هل يكفي أن تلتقي مجموعة من الأحزاب في إطار ما لتتحدث باسم جموع الشعب دون أن تخوّل من كل الشعب أولاً، ودون أن تراجع برامجها ثانياً؟!. شيء جميل أن تتحوّل الأحزاب المنفردة إلى إطار واسع، لكن لن يكون جميلاً هذا الإطار عندما يكون هذا الإطار مليئاً بالثقوب، فمازال كل حزب داخل هذا الإطار ينظر للأشياء من منظوره هو، ومن زاوية الأيديولوجية التي ينتمي إليها. سؤال يمكن طرحه على اللقاء المشترك: كيف يمكن تحقيق الديمقراطية ومن وجهة نظر منْ؟ الإصلاح الذي لم يحدد موقفه بعد من قضية المرأة وحرية المعتقد وعلاقة الدولة بالدين؟ أم الناصريون الذين مازالوا يرون أن مرحلة الستينيات هي المرحلة المثلى لإخراج الأمة العربية مما هي عليه اليوم؟ أم الاشتراكيون الذين فقدوا الآليات العملية والذهنية في إطار ما يسمى بالأممية؟!.ويمكن طرح السؤال بشكل آخر: أن تبحث عن السلطة.. هل يعني أنك تتحالف مع الآخر أوقعك قدر الخروج من السلطة بجواره؟ هل يعني ذلك أن هذا الحزب أو ذاك يتحالفان لمجرد الوصول إلى السلطة دون الشروع في الاتفاق على آليات المستقبل؟!.إن الترتيبات الموقتة ما هي إلا آلية من آليات استدامة الفشل.. والديمقراطية من هذا المنطلق تعني أن أكون مكان الذي أريد إزاحته.. أي أن الديمقراطية حسب هذه الرؤية تعني الوصول إلى السلطة السياسية العليا فحسب.. أما تداول إدارة مدرسة أو جمعية من الجمعيات فلا، وكم من المدارس عطلت وربما اشتعلت الحرب بسببها؛ لأن كل حزب يدفع بمدير لها من قبله!.وربما السؤال الأهم يوجّه إلى حزب الإصلاح: هل هو حزب ديمقراطي؟ وما العلاقة بين الشورى والديمقراطية؟ ولماذا يوجد داخله مجلس يسمى "مجلس الشورى"؟.أنا لا أغالي إذا قلت إن ما يجرى داخل خطاب هذه الأحزاب يعد نكوصاً من نوع غريب.. هذا الخطاب يقوم على استحضار رموز بعينها ويتم تنصيبها كأمثولات مرجعية علينا أن نسترشد بها في مختلف أمور حياتنا، إنها ببسيط العبارة «أحزاب سلفية» تلبس السلفية ثوباً جديداً، لكنه لا ينتمي إلى زمننا.وعلى هذا الأساس كيف يمكن أن يكون الماضي قائداً للمستقبل؟ لا شك أن هذا الخطاب يخفي في طياته خلفيات نفسية وفكرية يتطلب من علماء علم النفس دراستها، إن هذا الخطاب لا ينطلق إلا من أصل ويريد منا أن ننتمي إليه بتوجيه من هذا الأصل القائم على سلطة السلف.وإذا ما حاولنا تفكيك هذا الخطاب إلى أيديولوجيات الإصلاح والناصري والإشتراكي سنجد أن هذه الإيديولوجيات الثلاث خلقت أزمة مستعصية في مختلف المجالات الثقافية والسياسية، ذلك أن الانتماء لإحدى هذه الأيديولوجيات لم يكن يوماً ما اختياراً عقلانياً، وإنما كان ناتجاً عن غياب الاستقرار النفسي والمادي.من هنا يكون استعادة الماضي إما بواسطة عمر بن الخطاب أو جمال عبدالناصر أو ماركس.. من هذا المنطلق يصعب على هذه الأحزاب تجاوز المجال الذي وضعت نفسها فيه، مادامت تفكر في المستقبل من خلال مرجعيات الماضي.إن تكثيف الحديث عن الديمقراطية وفق مرجعيات سلفية لا يولد ديمقراطية بالضرورة، بل ينتج عكس ذلك، لأن الحديث عن الديمقراطية إنما هو تغطية على إشكاليات حقيقية يعيشها المجتمع اليمني تتمثل بانعدام الحريات، والانتهاك المستمر لحقوق الإنسان، وأقصد هنا بحقوق الإنسان مصادرة الحريات من قبل حزب الإصلاح الذي مازال يمتلك شرعية التكفير ولا يؤمن بحق الاعتقاد، كيف يكون ديمقراطياً إذن؟!.لهذا السبب مطلوب من المثقفين داخل هذه الأحزاب وخاصة أولئك الذين يريدون بناء مستقبل مفتوح على العالم، مطلوب منهم أن يريقوا حبر أقلامهم بدلاً من البكائيات والنواح، يريقونه بإجراء دراسة شاملة حول مستقبل اليمن، تقدم من خلال هذه الدراسة بدائل تساعد على مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. ذلك أن أي نهضة لا تقوم إلا على قاعدة معرفية تشخص المشكلة وتحدد العلاج لهذه المشكلة.نحن لسنا بحاجة إلى إسقاط الماضي على حاضرنا، لأن ذلك لا يساعد على التغيير، كما أننا لسنا بحاجة إلى معالجة الفساد بمنظور قيمي، يقوم على الأخلاق والدين.. لأن مثل ذلك يضخم حجم السلوكيات المنحرفة ويولّد شعوراً بعدم احترام هيبة الدولة.. لأن الدولة هي مرجعيتنا جميعاً.. سلطة ومعارضة، واحترامها هو الصيغة الفعالة بعملية التغيير.أعود فأقول إن غياب الاستقرار النفسي والمادي قد جعل الأحزاب اليمنية تعيش حالة ضعف وتجزئة.. هذه التجزئة ليست السلطة سببها حتى وإن كانت وراءها إنما سببها هو أن هذه الأحزاب لا تملك مشروعاً مستقبلياً يؤمن مصالح أعضائها، وبالتالي تضارب المصالح وتداخلها أدى إلى مثل هذه التجزئة والاستنساخ.لذلك الديمقراطية لن تتحقق ما لم نشتغل على الجانب الثقافي وتغيير التصورات الذهنية التي استقرت في قاع المجتمع، وعملت على تشويه فكرة الديمقراطية وما تحمله من قيم الحرية والتعدد.مطلوب من المثقف أن يجاهد في سبيل تغيير هذه الصور الدهنية، بعيداً عن التحريض أو البكاء على مشارف الفساد الذي تلّوح به الأحزاب من أجل إضفاء المشروعية على ذاتها.وإذا أردنا أن تثمر الديمقراطية فنحن بحاجة إلى إعادة النظر جذرياً في الأسس البنيوية التي قامت عليها الأحزاب من أجل نقد آليات تفكيرها، وهذه مهمة المثقفين الذين يتطلعون إلى وطن تحميه التعددية وتقوده الحريات والحقوق المتساوية.