أدى وجود الرئيس الأمريكي المحافظ جورج بوش للمرة الثانية على قمة الرئاسة الأمريكية وبولاية جديدة إلى طرح العديد من التساؤلات والتكهنات من أهمها مسار اتجاه السياسة الأمريكية في ظل سيطرة اليمين المحافظ على الإدارة الأمريكية. وهو الاتجاه الديني الأكثر تشدداً وتطرفاً على الساحة الأمريكية ملازماً للنشاط الملحوظ في إقامة امبراطورية أمريكية مهيمنة على العالم وتفسر طموحات الهيمنة على العالم بمبررات الحرب التي شنتها الولاياتالمتحدة، وبخاصة تتلاقى مع أهداف أخرى مثل إجهاض التطلعات الأوروبية بتشغيل قوة عسكرية أوروبية موحدة وتصفية الجيوب السوفيتية السابقة والسيطرة على مصادر الطاقة في العالم. وتمحورت العلاقات الاستراتيجية بين الدولة العبرية والولاياتالمتحدةالامريكية في ظل سيطرة الاتجاه اليميني على حتمية إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة العربية لصالح الكيان الصهيوني واستئصال جذور المقاومة العربية، فماذا أدت في جعبة الويالات المتحدة للعالم العربي والإسلامي وما يمكن أن يخطط له اليمين المحافظ، وهل حقاً أن من الطغيان الأمريكي من علامات انهيار القوة الأمريكية. كتاب بنية العقل الأمريكي الذي نشرت جوانب منه البيان مايو يونيو 2006م، وهو عبارة عن دراسة في جذور وتكوين الوعي الأمريكي المعاصر الصادر عن دراسات قناة النيل الثقافية العربية من إعداد أربعة عشر أستاذاً في العلوم السياسية ومجموعة من الباحثين السياسيين بمراكز الدراسات السياسية والثقافية العربية.. ويهدف هذا الكتاب السياسي القيم إلى تحقيق مزيد من الفهم والعقل الجمعي الأمريكي في مسيرة العالم العربي والإسلامي من خلال رصد كافة العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية الأمريكية. وأجاب الكتاب على الكثير من التساؤلات من خلال مناقشة لفلسفة المجتمع الأمريكي التي ترتكز على الرجائية والنفعية، أو هي نظرة للحياه أكثر انتشاراً وشيوعاً في العالم الغربي، ولمح الكتاب إلى أن صنع القرار السياسي الأمريكي مرهون بتغلب النفوذ الاقتصادي والسياسي اللوبي الصهيوني من المجتمعين العسكري والاقتصادي واليمين المحافظ واللوبي الصهيوني، وهذا ما فسره الكتاب بخروج بعض القرارات السياسية الامريكية المتعلقة بالشرق الأوسط لصالح الدولة الصهيونية أكثر من امريكا نفسها محدداً بعض الأمثلة على تغلغل اللوبي الصيهوني وانفراده بعض الاحيان بصناعة القرار السياسي الأمريكي مثل ما حدث للرئيس بوش الأب عندما هدد بتأجيل موافقة الكونجرس على المساعدة الأمريكية لإسرائيل عدة أسابيع بهدف الضغط على اسحاق شامير، فكان جزاؤه الحرمان من الفوز بفترة رئاسية ثانية رغم الإنجازات التي حققتها الولاياتالمتحدة. وتناول الكتاب انهيار الولاياتالمتحدة الوشيك بالتأكيد على أن سيطرة جماعة القرن الامريكي الجديد على الإدارة الأمريكية واعتماد هذه الجماعة على نظريات القوة تطرفاً فيما يطلق عليه الحرب العالمية الجديدة على «الإرهاب»، وأضاف أن التطرف في الاعتماد على القوة المسلحة يشكل أساسياً بوصفها أداة من أدوات الدبلوماسية ومع هذه الإدارة في رد فعلها على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م إلى تبني مفاهيم الضربات الاستباقية والتحرك المنفرد خارج إطار الشرعية الدولية إذا تطلب الأمر، كما حدث في غزو العراق في التاسع من مارس 2003م، وأكد الكتاب بأن النزعة العسكرية أثرت على الاقتصاد الامريكي سلباً وتشريعاً وحرمته من عشرات البلايين من الدولارات، بل إن السياسة الرافضة لزيادة الإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية أدت إلى تزايد معدلات الفقر والعنف. وطرح الكتاب تساؤلاً فحواه: هل سيحدث في الولاياتالمتحدة ذلك التفكك الذي يسبق الانهيار كما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق أو كما حدث في يوغوسلافيا..؟ وكانت الإجابة بأن ما يطلق على صراع الحضارات يكون المؤثر الفعلي في توقيت انهيار الولاياتالمتحدة باعتباره الأساس الذي ستبنى عليه خطوات التفكيك.. وخلص الكتاب عبر مساهمته عبر جهود الباحثين السياسيين والأساتذة في العلوم السياسية عبر مراكز الدراسات السياسية والثقافية العربية إلى رصد جذور الوعي الأمريكي ومستوى فهمه للدين والفلسفة والاجتماع والتاريخ باعتبارها صانعة الوعي الأمريكي المعاصر ووسائل الإعلام الأمريكية باعتبارها أدوات لدراسة المنتج الفكري الذي تقدم للجماهير الامريكية مراحل الوصول إلى فهم صحيح لموقف العقل الامريكي من العالم العربي والإسلامي والخلفيات النقاطية والفكرية لأساليب التعامل مع المسلمين، لأن اللجوء بالتدخل بالقوة الأمريكية الكبرى في العالم العربي والإسلامي من أجل الحفاظ على مصلحة القومية لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر شهد تحولاً واضحاً في اتجاه سيطرة اليمين المحافظ الأمريكي، حيث يسعى في هذا الاتجاه إلى زمن الرأسمالية والأمن القومي الأمريكي، وهو يشير بذلك إلى الإصلاحات الديمقراطية في المنطقة العربية عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير، بينما الضرورة تقتضي دراسة الاتجاهات السياسية والفكرية وبناء جسور التواصل معها من جانب القوى السياسية والشعبية العربية بهدف الحفاظ على مصالحها ومصالح الأمة العربية والإسلامية.