تعتبر اليمن ساحة نابضة بالتيارات والقوى الإسلامية المختلفة، نظرا لميول المجتمع اليمني للتدين وتأثره بكافة الأفكار والحركات العاملة في المشهد الدعوي في العالم العربي والإسلامي عموما. وعند الحديث عن المواقف الإسلامية من ثورة الشباب المطالبة بالتغيير وإسقاط النظام يمكن التركيز على أبرز التيارات الحاضرة في الساحة كما يلي: الإخوان المسلمون.. حلفاء الأمس ثوار اليوم: يمثل الإخوان المسلمون تيارا إسلاميا واسعا ومؤثرا على المشهد العام. وحضورهم في الساحة السياسية ليس بالجديد، فالحركة منذ بواكير نشوئها في اليمن ساهمت بصورة أو بأخرى في الأحداث السياسية، بدءا من الثورة ومرورا بالصراعات السياسية التي شهدها اليمن الشمالي على الصعيد الداخلي أو على جبهة الجنوب في مواجهة المد اليساري الساعي إلى إقامة وحدة يمنية بمنظور اشتراكي. غير أن أبرز محطات الحركة تأثيرا هو عهد الرئيس علي عبدالله صالح، حيث دخلت الحركة -في ظل نظام لا يسمح بالتعدد الحزبي والسياسي- في تحالف غير معلن مع نظام علي عبدالله صالح خلال فترة حكمه. وقد ساعدت الظروف التي تولى فيها صالح الحكم وحاجته إلى السندين القبلي والديني في توطيد دعائم أركان حكمه الحركة في توسيع نشاطها وفرض وجودها على الصعيد الرسمي والشعبي. لكن ومنذ عام 1990م، وعقب تأسيس (التجمع اليمني للإصلاح)، أصبحت الحركة قوة سياسية فاعلة ومؤثرة على المشهد السياسي في اليمن. وقد غيرت مواقفها من السلطة منذ 1990م عدة مرات، فكانت تارة في صف السلطة ترى فيها الشرعية (الإسلامية) و(الديمقراطية)، وتارة في صف الشريك، وأخرى في إطار فك الارتباط. وهذا التحول من التحالف إلى الشراكة إلى التنافس ثمَّ إلى صف المعارضة صيغ خطاب الحركة بالكثير من التناقضات الفكرية والسياسية والشرعية في نظر المراقبين للحركة. إلا أن الحركة ترى هذه المواقف -رغم تباينها- منسجمة مع طبيعة التقلبات والمناورات التي اتبعتها السلطة مع حليفها السابق، بدءا من حالة الاحتضان إلى حالة الرفض والاستعداء، أو كما عبر عنها رمز القيادة السياسية "كرت واستخدمناه"! واليوم، فإن حركة "الإخوان المسلمون" وهي ترى رياح التغيير تهب على المنطقة وأمواج التحرير تحطم سدود الاستبداد والظلم تكتسب المزيد من النشوة والتطلع والعزم لاغتنام الفرصة، خاصة وأنها ترى أن النظام الذي عمد إلى إقصائها وتهميشها ومحاربتها في أضعف مراحله.. وهي التي جربت عام 2006م مدى قناعة الشعب اليمني ببقاء الرئيس صالح أثناء الانتخابات الرئاسية. غير أن الحركة وهي تقتنص هذه الفرصة تدرك يقينا أن الوضع اليمني ليس في أحسن أحواله، وأن ما جرى في تونس ومصر لا يمكن أن يتكرر بتفاصيله للوصول إلى بر الأمان، فهناك قوى انفصالية تتربص بالنظام سقوطا يتيح لها التقدم خطوة نحو مشروعها الداعي إلى فك الارتباط بين الشمال والجنوب؛ وهناك حركة الحوثي ومن يقف وراءها من مناصرين من داخل النظام ذاته، وهي تسعى لفرض هيمنتها كقوة طائفية مذهبية في جزء من المحافظات الشمالية؛ وهناك تنظيم القاعدة الذي يأمل الإعلان عن إمارة إسلامية في بعض محافظات الجنوب عند سقوط النظام وقيام نوع من الفوضى والفلتان الأمني. وفي ضوء ذلك كله فإن الحركة ترى نفسها أمام لحظة تاريخية خطرة، يمكن أن تمثل قفزة متقدمة نحو الأمام، ويمكن أن تمثل انتكاسة كبرى للأوضاع. وعليه فإنها وبالرغم من رفعها لشعار التغيير ونزولها في ساحات التظاهر والاعتصام المطالبة برحيل النظام إلا أنها كانت حتى وقت قريب لا تدفع باتجاه سقوط غير مخطط له بقدر ما كانت تسعى لانتقال سلمي وسلس للسلطة.. فعلي وفوري، دون وجود حالة فوضى وفلتان أمني. إلا أن طبيعة التحالف الذي ارتبطت به الحركة مع قوى المعارضة بمختلف مشاربها الفكرية والمذهبية، والتي تأمل في غالبها بإسقاط النظام عاجلا دون حالة إعداد مسبق، جعل من سيرها في تحقيق ما تريده منفردة أمرا مستحيلا وقد يفقد بقية قوى المعارضة الثقة بها وبمدى ولائها السياسي لهم. لذا فقد جاء نزول كوادر ومنسوبي الحركة إلى الساحات بشكل واسع متأخرا عن حركة الشارع، كما أن نزول رموزها بشكل صريح ينادي برحيل النظام جاء عقب جهود من الوساطة والحوار والاتصال بأكثر من قناة. كما أنها وجدت نفسها عقب أحداث الجمعة الدامية مجبرة على الالتحاق مع بقية أحزاب اللقاء المشترك في خطابهم المطالب بإسقاط النظام. وقد أصبحت الحركة بكافة كوادرها ورموزها ومؤسساتها الإعلامية المكون الأبرز والمحرك الأكثر فاعلية على المشهد. ومؤخرا صرح الرئيس صالح -في حوار مع قناة العربية- بأن "الإخوان المسلمون" هم الذين يقفون وراء ما يجري في الشارع، نظرا لكونه يعرف أن القوى الأخرى من ناصريين وبعثيين واشتراكيين وغيرها ليست بمستوى حجم الحركة وتنظيمها وقدرتها في التأثير والحشد والحركة. السلفيون.. تقديم رجل وتأخير أخرى: التيار السلفي تيار يضم في تكوينه توجهات عدة، من أقصى الولاء للرئيس صالح باعتباره وليا للأمر (وفق الاصطلاح الشرعي)، إلى أقصى الرفض للنظام القائم باعتباره نظاما ديمقراطيا غير إسلامي وفاقدا للشرعية. وهو رغم ذلك بعيد بالكلية عن الميدان السياسي والعملية السياسية نظرا لطبيعة اهتماماته الدعوية والعلمية والتربوية، وللهجوم العنيف الذي يتلقاه من كافة أطراف العمل السياسي والمحاربة المتعمدة تجاهه. لذلك فإن التيار السلفي رغم انتشاره العريض وحضوره الملحوظ في كافة الشرائح الاجتماعية إلا أنه يفتقد إلى الاجتماع المنظم والرؤية الواضحة والمشروع السياسي المرحلي والمتدرج لتحقيق مقاصده؛ كما أنه مقتصر في خطابه الجماهيري على لغة بيان (الحكم الشرعي) وليس (الموقف الشرعي)، لذلك فإن مواقفه غالبا ما تكون متصادمة مع الجو العام وغالية في المثالية المفرطة. وهو في هذه الظروف مشتت المواقف، وغائب عن ميدان الفعل والتأثير، وليس له رؤية مستقلة مصاغة ومعلنة يمكنه تجييش الناس عليها، بل هو في وضع المراقب والمؤيد للآراء والمواقف الصائبة من الأطراف المختلفة.. أي أنه في موقع الحكم، ولكنه الحكم الذي لا يستمع إليه. وعوضا عن دخول هذا التيار في تحالفات تكتيكية مع أطراف إسلامية واجتماعية محافظة وقوى وطنية من أجل الحفاظ على أمن وسلامة البلاد كمكسب ملح خلال الفترة القادمة، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على هوية المجتمع الإسلامية وحرية الدعوة واستقلالها وصيانة مكاسبها، إلا أن التيار السلفي رضي بالمشاركة في الاصطفاف خلف الآخرين.. سواء مع السلطة أو مع الشعب! فهناك من يرى بقاء النظام باعتباره شرعيا ووليا للأمر، وهناك من يرى بقاءه خير من زواله لأن المجهول القادم مخيف، وهناك من يرى أن زواله لن يؤدي إلى وضع أسوأ مما هي عليه الأوضاع مؤخرا. وحاليا هناك جهود واتصالات كثيفة بين القوى الإسلامية التي داهمها الخطب على غير استعداد منها على ترتيب صفوفها واستقراء مسار الأحداث والمواقف التي يجب أن تتخذه في جميع الحالات بما لا يفقدها التزامها الشرعي ومنهجها الدعوي. ويجري الحديث بين الأوساط السلفية المختلفة عن نوايا جادة لتشكيل كيان سلفي إما في صيغة حركة شعبية –كما يقول البعض- أو في صيغة حزب سياسي –كما يصرح آخرون. ويتخوف السلفيون من المستقبل الذي قد تنجر إليه الأمور في ضوء تأزم المواقف وتصعيد الخطاب وغياب أي نية لتقديم تنازلات من الأطراف الفاعلة في الأزمة. ويصرح بعضهم بأن القوى السياسية المطالبة بالتغيير لا تملك رؤية مستقبلية موحدة وإن أجمعت على موقف تكيتكي آني تجاه إسقاط النظام باعتباره المعوق القائم والعدو المشترك. ففي حين توجد مطالب قوية بدولة علمانية تحت شعارات مدنية، هناك قوى الحراك التي لا تخفي نواياها في الإنفصال بشكل سلس عقب سقوط النظام، بالإضافة إلى سعي حركة الحوثي –كما هو على أرض الواقع مؤخرا- لإثبات وجودها كيانا مذهبيا سياسيا مسلحا ومسيطرا على رقعة جغرافية خاصة به. في هذه الأثناء تتطلع بعض القوى السلفية إلى مشروع إسلامي تعلنه حركة الإخوان يمكن الالتفاف حوله ويمثل مخرجا للأزمة وحلا للمشكلات التي تعاني منها اليمن سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. وتأمل أن يكون الخيرين من أبناء الحركة على قدر كاف من الوعي الذي يؤهلها لاحتواء بقية القوى الإسلامية القريبة منها في الحد الممكن من الأهداف المشتركة والمصير المشترك. موقف القاعدة: استخدمت القاعدة في اليمن -وهي الأقل حضورا في الساحة الدعوية- كفزاعة يعتمد عليها النظام في تعامله داخليا وخارجيا، في حين استقل هذا الفصيل -من التيار الإسلامي- بقراره وتحركاته إلى حدِّ الغيبة الكلية لرموزه عن الساحة الاجتماعية، ليكون أشبه بجماعة تعيش في حالة حرب مع مجتمعها. ونظرا لأن للقاعدة ثأرها مع نظام الرئيس صالح، وكان في تفكيرها خلال فترة سابقة السعي لإسقاطه وإقامة إمارة إسلامية في جزء من اليمن، فإنها تجد الفرصة القائمة اليوم سانحة لتحقيق مرادها هذا، وإن كانت لم تصرح بموقف واضح من الأزمة؛ إلا أن تحركات القاعدة في بعض محافظات الجنوب وسعيها لتوسيع حضورها المسلح وتحالفها مع قوى قبلية واجتماعية وإعلانها المسبق للوقوف مع مطالب شعب الجنوب ضد النظام –فيما وصف بأنه غزل تكتيكي- جميعها مؤشرات تصب في رغبة القاعدة في إنشاء كيان خاص بها على بقعة جغرافية من اليمن، لتكون منطلقا لها في حركتها الجهادية. ولأن النظام الحاكم اعتاد أن يوظف كافة الأوراق فإن بعض المصادر تشير إلى أن هناك رسائل ضمنية بُعِثَت إلى القاعدة للتحرك خلال هذه الفترة والحضور علنا.. لكنها رفضت معرفة منها بنتائج عمل دعائي كهذا! غير أن المؤكد هو أن هناك عملية توزيع للسلاح تمت على عناصر من القاعدة من قبل أطراف في النظام بغية الدفع بها للتحرك ميدانيا. وبالتأمل إلى وقائع الأحداث التي نسبت إلى القاعدة أو من يعتقد انتماؤهم لها نجدها واكبت مجريات الثورة الشعبية، وجاءت في سياق انسحاب قوى الجيش والأمن، وفي إطار إبراز ما تشكله القاعدة من خطورة في الجنوب ومواقع النفط –خاصة. ففي 3 فبراير، شنت عناصر مسلحة -يُعتقد انتماؤها للقاعدة- على موقع الراكة الواقع شرق مدينة مأرب، والقريب من حقل صافر النفطي، فأوقعت سبعة جرحى من الجنود جراحُ بعضهم خطيرة، كما تم الاستيلاء على عدد من المعدات العسكرية وطقم عسكري. وفي 26 فبراير، لقي مدير الأمن السياسي بمديرية الشحر مصرعه في ظروف غامضة على أيدي مسلحين مجهولين بمدينة الشحربحضرموت. وعقب هذا الحادث بيومين، لقي جنديان مصرعهما وأصيب ثلاثة آخرون بمحافظة أبين, بعد قيام مسلحين ملثمين بمهاجمة نقطة أمنية أمام البنك المركزي والصالة الرياضية بمدينة زنجبار. وفي حين لقي أحد الجنود مصرعه على الفور, لقي الآخر مصرعه -وهو سائق للطقم- عندما محاولته القيام بإسعاف زملائه المصابين، بعد أن تعرض الطقم لهجوم مسلح آخر. ونفذ الهجوم من خلال إلقاء قنبلة يدوية على الجنود وهم نائمون. في 6 مارس، قتل ضابطان برتبة عقيد يعملان بالأمن السياسي على يد مسلحين -يُعتقد انتماؤهم للقاعدة- بمحافظتي حضرموتوأبين. كما قتل أربعة جنود بينهم ضابط من أفراد الحرس الجمهوري، وجرح آخرون، في هجوم شنه عناصر -يُعتقد انتماؤهم للقاعدة- في منطقة القرون بمحافظة مأرب. ونجا ضابط في الأمن السياسي بمحافظة أبين -في 8 مارس- من محاولة اغتيال عندما أطلق عليه مسلحان النار وهما يستقلان دراجة نارية، لكنه أصيب في قدميه وأسعف إثر ذلك للمستشفى. وقد تمكن المنفذون من الفرار في حين تتهم مصادر محلية تنظيم القاعدة بالعملية نظرا لكون الضابط المشار إليه كان ضمن قائمة أعلنتها القاعدة كمستهدفين لها ما لم يعلنوا توبتهم أمام الملأ في الجامع الرئيس بالمدينة، وتخليهم التام عن النظام الفاسد في صنعاء –حسبما ورد في القائمة. وفي 17 مارس، قتل 3 جنود وثلاثة أشخاص -يُعتقد انتماؤهم للقاعدة- بعد أن هاجموا نقطة عسكرية في مديرية الوادي بمحافظة مأرب. في حين قال مصدر مسئول بوزارة الداخلية أن أجهزة الأمن ألقت القبض في محافظة تعز على القيادي والمسئول الإعلامي لتنظيم القاعدة خالد سعيد باطرفي مع شخص آخر من التنظيم وهما في طريقهما إلى ساحة الاعتصام بمنطقة صافر مدينة تعز؛ مضيفا بأنه جرى ضبط مواد لزجة وإرشادات لصنع المتفجرات وجهاز كمبيوتر وقنبلة وسلاح آلي وعدة شرائح بحوزتهم. وأوضح المصدر أن باطرفي يعتبر واحدا من أخطر قيادات تنظيم القاعدة ويتولى إلى جانب مسؤوليته الإعلامية في التنظيم مسؤولية قيادة الجناح العسكري في التنظيم بمحافظتي أبين والبيضاء, فضلا عن كونه مسئول عن عدة عمليات إرهابية نفذها التنظيم في محافظتي حضرموتوأبين ومحافظات أخرى خلال الفترة الماضية –حسب تعبيره. في 22 مارس، كشف مصدر مسئول لقناة "سي إن إن"، أن قوات الجيش تمكنت من صد هجوم شنه مسلحون -يُعتقد أنهم ينتمون للقاعدة- على إحدى القواعد العسكرية، مما أسفر عن مقتل 12 مسلحاً على الأقل، وإصابة نحو خمسة آخرين. في 26 مارس، لقي سبعة عناصر من تنظيم القاعدة مصرعهم في محافظة أبين خلال هجوم نفذه التنظيم على نقطة أمنية بمديرية لودر. كما قام مسلحون ملثمون باقتحام مقري الأمن السياسي والشرطة بمدينة جعار، واستولوا على كافة المعدات الموجودة فيهما. وذكرت مصادر محلية بأن الملثمين انتشروا بعد ذلك بأعداد كبيرة على مداخل المدينة وفي شوارعها العامة، وقاموا بإلقاء منشورات مذيله باسم (إخوانكم المجاهدين)، يدعون فيها الجنود إلى الاستسلام وعدم القتال مع -من أسموه- ب"الطاغية" -علي عبدالله صالح. وأفادت الأنباء عن انتشار لقوى مسلحة –توصف بالجهادية- في المحافظة في الآونة الأخيرة، في ظل غياب كامل لقوى الجيش والأمن عن الساحة. هذه الأحداث وأحداث أخرى ارتكبها مجهولون في محافظات جنوبية بالإضافة إلى محافظتي مأرب وصعدة استغلت إعلاميا للإشارة والتلميح إلى مدى الفلتان الأمني الذي قد تنجر إليه البلاد في حال زوال النظام. فقد اتهمت عناصر مسلحة قامت باختطاف عقيد ركن جنوبي وأركان حرب عمليات اللواء 133 المرابط بمحافظة صعدة –في 22 فبراير بانتمائها للقاعدة، في إطار إعلان مسبق للتنظيم -مطلع الشهر- عن تنفيذ حكم الإعدام في حق نائب مدير الأمن السياسي بصعدة الذي سبق أن خطف في أغسطس العام الماضي. كما هاجم مسلحون -في 23 فبراير- مبنى الأمن في مديرية لبعوس بيافع بمحافظة لحج, ما أدى إلى سقوط سبعة جرحى من عناصر الأمن والمسلحين. وتقول إحدى الروايات: إن المسلحين.. فور دخولهم مبنى الأمن أبلغوا الجنود أنهم لا يريدونهم وأن هدفهم هو قوات الأمن المركزي, ليشتبك المسلحون مع قوات من الأمن المركزي عندما رفضوا تسليم أنفسهم للمسلحين. وأسفرت عملية الهجوم التي استمرت لمدة ساعتين عن سقوط 7 جرحى, منهم 4 من المسلحين, واختطاف قائد أركان حرب المنطقة. وقال قائد المسلحين المنفذين للاقتحام: إنهم يطالبون بإخراج قوات الأمن المركزي من يافع، لأنه لا داعي لوجودها في مناطق مثل يافع -حد تعبيره. كما لقي قيادي إصلاحي مصرعه في محافظة شبوة برصاص مسلحين مجهولين في 7 مارس. وذكرت مصادر محلية أن القيادي الإصلاحي (عمر المعلم) قتل بمكتبه الخاص بعد اقتحام مسلحين مكتبه ومباشرتهم إياه بإطلاق الرصاص، لأسباب غير معلومة، ثمَّ لاذوا بالفرار! كما تمكن مسلحون مجهولون من الهجوم على قوة أمنية تابعة لشرطة النجدة، في 11 مارس في منطقة الهجرين بدوعن –حضرموت. وأدى الهجوم إلى مقتل أربعة من الجنود، في حين تمكن المسلحون من الفرار. وهذا الأعمال –أيا كان من يقف وراءها- خدمت دعاية النظام الحاكم؛ حيث اتهم الرئيس صالح -في 20 مارس، خلال لقائه بسفراء دول الاتحاد الأوربي بصنعاء- أحزاب اللقاء المشترك والحوثيين وتنظيم القاعدة بالدعوة إلى تجزئة اليمن وتمزيق الوحدة الوطنية. كما جدد الرئيس صالح -في 25 مارس- استعداده للرحيل عن السلطة شريطة تسليمها ل"أياد أمينة"، متهما -في كلمة أمام الآلاف من مؤيديه بميدان السبعين فيما أطلق عليها بجمعة التسامح- الحوثيين والمعارضة والقاعدة برغبتهم في الفتنة وتمزيق اليمن. عقب أيام من هذه الاتهامات، كشفت مصادر محلية في محافظة أبين عن سقوط مبان حكومية في المحافظة بأيدي عناصر منتمية للقاعدة، بما فيها دار الرئاسة وإذاعة أبين. وكانت قيادات في الحزب الحاكم ممثلة بأمين عام المجلس المحلي في مديرية المحفد اقتحمت المجمع الحكومي ونهبت ممتلكاته بعد يوم واحد من انسحاب قوات الأمن المركزي من المديرية، فيما تصدى المواطنون لعمليات نهب مماثلة في مودية. فيما أعلن من وصفوا أنفسهم بالمجاهدين سيطرتهم على مديرية جعار بأبين. وسبق للواء علي محسن الأحمر -قائد المنطقة الشمالية الغربية- أن قال، في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية ونشرته صحيفة القدس العربي -في 27 مارس: إنه "يصعب الوثوق بالرئيس صالح", مؤكدا أن الرئيس ذاته من "أسهم بشكل كبير في وجود الإرهاب في اليمن"، وأنه "لعب بالنار كتكتيك". وأضاف الأحمر: بأنه لا يتوقع أن تكسب القاعدة "أرضا جديدة"، لكنه تخوف من استخدام الرئيس لها كورقة من الأوراق التي يحاول التلويح واللعب بها في حال إصراره على جر اليمن إلى مشاكل وتمسكه بالسلطة باستخدام القوة ضد أبناء شعبه. وهذا التصريح أكده في 28 مارس، مصدر قبلي بمأرب، حيث كشف عن مخطط إجرامي يسعى الرئيس صالح ونجله وأبناء شقيقه لتنفيذه في محافظات (مأرب, وأبين, والجوف, وشبوة, وصنعاء), عبر تجنيد مرتزقة يستهدفون تجمعات ونقاطاً عسكرية وأمنية. وذكر المصدر القبلي -لموقع ثورة الشباب- أنه التقى مسئولاً أمنياً عرض عليه مبالغ مالية كبيرة وسلاحاً نارياً وقنابل ومتفجرات, مؤكداً له أن من سينفذ تلك العمليات بنجاح ويوجه ضربات موجعة للعسكريين ورجال وأجهزة الأمن سيكافأ كذلك بالسيارة التي سينفذ بها العملية. وأشار المصدر إلى أن أجهزة أمنية عملت خلال الأيام الماضية على شراء عدد كبير من السيارات من نوع (شاص- حوض)، ودفعت مقابلها مبالغ باهظة تفوق قيمتها الأصلية بهدف استخدامها في العمليات المخطط لها. وأشار المصدر الذي رفض عرضا بالمشاركة إلى أن أجهزة السلطة ووسائل إعلامية ستتكفل بالترويج لمن يقوم بتنفيذ تلك الجرائم ضد المؤسسات والنقاط الأمنية والعسكرية على أنهم عناصر تنتمي لتنظيم القاعدة في محاولة لتهويل خطر التنظيم إذا سقط نظام صالح. وبحسب المصدر القبلي فإن عدداً من الحوادث والجرائم التي استهدفت منتسبي الأمن والجيش في محافظتي مأربوأبين أو الحوادث التي تم الإعلان رسمياً عنها وأسفرت عن قتل مطلوبين من تنظيم القاعدة, ليست سوى أكاذيب أو لا علاقة لما يوصف بتنظيم القاعدة بها لا من قريب و لا من بعيد. وهذا ما يفسر الأحداث التي وقعت في عدن حيث قتل جندي وأصيب أربعة آخرون إثر انفجار قنبلة زرعها مجهولون داخل طقم عسكري تابع للجيش -في 24 مارس- بخور مكسر؛ وفي مأرب حيث لقي سبعة جنود مصرعهم بينهم ضابطين، وأصيب سبعة آخرون إصابة بعضهم خطيرة، أثناء هجوم نفذه مسلحون مجهولون على نقطتهم العسكرية -في 27 مارس- بقنابل يدوية. علما بأن النقطة العسكرية تبعد –وفقا للمصادر- عن المجمع الحكومي بمحافظة مأرب بكيلومتر ونصف، وعقب الهجوم استولى المهاجمون على عربتين مدرعة وطقم عسكري, كما قاموا بقصف على منازل آل شبوان، والذين يطالبون الدولة بتسليم غرمائهم في مقتل الشيخ جابر الشبواني –وكيل المحافظة- بقصف جوي. كما أحبطت لجنة شعبية بمنطقة شحير بحضرموت هجوما كان يستهدف عاملين أجانب في ميناء التصدير النفطي في الضبة بحضرموت -في 29 مارس. وكان أربعة أشخاص يستقلون سيارة تحمل رقما عسكريا يقومون بمحاولة لزرع لغم أرضي عندما داهمهم رجال اللجنة الشعبية؛ وفي حين فرَّ ثلاثة من مدبري العملية قبض على الرابع منهم. هيئة علماء اليمن.. وشرعية الثورة: عدا التيارات الإسلامية التي تمَّ الإشارة إليها سابقا، كان لهيئة علماء اليمن –غير الرسمية- دور في الأحداث التي تشهدها اليمن. فعلى خلاف جميعة علماء اليمن –الرسمية- التي كانت غائبة عن المشهد حتى استنهضها النظام لتفتي بأن المظاهرات والاعتصامات "فتنة" و"خروج على ولي الأمر"، وينبغي تجنبها، كانت الهيئة المشكلة من رموز علمية على مستوى اليمن والقوى الإسلامية حاضرة منذ بداية الحراك الجماهيري ومتابعة لأبعاد القضية. ففي 21 فبراير، صدر عن هيئة علماء اليمن، التي يرأسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني، بيان جاء فيه –عقب الإشادة بثورتي تونس ومصر- الدعوة ضمنيا إلى "تحقيق ما تطمح إليه الشعوب من إصلاح للأوضاع، وإقامة للعدل، ورفض للظلم والاستبداد، وإرجاع الحقوق إلى أهلها، دون حصول تلك الأحداث المريرة والمؤلمة التي صاحبت الثورتين –التونسية والمصرية". وحث بيان العلماء جميع الأطراف للتمسك بالكتاب والسنة والاحتكام إليهما، و"جمع كلمة أبناء اليمن، وتوحيد صفوفهم، والحفاظ على أمن البلاد واستقرارها، وترك كل ما يؤدي إلى إحداث الفرقة والنزاع، وإثارة الفتنة، وإيقاع العداوة والبغضاء، وإثارة النعرات الجاهلية، والعصبيات الطائفية والمناطقية، مذكرين بأن اليمن شعب واحد". كما تضمن البيان دعوة جميع أبناء اليمن لعقد مؤتمر وطني جامع لتدارس أوضاع اليمن الحاضرة، والاتفاق على الحلول، والتوافق على تشكيل حكومة إجماع وطني مؤقتة من أهل الكفاءات، تقوم بالإشراف على تمكين الشعب من اختيار نوابه وحكامه برضاه، وفي أجواء حرة ونزيهة وآمنة. وأكد العلماء على: "أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعية واجب شرعي، سواءً مورس بطريقة فردية أو جماعية"، وأن "على الدولة أن تقوم بواجبها في حماية هذا الحق وضمان ممارسته، ولا يجوز لها أن تمنع أحداً من ممارسة هذا الحق فضلاً عن الاعتداء عليه أو اعتقاله". كما قدم البيان دعوة بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة تتمثل في "سحب وإلغاء جميع الإجراءات الانفرادية التي أدت إلى تأزيم الأوضاع" بين السلطة والمعارضة بشكل أخص، و"إقالة كل الفاسدين والعابثين بمقدرات الأمة ومحاسبة من ثبت قضاءً في حقهم وفق أحكام الشريعة الإسلامية"، و"تشكيل لجنة متفق عليها من العلماء والقضاة المشهود لهم بالنزاهة والصلاح يستعينون بمن يرونه من الخبراء والمختصين للبت في قضايا النزاع بين جميع الأطراف". ونبه البيان إلى أن هيئة علماء اليمن ستظل منعقدة لمتابعة تطورات الأحداث على الساحة اليمنية بشكل دائم. وفي مؤتمر صحفي دعا الشيخ الزنداني –رئيس الهيئة- الحكام بتحويل المطالب إلى برامج عملية وقرارات منفذة ومزمنة، لأن الشعوب قد وصل بها اليأس حتى أفقدها الثقة بحكامها؛ مؤكداً أن دور الجيوش حماية حدود الدولة وحفظ أمن البلاد والعباد والدفاع عن هذه الشعوب، لا أن تتحول إلى سياط لضرب الشعوب وضرب الأبناء والأصحاب –حسب تعبيره. وفي ضوء بيان الهيئة السابق جرى الإعلان عن تشكيل لجنة من العلماء والقضاة مكونة من قرابة 20 شخصية لمتابعة البيان، وكذا زيارة كافة الإطراف السياسية في اليمن للخروج بحلول للأزمة الحالية. وعلى إثر ذلك كانت الهيئة جزءا من مشروع للوساطة وإصلاح الأمور، مع اشتراك عدد من مشائخ قبائل اليمن وفي مقدمتهم الشيخ صادق بن عبدالله بن حسين الأحمر. في 28 فبراير، قال رئيس هيئة علماء اليمن الشيخ عبدالمجيد الزنداني: إن العلماء قادوا وساطة تتضمن مبادرة لحل الأزمة التي تعيشها اليمن، وجرى تسليمها إلى الطرفين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك؛ مشيرا إلى أن أحزاب اللقاء المشترك طلبت مهلة لدراستها. وفي الأول من مارس، أكد الشيخ الزنداني على مشروعية اعتصامات الشباب وثورتهم السلمية، وقال أثناء زيارته المعتصمين في ساحة التغيير: "بإمكان الشعوب أن تغير وتأخذ حقها في ثورات سلمية, ونحن سائرون في طريق الثورة السلمية إن شاء الله، وهذه صورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"؛ واختتم حديثه بأن هيئة علماء المسلمين كانت في مقدمة المطالبين بتشكيل لجنة تحقيق في جرائم القتل التي ارتكبت في حق أبناء اليمن. وفي إطار المشاورات التي تمت بين الأطراف جرى تقديم مبادرة من خمس نقاط دعت إليها أحزاب اللقاء المشترك إلى الرئيس صالح الذي أبدى موافقة مبدئية عليها، ثمَّ ما لبث -وهو الذي سعى جاهدا لإقناع العلماء برفع المعتصمين والمتظاهرين من الساحات- أن تراجع عنه. فقد صرح –في الخامس من مارس- مصدر مسئول في مكتب رئاسة الجمهورية بأن النقاط الخمس المقدمة من أحزاب اللقاء المشترك عبر عدد من الوسطاء من أعضاء التجمع اليمني للإصلاح وآخرين –في إشارة للجنة العلماء والمشائخ التي سعت في الوساطة- اكتنفها الغموض والالتباس. وأعلن المصدر -طبقا لما نقلته وكالة سبأ- "رفضه للتفسيرات المقدمة للنقطة الرابعة من قبل قيادات أحزاب اللقاء المشترك فيما أصدروه من تصريحات متناقضة ومخالفة للدستور ولإرادة الشعب المعبر عنها في صناديق الاقتراع". وأوضح المصدر أن تلك النقطة تنص على: "وضع برنامج زمني لتنفيذ الخطوات الضرورية في إطار فترة انتقالية لتنفيذ ذلك بحيث لا يتعدى نهاية هذا العام بناء على مبادرة يقدمها الرئيس بذلك", وأن هذه النقطة تتناقض تماما مع ما ورد قبلها في النقطة الثالثة التي تنص على انتقال سلمي وسلس للسلطة بالاستناد على ما التزم به الرئيس بخصوص عدم التمديد وعدم التوريث وعدم ترشيح نفسه في الانتخابات القادمة. وقال المصدر: "إن تلك التفسيرات المتعسفة تمثل عملية انقلابية مكشوفة على الديمقراطية والشرعية الدستورية"، وأضاف: "أن الانتقال السلمي والسلس للسلطة لا يتم عبر الفوضى وإنما عبر الاحتكام لإرادة الشعب المعبر عنها من خلال الانتخابات". فظهر للمراقبين بأن الرئيس صالح بقبول المبادرات ومساعي الصلح أراد تحقيق أمرين: - تهدئة المعارضة وتطمين المعتصمين بوجود مساع للحل وعليه إقناعهم بترك الاعتصامات والتظاهر والاستنفار الجماهيري. - كسب مزيد من الوقت لترتيب أوراقه وإدارة معركة إعلامية تتهم القوى المعارضة بإفشال كافة مساعي الحل. في 8 مارس، صدر بيان عن لجنة العلماء والمشائخ الساعين في الوساطة بين الرئيس واللقاء المشترك وشركائه أوضح بأن اللجنة تدارست الأوضاع، وشكلت لجنة مصغرة تضم سبعة من العلماء وسبعة من المشائخ للقيام بالتواصل مع رئيس الجمهورية وأحزاب اللقاء المشترك وشركائه، وأنها بعد عرض الإثنى عشرة نقطة التي تضمنها بيان هيئة علماء اليمن في المؤتمر الذي عقدته بجامع المشهد -في وقت سابق- على رئيس الجمهورية تمَّ الاتفاق معه على نقاط سبع، واقترح الرئيس النقطة الثامنة منها التي بيّن العلماء عدم موافقتهم على هذه النقطة، وهذه النقاط كالتالي: 1- سحب قانون الانتخابات والاستفتاء وإعادته إلى مجلس النواب لإقراره بالتوافق. 2- سحب مشروع التعديلات الدستورية المنظورة حاليا أمام مجلس النواب، وتشكيل لجنة وطنية لإجراء التعديلات الدستورية بالتوافق. 3- تشكيل حكومة وحدة وطنية بالتوافق. 4- إحالة الفاسدين إلى القضاء وسرعة البت في قضايا الفساد المنظورة أمام القضاء. 5- إطلاق أي سجين ممن لم تثبت إدانته ولم يكن له قضايا منظورة أمام القضاء. 6- يتم اختيار خمسة قضاة يقوم كل طرف باختيار اثنين منهم، والخامس يتم اختياره من لجنة العلماء المرجعية أو بالتوافق بين القضاة الأربعة، وذلك للفصل في النزاع القائم بين أطراف العمل السياسي. 7- إيقاف الحملات الإعلامية والمهاترات والتحريض، وذلك بما يهيئ لإنجاح الحوار الوطني. 8- إيقاف المظاهرات والاعتصامات وبما يكفل إزالة أعمال الفوضى والتخريب والاحتقان في الشارع ومن كل الأطراف. (وهي النقطة التي أصر عليها الرئيس). وأضاف البيان بأن اللجنة قامت بالالتقاء بأحزاب اللقاء المشترك وشركائه وتسليمهم النقاط المذكورة، وأن اللقاء المشترك أفاد بعد تدارس بأن النقاط السبع واجبات دستورية تحتاج إلى اتخاذ خطوات إجرائية من الأخ الرئيس وليست موضوع خلاف، وأنه جرى بعد نقاش مستفيض الخروج بالاتفاق مع اللجنة على النقاط التالية كمفاتيح للحل: 1- ضمان حرية التظاهر والاعتصام لجميع أبناء اليمن بالأسلوب السلمي. 2- يطالب الجميع بتشكيل لجنة للتحقيق في الاعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون في المدن اليمنية ومحاسبة المسئولين عنها وتقديمهم للمحاكمة، وتعويض أسر الشهداء ومعالجة الجرحى على نفقة الدولة حتى الشفاء. 3- انتقال سلمي وسلس للسلطة بالاستناد على ما التزم به الرئيس بخصوص عدم التوريث أو التمديد، وعدم ترشيح نفسه في الانتخابات القادمة. 4- وضع برنامج زمني لتنفيذ الخطوات الضرورية في إطار فترة انتقالية لتنفيذ ذلك، بحيث لا تتعدى نهاية هذا العام بناء على مبادرة يقدمها الرئيس بذلك. 5- يتم التواصل مع جميع القوى وأطراف العملية السياسية في الداخل والخارج بدون استثناء لاستكمال النقاش حول هذه المبادرة. وأنَّ لجنة العلماء والمشايخ قامت بمقابلة الرئيس وعرض تلك النقاط عليه واحدة تلو الأخرى، والذي أبدى موافقته عليها طالبا تحديد الجهة المتحاور معها لوضع البرنامج الزمني للنقطة الرابعة المتضمنة انتقال السلطة بشكل سلس وسلمي على أن يقوم الرئيس بوضع برنامج زمني لتنفيذ الخطوات الضرورية لذلك في فترة انتقالية لا تتعدى نهاية هذا العام 2011م. وأضاف البيان بأنه تم التواصل باللقاء المشترك بعد ذلك، وبيان موافقة الرئيس وطلبه تحديد الجهة المتحاور معها لوضع البرنامج الزمني، فكان الرد منهم أن الرئيس أولى وأقدر على القيام بذلك ومعه من المستشارين والقانونيين وأهل الخبرة من يعينه؛ وأن لجنة العلماء والمشايخ عادت للالتقاء برئيس الجمهورية الذي أبدى اعتراضه على الفترة الزمنية المتعلقة بالانتقال السلمي والسلس للسلطة بنهاية 2011م متمسكا بفترته الدستورية إلى 2013م. وأضاف البيان بأنه وبعد هذه اللقاءات والجهود لا زال علماء ومشايخ اليمن يواصلون جهودهم ومساعيهم للوصول إلى ما فيه مصلحة البلاد والعباد وإخماد نار الفتنة؛ داعين رئيس الجمهورية وجميع الأطراف والقوى بسرعة التوافق على حلول للخروج بالبلاد من الظروف الصعبة والمأزق الخطير الذي تمر به، منبهين بأن الحلول المتاحة والمتيسرة اليوم قد لا تكون متاحة ولا متيسرة غدا عند تدهور الأوضاع لا قدر الله تعالى. واستنكر البيان البيانات والتصريحات التي تصدر من بعض الجهات ولا تلتزم بالحقيقة كاملة ولا تصب في مصلحة البلاد؛ في إشارة لعملية البتر التي قام بها الإعلام الرسمي لكلمة الشيخ الزنداني في حشد من منسوبي جمعية علماء اليمن التي انعقدت بطلب من الرئيس في جامع الصالح. وقد استنكر الشيخ الزنداني -في 6 مارس- قيام الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام وبعض وسائل الإعلام الرسمية بالتلبيس على الرأي العام والزعم بأنه قد تقدم بمبادرة مكونة من ثمان نقاط لحل الأزمة السياسية في البلاد, بينما الحقيقة أنه وأصحاب الفضيلة العلماء قد اتفقوا مع رئيس الجمهورية على سبع نقاط تقدم للأخوة في اللقاء المشترك كتصور لحل الأزمة الراهنة، وأن رئيس الجمهورية أضاف للنقاط السبع نقطة ثامنة تقضي بإيقاف المظاهرات والاعتصامات، وقد أوضحوا حينها للرئيس بأن المظاهرات والاعتصامات حق دستوري للمواطنين وأنه لا يمكن الموافقة على منع ذلك الحق, إلا أن رئيس الجمهورية أصر على أن تكتب هذه النقطة باعتبارها مطلبا خاصا به, ثم قام العلماء وبالاشتراك مع وفد من مشائخ اليمن يرأسهم الشيخ صادق بن عبدالله بن حسين الأحمر بنقل ما ورد في هذه النقاط إلى اللقاء المشترك، وبعد أخذ ورد مع اللقاء المشترك قاموا بتقديم رد يحتوي على خمس نقاط, وقد نقلها أصحاب الفضيلة العلماء والمشائخ لرئيس الجمهورية. وقد جرى حشد جمعية علماء اليمن في الوقت الذي ظهر للنظام حيادية هيئة العلماء ودفاعها عن حقوق وحرية المعتصمين وشرعية مطالب الشعب. ودعا اجتماع الجمعية -الذي أعطي طابعا علمائيا واسعا- أطياف العمل السياسي إلى: "أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يعملوا من أجل تحقيق التقارب والتفاهم، وبما يجنب الوطن الفتنة والاقتتال". وقد دعا الرئيس –في كلمته للاجتماع- العلماء لقول كلمة الحق والشهادة للمخطئ بخطئه وللمحسن بإحسانه، كما أشار إلى أنه دعا المعارضة إلى طاولة الحوار لتحكيم "شرع الله"، باعتبار أن "كتاب الله وسنة رسوله هما المرجعية"، واتهم المعارضة بالتهرب نظرا لإضمارها "شرا" بالوطن. وتحدى الرئيس صالح المعارضة بأن تحكم اليمن لأسبوع واحد بلغة فيها نوع من التهديد والتحذير من الانقسام والتشطير؛ في حين ربط بين أحزاب اللقاء المشترك والقاعدة؛ ووجه خطابه للحضور قائلا: "نحملكم يا علماء كامل المسؤولية أمام الله وأمام هذا الوطن، ما رأيتموه سنقول لكم سمعا وطاعة، وعليكم أن تراجعوا الطرف الآخر". وأكد المشاركون من جمعية علماء اليمن –في بيانهم- موافقتهم على النقاط الثمان، معتبرين الخارج عنها داعيا "للفتنة". وهذا الموقف الذي مثل الإرادة السياسية التي رغبت في توظيف الخطاب الديني في ثني الشارع عن مطالبه دفع الشيخ الزنداني -في 9 مارس لتحميل الرئيس مسئولية الفتوى الصادرة عن الاجتماع، والتي تهيئ ضمنا لقمع المتظاهرين بوصفهم مثيرين للفتن. وفي 19 مارس، وعقب ارتكاب النظام لمجزرة رهيبة راح ضحيتها أكثر من خمسين قتيل وعشرات المصابين عقب صلاة الجمعة في ساحة التغيير بصنعاء، صدر بيان عن علماء ومشائخ اليمن عبروا فيه عن دخول الأزمة بعد أحداث الجمعة وضعا خطيرا، ومنعطفا تاريخيا مهما، ومنزلقا مخيفا، بدفع عن إرادة وتصميم لكي تصل إلى حد الاقتتال الداخلي بين أبناء اليمن، مؤكدين "إدانتهم الشديدة للمجزرة الجماعية التي تم ارتكابها"، ضد "المعتصمين سلميا"، مستنكرين في ذات الوقت أعذار السلطة التي وصفوها ب"الواهية". وأدان المشائخ والعلماء "كل من تعاون، وكل من فتح بيته لدخول القتلة"، واعتبروه "مشاركاً في الجريمة"، محملين المسئولية الكاملة للسلطة ممثلة برئيس الدولة؛ كما أبدوا رفضهم إعلان حالة الطوارئ في البلاد لعدم وجود قانون منظم، ولخطورة أن يقوم طرف سياسي منفرد في مجلس النواب بإعداد مشروع قانون يلبي طلباته ويقمع الحريات التي كفلها الدستور والقانون ويشعل الفتن بين أبناء الشعب اليمني. وفيما تبرأ مشائخ وعلماء اليمن من كل من شارك في جرائم الاعتداء على المعتصمين، طالبوا بتسليمهم للعدالة ومحاسبة مسئولي الأجهزة الأمنية في أمانة العاصمة لتقصيرها؛ منبهين إلى أن الرئيس بيده إغلاق أبواب الفتنة بالاستجابة لمطالب الشعب. وطالبوا في بيانهم وحدات الجيش والأمن بعدم تنفيذ أي أوامر تصدر لهم من أي كان للقتل والقمع، وتحييد مؤسستي القوات المسلحة والأمن عن الصراع السياسي. كما دعوا إلى حل جهاز الأمن القومي الذي لم ينل اليمن واليمنيين منه منذ تأسيسه إلا الأذى والإرهاب والمطالبة بتقديم قياداته وأفراده للمحاكمة، وإلى إخراج وحدات الحرس الجمهوري وألويته من العاصمة صنعاء لعدم وجود مبرر لوجود كل هذه القوات داخل العاصمة وإنهاء الازدواجية داخل مؤسسة الجيش. إلى جانب ذلك -وفي 21 مارس- ندد الشيخ الدكتور محمد بن موسى العامري -نائب رئيس هيئة علماء اليمن- بالمجازر البشعة التي تُرتكب بحق المعتصمين، واصفاً ما جرى يوم الجمعة الدامية بالجريمة النكراء التي تهتز لها الجبال، داعيا لمحاكمة مرتكبيها. وفي اليوم التالي وبعد التحاق عدد كبير من قيادات الجيش ورموز القبائل وقيادات في الحزب الحاكم للثورة دعا رئيس هيئة علماء اليمن الشيخ عبدالمجيد الزنداني الرئيس صالح إلى إنهاء ما وصفها ب"المهزلة" والتنحي نزولا عند مطلب الشعب عن السلطة؛ مناشدا القوات المسلحة لاتخاذ الموقف الصحيح مع شعبهم. هذه الأدوار التي قامت بها هيئة علماء اليمن لم تكن الوحيدة على الساحة فقد كانت هناك مجالس علمية أخرى مشاركة في التوجيه والإرشاد. فقد أصدر عدد من علماء حضرموتوعدن -في 18 فبراير- بيانا أكدوا فيه "حق الأمة في الاحتساب والإنكار على حكامها"، و"حقها في المطالبة بالتغيير والإصلاح بالوسائل السلمية المنضبطة"، ودعوا فيه "الفعاليات الشبابية وجموع المتظاهرين لعدم الانزلاق إلى الاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة، أو استخدام أي شكل من أشكال العنف المسلح، والالتزام بالخيار السلمي حتى تتحقق مطالبهم المشروعة والعادلة"، كما دعوا "الجنود والضباط من أبناء القوات المسلحة والأمن، وكافة منتسبي الجهاز الأمني للدولة، إلى عدم استخدام الرصاص الحي أو أدوات القمع في تفريق المظاهرات والاعتصامات". وفي ختام البيان دعا العلماء الموقعون على البيان الدولة للقيام بمبادرة "جادة نحو التغيير الحقيقي والفوري -قبل فوات الأوان؛ وذلك على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية بما يلبي تطلّع الأمة اليمنية واحتياجاتها، وفق ثوابت دينها الإسلامي الحنيف". وفي 12 مارس، استنكر مجلس علماء أهل السنة والجماعة بحضرموت مقتل أحد الطلاب بمدينة المكلا باعتبارها جريمة نكراء، مؤكداً أنها تستوجب محاكمة مرتكبها ومن له علاقة بالجريمة بما يقتضيه الشرع. كما استنكر المجلس -في بيان له- الاعتداء على المعتصمين سلميا في ساحة التغيير بصنعاء، وكذلك ما حدث من تعدٍّ على المتظاهرين سلمياً في عدنوتعز وفي كل المدن اليمنية؛ مؤكدا ما جاء في بيان هيئة علماء اليمن، وأنه لا يجوز بحالٍ المساس بالمتظاهرين والمعتصمين؛ ومشددا على أن للطلاب الحق في التعبير عما في أنفسهم، والمطالبة بحقوقهم بالتظاهر والاعتصام السلمي. وأوصى المجلس من وصفهم بالعقلاء والمخلصين لهذا البلد بأن يسعوا لتلافي الأمور وتداركها والعمل على إيجاد المخارج الصحيحة والكفيلة بمنع التدهور والانسياق نحو الفوضى التي إن حصلت أهلكت الحرث والنسل وأكلت الأخضر واليابس –حسب تعبيره. من ناحية أخرى، دعا –في 13 مارس- عدد من علماء ورموز المذهب الزيدي, يتقدمهم نائب مفتي الجمهورية وأعضاء في دار الإفتاء, إلى إسقاط النظام الفاسد والظالم -حسب وصفهم؛ معتبرين أن الاعتداء والقتل على المعتصمين سلمياً إثمٌ وجريمة، ومطالبين منسوبي الجيش والأمن بحماية المعتصمين بل والانضمام إليهم. وقد وقع على البيان 20 مرجعية في مقدمتهم العلامة محمد بن محمد المنصور والعلامة حمود بن عباس المؤيد، وشخصيات محسوبة على التيار الحوثي منهم: محمد بن أحمد مفتاح، ومرتضى بن زيد المحطوري، ويحيى الديلمي.. وغيرهم. وهي فتاوى من مرجعيات لها مكانتها في أتباع المذهب الزيدي وحركة الحوثي ما يعني –حسب المراقبين- انكشاف النظام مذهبيا كما انكشف سياسيا وشعبيا!