عبر التاريخ كان المثقف يحمل على عاتقه مسؤولية تكوين العقل وتشكيل ذاكرة الأمة، وكان المثقف يستقرئ الاتجاهات الأساسية لتطوير المجتمع. غير أن من يراقب المشهد الثقافي اليمني يشعر بالإحباط والقلق على مستقبل الأمة، فالمؤسسات الثقافية تخلت عن دورها في الإسهام بتكوين المجتمع اليمني الحديث وتفرغت لمشاكلها الشخصية، ومن يتابع الصراع الدائر بين وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب يشعر بالخواء الثقافي الذي يحرّك هذا الصراع. الأحداث تهز العالم وثمة دورة حضارية جديدة ستعيد تشكيل الخارطة الثقافية ، ومثقفونا مقسومون بين معسكرين، معسكر الرويشان ومعسكر فارس السقاف، والمثقف الذي يعمل في وزارة الثقافة محرم عليه أن يحضر فعاليات الهيئة والعكس صحيح؛ وكأن هذا المثقف يعمل مع أشخاص وليس مع مؤسسات عامة، فقد تبلد حسنا الثقافي. إن وزارة الثقافة طوال العام تفتح معارض للفن التشكيلي، واللوحة الفنية لا شك تعمل على ترقية الذوق الجمالي والفني؛ لكننا عندما نسمع عن العنف هنا أو هناك وعن شباب في مقتبل العمر أرادوا ان يفجروا منشآت ويقتلون أبرياء لا شك أن وزارة الثقافة بحاجة إلى إعادة النظر في دور الرسالة التي تقدمها. إن وزارة الثقافة معنية بالمواقف الفكرية؛ لأن الثقافة فعل سياسي اجتماعي وعقلي تعزز القيم السلوكية وتبني الإنسان والحضارة. إن وزارة الثقافة بكل فروعها مهمتها تحليل حاضر المجتمع وتحديد مشكلاته وتوعية الناس بتلك المشكلات وتحديد أهداف المجتمع ومواجهات سلبيات الواقع ونقدها. إن وزارة الثقافة والقائمين عليها يبددون ثروة البلد الثقافية، فهم يمارسون البطريكية المفرطة، ويمارسون تسلط الرأي والعقل الواحد، فبدلاً من تفاعل العقول داخل هذه الوزارة وتجاوزها يتحول القائمون عليها إلى مسعري حرب، لقد أدى ذلك إلى تدني المكانة الاجتماعية للمثقف اليمني، وقد ترتب على ذلك ظهور ما يمكن تسميته بثقافة الارتزاق وشلل المثقفين التي لا تجمعهما أخلاق المهنة والمسؤولية، ومن ينظر إلى المشهد الثقافي بعين فاحصة يدرك أن هذه الشلل لا تتحاور وإنما تتجمع حول المصالح الذاتية إضافة إلى أن بعض من يعتبرون أنفسهم معنيين بالمشهد الثقافي يحقرون من المثقفين. علينا أن نعي أن العالم ونحن جزء من هذا العالم يقف على أبواب عصر جديد، سيتم من خلاله إعادة بناء الفكر والمعرفة، لذا يتعين على المثقفين اليمنيين مراجعة الخطاب الثقافي ولا يصادرون عقولهم ليفكر الآخرون نيابة عنهم، لابد من مراجعة الوضع الثقافي وإدراك المتغيرات أن المثقف جزء من الحياة الاجتماعية، لذلك فهو معني برسم المستقبل السياسي والاجتماعي، وعلى المثقف أن يخرج من إسار الأيديولوجية وألا يتخندق حول نفسه ليقود معارك ليست معركته الحقيقية، المثقف معني بمواجهة الجمود والتخلف وإحباط محاولات الاستغلال التي تُمارس عليه من قبل أناس يصنعون معاركهم الشخصية بالتضحية بالمثقف وبمستقبله. على المثقف أن يعي حقوقه وواجباته، فحقوقه تتمثل في حق الاحترام والتقدير، ونعني التقدير المادي، فالمعدة الجائعة لا تساعد على التفكير، كما أن المثقفين مطلوب منهم أن يلتفوا حول المؤسسات الثقافية التي تعلي من قيم الحرية والمعرفة، والحوار العلمي، وليست تلك التي تٌعلي من علاقات الشللية المتخلفة. على المثقف اليمني أن يستفيد من المناخ الديمقراطي ليكسر الحواجز بينه وبين الآخرين، وحتى لا يكون حالة من حالات التخلف.