الثلاثاء , 1 أغسطس 2006 م من المحقق أنه منذ قيام الوحدة سنة 1990م عرفت اليمن تطوراً داخلياً ربما كان من غير السهل أن يلمسه الجميع؛ ولكن كانت هناك مؤشرات عديدة عليه وخاصة في الميدان الإعلامي؛ إذ كان للحرية الإعلامية دور أساسي في تطوير الرأي العام ودفعه إلى إبداء اهتمام أكبر بالمعركة الديمقراطية، كما وضعت الحاكمين من جهة ثانية أمام مطلب واضح كل الوضوح ومعلن للرأي العام في الداخل والخارج. قبل الوحدة كانت اليمن تتمتع برصيد طويل من حكم الحزب الواحد؛ غير أنه بعد الوحدة دخلت مرحلة دمقرطة وتوسيع مجال الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان. وعندما نتحدث عن الديمقراطية ينبغي أن نعرف أن الديمقراطية ليست رغبة، إنها حدث موضوعي، وهي تعبر عن شروط تكون فيها كل الشرائح متحكمة في اتخاذ القرار من أجل أن تخلق توازنات لا تسمح لأية فئة باحتكار التحكم؛ لذلك تلجأ هذه الفئات الاجتماعية إلى الديمقراطية كآلية لتجاوز معضلاتها وتناقضاتها بشكل سلمي. في هذه الشروط نتحرك في إطار ما هو ممكن وليس في إطار الأمنيات، ولهذا إذا أردنا الحكم على الديمقراطية في اليمن، ينبغي ألا نحكم عليها مقارنة بالكتب أو النموذج الديمقراطي لأن هذا النموذج لا يوجد إلا في أذهان المثقفين، أما في الممارسة الواقعية فلا تهتم إلا بالممكن ولهذا السبب يمكننا طرح السؤال التالي: هل ما تحقق من الديمقراطية يعبر بالفعل عن الممكن في الواقع اليمني؟ أم أن هناك إمكانات أفضل كان يمكن استخدامها سواء فيما يتعلق بالإصلاحات الدستورية أم في آلية الإشراف على الانتخابات؟. بمعنى هل المجتمع السياسي اليمني أصبح مؤهلاً لحل تناقضاته عبر آلية الديمقراطية، أم أن هناك قصوراً من قبل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى ؟ وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نتوقف أمام وسائل الإعلام وعلى وجه الخصوص الصحف الرسمية المتمثلة بصحف الحكومة وصحف المعارضة، ومن خلال متابعتنا لهذه الصحف تبين لنا أن هناك اختلافاً كبيراً بين مخرجات الصحف الرسمية ومخرجات صحف المعارضة، فصحف الحكومة تركز على إضفاء الشرعية على القرارات التي يتخذها النظام السياسي أو ينوي اتخاذها.. وعموماً لا تتسم هذه الصحف بالثبات، فهي دائمة التغير مع تطور أو تغير توجهات النظام السياسي. وعلى النقيض من ذلك تأتي صحف المعارضة التي تسعى إلى إضعاف شرعية قرارات النظام السياسي والدعوة إلى التغيير، والخطاب هنا غير محايد؛ لأنه يصدر عن توجهات حزبية لها مصالحها. ويعد الخطاب الإعلامي بشكليه الرسمي وغير الرسمي غير ديمقراطي ؛ لأنه يمر من خلال «حراس البوابة» وهو مفهوم الآلية التي تسمح بتناول القضايا التي تساعد في عملية صنع القرار، إذ يقتصر دور الصحيفة على إضفاء الشرعية على الجهات التي تمثلها، وهي في الغالب تمثل رد فعل وليست مبادرة بالفعل. كل الصحف دون استثناء، سواء منها الرسمية أم غير الرسمية كلها تسير في اتجاه بلورة خطاب سياسي، ولم تستخدم الصحف في مجال التوعية أو التنمية، بل انتهجت لنفسها أسلوباً يميل إلى ترسيخ ما هو قائم وتعزيزه، والحؤول دون أي تغيير في البنى الثقافية أو الاجتماعية. لقد خلقت هذه الصحف وعياً بشأن المجتمع يختلف عن الواقع الحقيقي، مما خلق نوعاً من الانقسام والتناقض في المفاهيم والقيم. إن المشكلة التي تواجه الصحافة في اليمن لا تكمن في مسألة حرية هذه الصحف، فقانون الصحافة يكفل لهذه الصحف حرية مسئولة لا تتوفر في كثير من دول المنطقة، المشكلة أنها ليست وطنية، أي ليس لديها توجه صحيح إلى مصلحة المواطن والمجتمع .. ولو قيمنا الصحافة في اليمن على أساس مساهمتها في التحول الديمقراطي لوجدناها فاشلة في هذا المجال. ولكي تؤدي الصحف رسالتها في إحداث تحول ديمقراطي ، لابد لها من أن تتوجه إلى مشاكل المجتمع الأساسية وإلى المحافظة على السلام الاجتماعي، كذلك لابد للصحف من التزام حرية الصحافة وديمقراطيتها، ومن هنا يمكن القول :إن التحول الديمقراطي في اليمن تكتنفه ثلاثة عوامل وتحديات: الأول : هو وجود رغبة لدى كل حزب في التحكم في الخريطة السياسية. الثاني: يتمثل في الفصل بين ما هو تنموي وما هو ديمقراطي. الثالث: هو غياب الحلول الضرورية للمجتمع المتمثلة بالحلول الاقتصادية والاجتماعية. هناك مظاهر عدة في السلوك السياسي للأحزاب اليمنية: الأول منها: هو غياب النقد الذاتي. المظهر الثاني :يتسم بتناقض الخطاب، حيث تلجأ هذه الأحزاب إلى إعطاء أعضائها مجموعة من القيم في مدة وجيزة دون أن تسمح بالنقاش أو الحوار. المظهر الثالث: هو أن الانتخابات تتحول إلى طقوس في المواسم بحيث يصبح النشاط السياسي مكثفاً في فترة الانتخابات. المظهر الرابع: هو غياب الاستقرار في المواقف السياسية، حيث نجد بعض الأحزاب تبرم اتفاقات مع السلطة ، وتارة مع أحزاب خارج السلطة. ما أود أن أخلص إليه في الختام هو أن مشكلة عدم قيام الصحافة بدورها في خدمة التنمية والمجتمع لا تعود إلى عوائق قانونية تمنعها من ذلك، فقانون الصحافة في اليمن يعد من أحسن القوانين في المنطقة، إن مشكلة الصحافة بشكل عام هي هذا النظام المبني على المرجعيات الأيديولوجية. ولو تفحصنا خطاب الصحافة بشكل عام لوجدنا أنه بعد ستة عشر عاماً من حرية الصحافة الصورة العامة بائسة تماماً من الناحية الثقافية والحضارية، وهو ما يمكن وصفه بالعجز عن إحداث تحول ديمقراطي. إن الصحافة اليمنية بحاجة إلى مراجعة الكثير من المسلمات والأفكار التي تبنتها وبدأ الزمن يتخطاها.