يجرى حديث كثير حول دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية، لكن حتى الآن لا يبدو أن وسائل إعلامنا قد استوعبت دورها في الدعم، وأننا ما زلنا نفتقر للكثير من مهارات مواجهة تحدٍ بهذا الحجم الخطير. الدول العصرية لم تعد تعتمد على حداثة تكنولوجيا الحرب فقط، بل تعتمد بدرجة أساسية على تسويق الخطاب التعبوي للمعركة، سواء لما يبررها مثلما فعلت الولاياتالمتحدة حين روجت لموضوع أسلحة الدمار الشامل، ونشر الديمقراطية المثالية، وغيرها في غزوها للعراق، أم في حشد الدعم لمواصلة الحرب، كما هو الحال مع الحرب على الإرهاب، أو تعزيز القدرات القتالية للمقاتلين لرفع معنوياتهم، مقابل زعزعة ثقة العدو بنفسه وبآماله في تحقيق النصر، وهذه كلها تدخل ضمن مصطلح الحرب النفسية التي أصبحت لها دوائر متخصصة في أية وزارة دفاع. الملاحظ أن معظم وسائل الإعلام اليمنية ظلت تدور داخل دائرة خطاب متشابه يتصل بانطباعات مشاهد الأحداث الدامية في فلسطين ولبنان، ثم بالتذمر من الموقف العربي المتخاذل، لكنها تجاهلت الخوض في أغوار الأحداث والكشف عن الدور الأمريكي فيما يجرى.. ولم تركز على موضوع الفيتو الذي استخدمته أمريكا ضد القرار الذي يدين الجرائم الصهيونية في غزة، ويدعوها لوقف حرب الإبادة.. ولم تتطرق إلى مدى ارتباط العدوان الصهيوني على فلسطين ولبنان بحمامات الدم في العراق.. فالخوض في مثل هذه الأمور سيكشف مدى خطورة المؤامرة التي تجرى على الأمة، وكيف أن الكيان الصهيوني يقترب من حلمه الذي يردده «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل»! لا شك أن الموقف العربي المتخاذل شيء مؤلم وكان يجب فضح هذه الأنظمة الجبانة، لكن في ضوء دوران رحى المعركة تعطى الأولوية للدفع بالروح المعنوية للمقاومة، وتقليل شأن الحكومات المتخاذلة لأنها لديها شعوب حرة ستعرف كيف تقتص لنفسها ممن خان إرادتها وموقفها الحقيقي. أعتقد أن الجميع يعرف الكيان الصهيوني والرأي العام ليس بحاجة لمن يحدثه عن وحشية هذا الكيان المتغطرس، لكنه بأمس الحاجة لمن يحلل له العلاقة بين الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني، وينوره بالموقف الذي يجب أن يتخذه إزاء الدعم اللا محدود الذي يقدمه البيت الأبيض ليس للكيان الصهيوني وحسب بل للإرهاب في العالم ؛ لأن من يعرف الساحة العراقية سيدرك في الحال أن المجازر اليومية هي فعل أمريكي لتشويه صورة المقاومة، ولتأليب الرأي العام عليها، ولتصفية العقول والخبرات العراقية.. وأن الأسماء التي تعلق عليها قوات الاحتلال الجرائم هي في حقيقتها أدوات أمريكية تنقلها إلى كل ساحة تستهدفها لتتحول إلى شماعة تعلق عليها جرائمها. الولاياتالمتحدة اليوم هي من يوفر غطاء الشرعية الدولية للعدوان الصهيوني، وهي من تموله مادياً، ولوجستياً، ولا يجب فصل الكيان الصهيوني عن الولاياتالمتحدة، ولا الكنيست عن البيت الأبيض ومجلس الشيوخ إطلاقاً فكلاهما وجهان لعملة واحدة، وشريكان في عدوان واحد.. لكن للأسف ما زال إعلامنا يتحدث عن طرف وينسى الآخر.. وما زالت بعض القوى السياسية تتظاهر صباحاً ضد "إسرائيل" وتتغدى ظهراً في السفارة الأمريكية، بل صارت تحاول إقناع الرأي العام اليمني بأن هناك «الأمريكي المنتظر» الذي سيحررها من الظلم والاستبداد ويملأ اليمن عدلاً بعد أن ملأها النظام ظلماً..!! الإعلام كما يتحدث عن نفسه ما زال خجولاً في فضح الحقائق، وتعبئة الناس بالوجهة الحقيقية للواقع.. بل إنه رغم كل العنف والخراب الذي يراه بأم عينه انشغل بمناكفات حزبية، وتصفية حسابات مع أفراد أو وسائل إعلام أخرى يكيل لها الاتهامات تارة بالصهيونية، وتارة أخرى بالعمل الاستخباري، وثالثة بالمذهبية والتآمر كما لو أنه يتعمد جرّ الساحة الداخلية بعيداً عن ساحة المواجهة الحقيقية، سواء كان يعلم بذلك أم لا يعلم. العدو الصهيوني يجند كل طاقاته للتعتيم على ما يدور، ولزعزعة ثقة الإنسان العربي بنفسه وإرادته، وبغيره أيضاً، لأن وضعاً كهذا يخدمه ويسهل عليه ضرب الأمة بلداً تلو الآخر.. وهذا ما لا يجب أن تقع فيه وسائلنا الإعلامية، وما لا يجب أن تسمح لأحد بالجنوح إليه، ومن الواجب عليها أن تقاطع كل خطاب متشنج يدفع بهذا الاتجاه مهما كان ثمن التضحية.. فهناك أمانة ومسئولية ملقاة على عاتقها كمنابر وعي ويجب أن تتحلى بها قبل أن تجد نفسها خارج الحلبة الوطنية.