إن عملية التأصيل العلمي لاعتماد فخامة الرئيس علي عبدالله صالح لمبدأ الحوار ثقافة وممارسة تفرض نوعاً من التبويب أو التحقيب التاريخي لهذه العملية التي استطاع من خلالها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح تطويع واستيعاب مفردات الحقل السياسي اليمني، وامتصاص وتجفيف بؤر ومنابع العنف والصراع السياسي، وأهمها على الإطلاق حالة التشطير التي ارتبطت كسبب ونتيجة بحالة الشمولية، حيث ومن الناحية العملية تمكن فخامة الرئيس وبفضل اعتماد لغة الحوار كبديل موضوعي للغة العنف من الانتقال باليمن من وضع سياسي بالغ التعقيد يوصف بالشرعية الثورية، والتي في ظلها استغلت بعض الأطراف السياسية مفهوم التنوير الشامل لتمارس عملية التدمير الشامل، إلى مرحلة الشرعية الدستورية المقترنة بالاعتراف الصريح والواضح والكامل بالتعددية السياسية والحزبية بهدف تداول السلطة سلمياً بين مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية، وهو تحول نوعي في مسار الحياة السياسية اليمنية بعد عقود من الصراع والعنف السياسي، سواء على مستوى الشطرين أو في إطار كل شطر على حده، والذي تمحور وبشكل مطلق حول السلطة.. لذلك سنحاول من خلال هذه الورقة الإسهام في تتبع وتحليل هذه المراحل خلال الفترات التالية: أولاً: مرحلة ما قبل توليه السلطة 17 يوليو 1978م: سبق عملية تولي فخامة الرئيس علي عبدالله صالح مقاليد السلطة حوارات ومشاورات جادة بين مختلف القوى والفعاليات السياسية، والتي أفضت إلى إقراره كمرشح لهذا المنصب، ومن ثم انتخابه من قبل مجلس الشعب التأسيسي آنذاك وتكمن أهمية ودلالة هذه العملية كونها شكلت اللبنة الأولى والأساسية الموضوعية للتطورات السياسية اللاحقة، لأنه وفي ظل تلك الأوضاع ما كان لأحد أن يتوقع أن يكون للبرلمان أي اعتبار، وبالتالي فإنه هو أنسب الخيارات. ثانياً: مرحلة ما بعد توليه السلطة 17 يوليو 1978م، وهذه المرحلة تشمل الآتي: 1 الحوار مع حزب الوحدة الشعبية وفصيله المسلح الجبهة الوطنية الديمقراطية، حيث وكما هو معروف فإن حزب الوحدة كان يمثل فرع الحزب الاشتراكي في الشمال ويضم عدداً من الأحزاب اليسارية أخذت على عاتقها وبدعم وتمويل مباشر من النظام السياسي في الجنوب مهمة إسقاط النظام السياسي في الشمال على طريق إعلان الوحدة مع الجنوب واندماج الحزبين في حزب واحد.. وقد تمكن الرئيس علي عبدالله صالح من إحباط هذا المخطط وإخماد هذه الفتنة التي كانت تستعر في مختلف مناطق الشطر الشمالي وبخاصة المناطق الوسطى، لدرجة فقدان السيادة على بعض هذه المناطق، مستخدماً القوة حيث يجب والحوار حيث يجب، وكان أكثر ميلاً لاستخدام وتغليب لغة الحوار والذي أفضى إلى إقناع واقتناع مختلف القوى السياسية بالانضمام إلى لجنة الحوار الوطني، ما يعني تحييد أطراف الصراع السياسي عن بعضها سواء على مستوى الشطرين أو في إطار الشطر الشمالي وما أعقب ذلك من تطورات سياسية وصولاً إلى إقرار الميثاق الوطني وقيام المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس 1982م كإطار ناظم ومعقلن للحياة السياسية، والذي بقيامه استطاع الرئيس علي عبدالله صالح أن يملأ الفراغ السياسي الذي في ظله تولى السلطة. 2 الحوار مع قيادة الشطر الجنوبي: حيث وبقيام المؤتمر الشعبي العام كحزب حاكم تحقق التماثل مع الحزب الاشتراكي اليمني الحزب الحاكم في جنوب الوطن، وكان لقيامه الدور المحوري في التعجيل والإسراع بالخطوات الوحدوية، فالتقدم صوب الوحدة الذي عبرت عنه اتفاقيتا القاهرة وطرابلس لم يقدر له أن يستمر ففي عام 77 1978م اغتيل أو أعدم ثلاثة من رؤساء الدولتين وهو ما انعكس سلباً على مفاوضات الوحدة.. كما أن التقدم الذي حدث على الورق في قمة الكويت لم يكن متبوعاً بتقارب سياسي جاد وواضح، لذلك فقد شكلت سلسلة المفاوضات والحوارات الجادة التي أجراها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح مع قيادة الشطر الجنوبي ابتداءً من اللقاء الأول الذي عقد في تعز خلال الفترة 1618 أبريل 88 حتي 22 مايو 1990م تغيراً نوعياً اقتضى تحولاً في الأهداف أو القيم النهائية من مجرد تحسين العلاقات بين الشطرين إلى إلغاء الدولتين ودمجهما ببعض. ثالثاً: مرحلة ما بعد تحقيق الوحدة اليمنية 22 مايو 1990م، وهذه المرحلة تشمل الآتي: 1 حوار في سبيل إقرار دستور الجمهورية اليمنية، حيث تصدى التجمع اليمني للإصلاح لعملية الاستفتاء على دستور الجمهورية اليمنية ودعا لمقاطعة الاستفتاء على دستور علماني نكاية بالحزب الاشتراكي اليمني الخصم التاريخي للحركة الإسلامية.. بذل خلال هذه المرحلة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح جهداً كبيراً لإنجاح هذه العملية والاحتكام لنتائج الصندوق. 2 حوار في سبيل الحفاظ على الوحدة وتجنب الحرب والانفصال، وهي الأزمة التي اشتدت حدتها عقب انتخابات 27 أبريل 1993م، ودخلت هذه المؤامرة حيز التنفيذ بعد عودة نائب الرئيس من سفره إلى امريكا في 19 أغسطس 1993م للاعتكاف في مدينة عدن والذي اتخذ من عملية الحوار مسلكاً تكتيكياً للوصول إلى أهدافه كان من الطبيعي التصدي له. 3 حوار في سبيل استرداد جزيرة حنيش اليمنية، حيث كان لاحتلال دولة ارتيريا لجزيرة حنيش مؤشراً قوياً على استمرار سلسلة التآمر على دولة الوحدة، إلا أن فخامة الرئيس استطاع إفشال هذا المخطط، وتم استرداد الجزر اليمنية بواسطة الحوار.. والأغرب في الأمر هو أسلوب التحريض الذي اعتمده التجمع اليمني للإصلاح آنذاك وهو مشارك في السلطة. 4 حوار في سبيل ترسيم الحدود: تسامى فخامة الرئيس علي عبدالله صالح على كل الجراحات ودخل في حوار جاد وبعقل وقلب مفتوح مع دول الجوار على الرغم من المآخذ على المواقف الإقليمية التي لم تكن في صالح الوحدة واليمن.. واستطاع بذلك أن يحسم موضوع الخلافات الحدودية والتفرغ للشراكة والتعاون الثنائي بدلاً من الصراع.. وهو بذلك فوت الفرصة على المتربصين والمحرضين والعازفين على هذا الوتر. 5 حوار في سبيل إخماد فتنة التمرد في محافظة صعدة: من جديد تطل مؤامرة التمرد على الوحدة والشرعية الدستورية وبأسلوب سافر تكالبت معظم القوى السياسية التي تدعي الحداثة لتشرعن هذا التمرد، حاول فخامة الرئيس وبكل وسائل وأساليب الحوار والتفاوض احتواء هذا الحدث دون التفريط بالسيادة الوطنية أو التساهل مع أي خارج عن النظام والقانون مهما كانت صفته وانتماؤه الجهوي أو المذهبي أو المناطقي. 6 حوار في سبيل تعزيز المسار الديمقراطي على الرغم من الموقف السلبي من قبل تكتل اللقاء المشترك، فقد فتح فخامة الرئيس علي عبدالله صالح باب الحوار مع أحزاب اللقاء المشترك أسفر مؤخراً وبرعايته عن توقيع اتفاق المبادئ الذي لم يكن الرئيس ولا المؤتمر الشعبي العام مجبراً على توقيعه لولا الحرص على إنضاج التجربة وعقلنة الحياة السياسية. 7 حوار في سبيل التخلي عن حق الترشح للانتخابات الرئاسية: أعلن فخامة الرئيس في السابع عشر من يوليو 2005م في حفل استقبال بمناسبة السابع عشر من يوليو نيته عدم الترشح للدورة الرئاسية الثانية، وفي سبيل ذلك حاور أعضاء المؤتمر العام السابع للمؤتمر الشعبي العام الدورة الاستثنائية التي عقدت لاختيار مرشح المؤتمر للانتخابات الرئاسية بغرض إقناعهم بمبررات عدم الترشح وبكل إصرار ولم يرضخ سوى لضغط الشارع الذي نجح في إقناعه بالعدول عن قراره.