تشهد الساحة اليمنية حراكاً سياسياً واجتماعياً متنامياً ، وتخطو باتجاه الاستحقاق الديمقراطي خطوات متسارعة، ويترافق مع كل ذلك صخب متصاعد من كل الأطراف في الساحة وتدافع سلمي تلمسه في حوارات الناس وتفكيرهم بلغة مسموعة، كل ذلك يعود إلى تأصيل وعي وممارسة ديمقراطية تلامس القيم والثوابت والمخزون الحضاري لدى الإنسان اليمني... مثلما تشارك بقدر كبير وكبير جداً في إحداث تغيير حقيقي لديه ، ونمو مضطرد في الوعي والممارسة السلمية لكل جوانب ومراحل العمل والنهج الديمقراطي. إن التغيير الديمقراطي المتدرج يساعد في تحرير الوعي الاجتماعي من سيطرة العاطفة والاستسلام للحماس والتهور اللا عقلاني، كما يحرره في الوقت نفسه من الاستجابة والخضوع السلبي للوصاية التي تمارس ضد عقله وتفكيره وممارسة حقوقه المشروعة وبشفافية وقناعة تامة، وتسلبه في كل الحالات والظروف حقه في الاختيار الحر والمشاركة الإيجابية الفاعلة. كل ما يجري في الساحة اليمنية من تحولات يسرّع في نضوج الخيار الديمقراطي ليصبح قادراً على إبراز واقع يمني صحي غير قابل للانحراف مهما حاول البعض ذلك؛ إلا أن القناعات قد جعلت من هذا الخيار نهجاً صلباً غير قابل للهشاشة والانجراف وراء السراب. الوطن أكبر من كل المتغيرات ،وبه سنكون أكثر وعياً بالمرحلة ومتطلباتها، وما تشهده المدن والقرى اليمنية من حوارات وجدل صاخب لدليل على ان اليمنيين يلامسون حقيقة اللحظة وضرورات التغيير المتدرج وينحتون بإدراكهم وإرادتهم متطلبات المجتمع اليمني الجديد ، وفي كل ذلك يرون أن الخطوات الصحيحة والمنظمة والمثالية في ممارسة واقع التغيير الديمقراطي لابد وأنه تطبيق مكاسب ملموسة في واقعهم لا شعارات فضفاضة مستهلكة وتقود في الوقت نفسه اليمنيين جميعاً إلى المزيد من التماسك والتآلف، وتحقق نقلة تنموية واقتصادية بعيدة عن الجدل السفسطائي العقيم. الكثير منا مع الأسف يقوده الحماس الغوغائي الطائش ويجعله رهينة لقوائم طويلة من السباب والشتائم للآخرين والأحكام الجاهزة والتكهنات اللا معقولة؛ لأنها دوماً متشبعة بلغة اليأس والقنوط في اللحظة التي نستعد جميعاً فيها للعرس الديمقراطي، والبعض الآخر يفصل الأحكام ضد كل من يختلف معهم في الرأي، أو يسعى لتقريب وإيضاح الصورة وفرزها بألوانها الحقيقية. لابد من أن يحاط الناس علماً ويقحمون البدايات والأوليات التي أفرزت وباء الفساد والظروف التي ساعدت على استشرائه واستفحاله في مفاصل الحياة الاجتماعية كلها، ودور المجتمع نفسه في نمو آفة الفساد بكل جوانبه وأشكاله وخلق الفاسدين بكل أشكالهم وفي كل مواقعهم، سواء الفاسدون الذين شجعهم المجتمع على سرقته بشكل مباشر في المحاكم وإدارات الأمن وجولات وشوارع المدن أم السماسرة المتوزعون في بوابات المؤسسات والمرافق الحكومية؛ أو أولئك الذين شجعناهم على سرقة المال العام والتلاعب بالمواصفات والتحايل على النظام والقانون واستغلال الوظيفة العامة واستخدامها في خرق اللوائح والقيم والضمير، وعلينا جميعاً إن أردنا التخلص من الفساد والفاسدين أن نتعاون في ذلك، وأن نمتنع على أقل تقدير عن إعطاء الرشوة وتسريبها ليلاً خلسة إلى أولئك الفاسدين الذين قتلنا ضمائرهم ولم نستطع بعد إحياءها من جديد ومن ثم يتعالى صراخنا مستغيثين من كارثة صنعناها بأيدينا.