هناك حقيقة يجب أن ندركها وهي أن خسائر الحرب الامريكية بسيطة للغاية، والتكلفة محدودة مقابل حجم المكاسب الهائلة التي تحققت بالوجود الامريكي في العراق بعد إيجاد موطئ قدم في آسيا من قبل الوجود بجوار إيران وعلى حدود الصين العدو المحتمل، وتثبت مفهوم الصدمة والرعب في الشرق الأوسط والوقوف على منابع النفط والممرات الاستراتيجية في العالم وحماية اسرائىل. ولا شك في أن هذه العناصر تؤشر إلى أن امريكا في مرحلة بزوغ وليس مرحلة أفول، ذلك الصمود يمثل معضلة للولايات المتحدة والدليل على ذلك أن واشنطن لم تعترف بحماس وقررت حصارها وقطع الاتصال معها ولم تعترض على الخطة الاسرائيلية بشأن ترسيم الحدود من جانب واحد، وهذا لم يكن ليتحقق لولا الوجود الامريكي في العراق غير أنه عاد ليؤكد أن فوز حماس جرى أخذه في الاعتبار في الصياغة الجديدة لوثيقة الأمن القومي الامريكي عند التعرض لمسألة نشر الديمقراطية بالإشارة إلى أن الانتخابات ليست كافية في حد ذاتها، فقد تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها وأن من الضروري تقديم المساعدة للقوى السياسية التي ستصبح تحت لواء الإدارة الامريكية. وفيما يتعلق بموقف العرب من الهيمنة المطروحة وصراعات العباد من حولهم يبدو أن العرب غير مدركين لما يحدث أو هم مدركون ولكنهم مغيبون لأسباب لا تفهم إلا في سياق المصالح القطرية والتوازنات الضيقة.. وفي تصوري إن التحالفات القائمة لا تزال باتجاه الرهان على واشنطن، وإذا ظل كما هو عليه فستظل امتداداً للقطب الامريكي وتسير في ركاب أجندته فيما المطلوب الدخول في تحالفات متعددة مع كل القوى المؤثرة على الساحة الدولية وإقامة جسور مع المرشحين لقيادة العالم بما فيها الصين والاتحاد الاوروبي الذي يطرح فكرة الحوار والتعاون وليس الهيمنة. إن التحالفات المتعددة هي المخرج من دائرة الهيمنة الامريكية، خاصة ان منطقة الشرق الأوسط هي الحاسمة لتحديد مصير النظام الدولي أحادياً أم متعدد القطبية، وبالطبع لا يمكن اتخاذ قوة الصين الصاعدة ولا المحاولات الاوروبية لخلق نظام دولي متعدد الأقطاب، وهذا ما يشكل التحدي الكبير أمام واشنطن ويمثل الصراع الحقيقي الراهن.. فالولاياتالمتحدة بمشروعها الامبراطوري تحارب مثل هذه الاطروحات عبر محاصرة الصين بالوجود في آسيا ،ومحاولة إبعاد اوروبا عن الشرق الأوسط واللجوء إلى توظيف السيطرة على النفط كقوة وليس كوقود، وربما كان الفشل الامريكي في العراق سبباً كافياً كي تقتنع إدارة بوش وكي يقتنع المحافظون الجدد أن ليس في إمكان الولاياتالمتحدة حكم العالم بمفردها وبأن العمل الجماعي والأخذ بآراء الآخرين هو الأسلم في معالجة القضايا الدولية.