطائي وأخيها عدي إلا تقديراً لما اتصف به والدهما حاتم الطائي من الجود والكرم وبعيداً عن توضيح وتبيين ما يقدمه الحبيب صالح من صنائع وأفعال الخير التي يعلمها الجميع إلا من أعمى الله قلبه وبصره . إلا أنني هنا سأبين ما وقع فيه الكاتب من سقطات ما كان لمن يصف نفسه بالكاتب والباحث الإسلامي (كما يدعي) أن يقع فيها وهي كالتالي :- أولاً ؛ لم يلتزم أخونا النهيدي بمنهجية البحث العلمي المعتمد على التحقق والتدقيق في جمع المادة موضوع البحث من خلال المعايشة والملامسة الواقعية والحقيقية ولكنه اعتمد على ما نقل إليه من كلام وإشاعات هي بعيدة كل البعد عن الحقيقة وهو يعلم قصة الإشاعة في حادثة الإفك التي مست أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي الله عنها وقد نهانا الإسلام عن تصديق تلك الشائعات مصداقاً لقوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا اجتنوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)) ، كما أنه أقدم على كتابة ذلك الموضوع بناءً على طلب منه وما كان عليه أن يكتب موضوعاً يمس شخصية وطنية وإسلامية بناءً على طلب وجه إليه من أشخاص فضل عدم توريطهم في ذلك . ثانياً ؛ خالف الأخلاق الإسلامية والنبوية التي تحثنا على حسن الظن بالناس وعدم تأويل الأمور بما يوافق الأهواء والمزاجات ، وحسن الظن هنا يتمثل في تصفية النفوس من الهوى ووساوس الشيطان التي تخالجنا دائماً وتصور لنا أن كل عمل يقدمه من نختلف معه على أن وراءه ما وراءه أو أن نستكثر على الله أن يرزق من يشاء بغير حساب . وكان على أخينا وهو وباحث إسلامي أن يتمثل قوله تعالى ((قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير 0 تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب)) وإذا ثبت في قلبه المعنى الحقيقي للآيتين الكريمتين وجب عليه التصديق الإيماني بمدلولاتهما ومن ثم وجب عليه استشعار قوله تعالى ((أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)) صدق الله العظيم . ثالثاً ؛ خبط النهيدي في تحليله لمصادر دخل الحبيب صالح واستند للمرة الثانية على الاشاعات والشكوك فما كان منه إلا أن حشر أمريكا وإيران وجهات صوفية بالإضافة إلى التجارة والسحر وهذا مما وقع فيه من يسمى نفسه باحثاً إسلاميا بعدم التروي في الأحكام ،، ومراقبة الله في كل ما خطه قلمه بهتان وباطل فخبط خبط عشواء وعدد كل ما أملاه عليه خياله الواسع ومع ذلك لم يطرح بالمقابل كل تلك التساؤلات عن مصادر الأموال التي تنفقها بعض المؤسسات الدينية وهي أموال طائلة يأتي جلها من جهات مشبوهة . رابعاً ؛ من واجبات المسلم أن يحث الناس على البذل والعطاء والتعاون وتقديم أعمال الخير للمحتاجين والمعوزين وأن يذكرهم بقوله تعالى((ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فأتت اكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل والله بما تعلمون بصير )) كما ان استشهاده بما ينفقه بعض التجار رغم امتلاكهم للمليارات لايعني أنه لايوجد من الناس من جعلهم الله مفاتيح للخير وجبلوا على الجود والكرم والانفاق بسخاء وهم من استقر في قلوبهم قوله تعالى((مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبله مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم)) صدق الله العظيم .. وكان عليه الاستشهاد بالرجال الذين سلكوا منهج النبوة وأنفقوا بسخاء إقتداءً بسيد الكرماء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أمثال سيدنا أبوبكر وسيدنا عثمان وسيدتنا خديجة وغيرهم من الرجال الذين تحدثت عنهم كتب التاريخ . خامساً ؛ أظهر النهيدي مناصبته العداء لآل رسول الله واستكثر تسمية المدرسة بمدرسة الحسين وكذلك مستشفى الزهراء فهل وصل الأمر بنا إلى الاستهانة ببضعة رسول الله التي قال فيها الرسول الأعظم ((فاطمة بضعة مني من أبغضها فقد أبغضني )) وقد كان باستشهاده هذا يهدف إلى تحقيق غرض هو غاية في البعد عن الأخلاق الإسلامية مسيساً الموضوع وهو بهذا خرج عن منهجية البحث إلى استخدام السياسة لتحقيق مآرب وأهداف متعلقة بالخلافات الفكرية والمذهبية . سادساً ؛ عندما ذكر اسم مدرسة الحسين ومستشفى الزهراء معترضاً التسمية بسيدة نساء العالمين وسيد شباب أهل الجنة إنما ناقض نفسه ليقر أن الحبيب صالح باعش يدعم مدارس تحفيظ القرآن الكريم والأنشطة العلمية والفكري وهو ما نفاه في موضوعه وهذا تناقض واضح وقع فيه "الباحث الإسلامي" . وختاماً نأمل من النهيدي أن يراقب الله في كل ما كتبه وفي كل ما اعتقده وأن يجعل من الشواهد التاريخية البيضاء الناصعة التي سارت عليها الطريقة الصوفية العلوية التي تبني المجتمعات الأخلاقية نبراساً يحتذى به بعيداً عن السياسة والتأويل والتحوير تحقيقاً لأهداف وغايات دنيوية وعصبية مقيتة لتيار فكري لايقبل بالآخر ويتذكر قوله تعالى((وقفوهم إنهم مسئولون)) صدق الله العظيم . والله من وراء القصد . *عميد المعهد العالي للمعلمين