الثلاثاء , 23 مايو 2006 م كم هي جميلة الوحدة في اطار التعدد والاختلاف. وكم هو جميل التعدد والاختلاف في اطار الديمقراطية ،لكنه من غير الانصاف أن ننظر إلى الديمقراطية على أنها معجزة النقلة الفجائية، التي لايسبقها أي مجهود ولاكلفة وعلينا أن نحذر وهم المعجزة التي تنتظرها بعض القوى، فالتعامل مع الديمقراطية من هذه الزاوية انما هي قتل للديمقراطية ان الديمقراطية معادلة هندسية وليست صيغة سحرية. وعلى هذا الاساس علينا ان نتساءل جميعاً : هل الديمقراطية هي مجرد صيغة للحكم، أم هي أيضاً ثقافة ان اختزال الديمقراطية إلى مجرد اجرائيات كماهو مطلوب من شأنه أن يقتل بذرة الديمقراطية التي غرستها الوحدة فالثقافة الديمقراطية هي شرط تخصيب التربة وشرط النماء بدون الثقافة الديمقراطية تصبح الديمقراطية المنشودة مجرد شكل تغيب وراءه ثقافة الحوار والاختلاف، ويجسد ثقافة الاكثرية والعدد. وعند غياب الثقافة الديمقراطية فإن مسرح الصراع يصبح المجتمع نفسه، بل في عمق المجتمع، وليس المؤسسات السياسية كالأحزاب والبرلمان ان وظيفة المثقف الحزبي اليوم ينبغي ألا تتوقف عند ممارسة المعارضة، بل ينبغي ان تمتد نحو ممارسة التربية الديمقراطية، نحن لسنا بحاجة إلى تغيير الوضع القائم بقدر مانحن بحاجة إلى أخذ الوقت لبذر الثقافة الديمقراطية من خلال فترة «هدنة» يكون هدفها انتزاع اصلاحات ديمقراطية حقيقية. ومماسبق يواجهنا سؤال هل كل القوى الموجودة في الساحة مجمعة على الديمقراطية ؟ - ان الجواب الجاهز لدى كل الاطراف هو نعم ومع ذلك فإن الثقافة المنتشرة هي ثقافة سطحية طابعها الرسمي التدين. وعلى هذا الاساس يصبح الاجماع وفق هذه الرؤية أي رؤية التدين. هذه الرؤية ترى أن الديمقراطية ماهي إلا قيمة غربية، وبالتالي فإن الحضارة الغربية كلها مرفوضة من وجهة النظر هذه وعلى هذا الاساس تصبح الديمقراطية مرفوضة أيضاً فأصحاب هذه النظرة، على مستوى تكويناتهم الداخلية يتشبثون بمبدأ الشورى. ومن هنا يثور سؤال جديد : هل التحالفات الموجودة في الساحة هي تحالفات ديمقراطية ؟ ان الجواب يكمن لدى هذه القوى وعلينا أن نذكر فقط أن الديمقراطية هي عبارة عن عقد والحال ان العقد الديمقراطي لايقبل تكتيكا ولاتدليساً ووفق هذه الرؤية يكمن العنف والعنف المضاد. ومانطالب به ونحرص عليه هو احترام شروط العقد الديمقراطي وتهيئة الشروط المادية والفكرية المكونة لهذا العقد وتحقيقه مستقبلاً. نكرر ونقول ان الديمقراطية ثقافة وليست مجرد آلية انتخابية الديمقراطية مااستقرت في الرؤوس وليس فقط في صناديق الاقتراع. ان الجميع يسعى في اتحاه ان تكون الديمقراطية في بلادنا نظاماً جمعياً قبل ان تكون نظاماً للفرد. بمعنى أن الجميع متفقون على الحرية الحزبية ومن حق أي مواطن يمني أن ينتمي إلى أي حزب، لكنهم جميعاً يصادرون حرية الفرد على مستوى الحياة الشخصية. وعلينا أن نملك الجرأة في ان نعترف بأن الاحزاب السياسية في بلادنا تقيم العثرات أمام الثقافة الديمقراطية. وهذا عكس نفسه على المجتمع الحزبي الذي يرفض الآراء الحرة. وحسبي المثال التالي: ففي ندوة حول الاختلاف عقدها منتدى الناقد العربي بجامعة صنعاء وحضرتها نخبة من الباحثين والاساتذة الجامعيين، دار الكلام حول قطبين : السلطة والمعارضة فيه شيء من الاقصاء وفيه اشارة إلى أن الديمقراطية هي مفتاح جميع مشاكلنا هذا الطرح استثارني وطرحت فكرتي على النحو التالي : ان الديمقراطية تعني حرية التعبير وحرية الرأي، فهل نحن كنخبة مثقفة على استعداد لان نقبل المخالف لنا في الدين وفي الايديولوجيا؟ نحن، كاساتذة ومفكرين، نريد الديمقراطية في السياسة فقط، ولا نريدها في الفكر، ولا على الأخص في الدين. وكم يراودني هذا السؤال الذي أتمنى من الجميع ان يجيبوا عليه : من أين نبدأ بالديمقراطية، من بدايتها أم من نهايتها ؟ بمعنى من حيث بدأ الاخرون فيها أم من حيث انتهوا إليها ؟ وسأقرب السؤال أكثر : عندما نستورد الأدوية هل نستوردها في حالتها الأولى، أم في أكمل اشكال تطورها، فالديمقراطية كالادوية، علاج للأوضاع المريضة. واذا قبلنا بالديمقراطية وبانها تعطي للمرأة الحق في التصويت وتعتبر صوتها مساوياً لصوت الرجل، فلماذا تبقى المرأة بنصف عقل ونصف دين ونصف ميراث؟ وعلي أن اذكر الجميع وأعني هنا جميع الاحزاب، بأن الديمقراطية في ولادتها التاريخية، هي بنت المطبعة، وبالتالي لابد من ربطها بالتعليم.. فالديمقراطية لاتنمو في وسط أمي، نسبة الأمية فيه 75% تقريباً. ان سفينة الديمقراطية تبحر في بحر من الأمية وقد سمعنا بعض الاحزاب، تهدد باغراق السفينة قبل الوصول إلى شاطئ الأمان. والحال أن مثل هذه الاحزاب هي ابرع من يركب موجة الأمية. هذه الاحزاب تستثمر في المدارس والجامعات الأهلية لتعيد انتاج الأمية بمعدل خمسين بالمئة، في مجتمع يغذيه الفقر، وتمول فيه مؤسسات ومكتبات تروج للثقافة الصفراء، لتبقى الثقافة الرائجة هي الثقافة الدينية المسطحة التي تساعد على اتساع قاعدة الأمية. وكيف نزعم أن هناك ديمقراطية في الوقت الذي لاتطرح بعض الاحزاب برامجها للتصويت عليها، وانما تدعو إلى التصويت على النص المقدس. وهي حيلة كان قد سبق إليها عمرو بن العاص حينما رفع المصاحف على أسنة السيوف. ترى ماالذي يمنع أن تتفق الاحزاب جميعها في اعادة النظر في التعليم ووضع أهداف وطنية تربط النشء بالوطن بدلاً من ربطه بالايديولوجيات؟ ان الديمقراطية تعني تحرير الفرد من الايديولوجيا أي أن الديمقراطية تجعل الفرد لايصوت بوصفه منتميا إلى حزب، بل بوصفه مواطنا يحصل على حق المواطنة. أخيراً أقول لكل المثقفين المعنيين بهذا الوطن وليس بمصالحهم الخاصة : إن الأمية عصية على التفكيك، وبالتالي فهي تقود إلى مشاريع جماعية، تطغى على الحريات الفردية، واذا كان هناك مستفيد من ذلك، فهي الأحزاب الدينية، فهي الأقدر من غيرها على تجنيد الأمية، وهذا لايخدم المشروع الديمقراطي. ان نظرة فاحصة تجعلنا نرى أن المخارج مسدودة، وبالتالي يتحتم علينا قراءة مشروع النهضة الاوروبية لكي