تتعرض لها الأمة العربية والإسلامية من قبل رواد الأمركة الصهيونية في ظل صمت مطبق من قبل زعمائها كأنما صُمّت آذانهم وغار الصدى في صدورهم بعد أن تم استئصال جينات العزة والشرف والكرامة والشجاعة منهم، شجرة الحيرة أنضجت ثمارها في حين تهاوت أصوات الثكالى والأطفال تبحث عن معتصم لهذه الأمة.. ولكن كما قال الشاعر السوري: رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتمِ لامست آذانهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم فمنذ انتهاء الحرب الباردة وهناك جهود حثيثة تبذل من قبل الإدارة الامريكية في سبيل إنضاج «مشروع الشرق الأوسط الجديد» عله يسعف الشهية الاستعمارية تجاه هذه المنطقة لما لها من أهمية جيوليتيكية، فشرعت جامعة هارفارد الامريكية تقدم دراساتها حول هذه المنطقة لكي يتمكنوا من الاستحواذ عليها. وفي اتجاه الإدارة الأمريكية لتحقيق هذا المشروع سارعت إلى احتلال أفغانستان كي تتمكن من تحجيم دور الاتحاد السوفيتي وحصر نفوذه. غزو عسكري سبقه غزو فكري، فالأستاذ الدكتور علي هود باعباد يرى أن أهداف هذا الغزو الفكري والعسكري تتمثل في التالي: إضعاف الأمة العربية والإسلامية عقائدياً عن طريق الفرق والطوائف. إضعاف الأمة فكرياً عن طريق التيارات الفكرية. إضعافها تعليمياً عن طريق أنظمة التعليم. ثقافياً عن طريق أجهزة الثقافة والإعلام. إضعاف الأمة اقتصادياً عن طريق القروض والديون. عسكرياً عن طريق الحروب والاضطرابات. إضعافها تضامنياً عن طريق الصراعات. إذاً نستطيع القول إن الأمة الإسلامية تواجه حرباً على جميع الأصعدة، يسعون من خلالها إلى اجتثاث ثقافتنا ومعتقداتنا وحضارتنا. فقد انجلت حقيقة هذا المشروع وتبينت نوايا أربابه في أنه مشروع استعماري هدفه تقسيم أوصال هذه الأمة، فما يجرى في أفغانستان والعراق وفلسطينولبنان هو ملامح هذا المشروع الذي ينادون به، فالمجازر التي يقومون بها هي جزء من القيم والمبادئ التي يتغنون بها. فبعد أن ارتسمت ملامح هذا المشروع الاستعماري والذي يضم كلاً من «مصر، سوريا، لبنان، العراق، الأردن، فلسطين، اسرائيل، السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات، عمان، اليمن، تركيا، أثيوبيا، أريتريا» بالإضافة إلى «أفغانستا، قبرص، السودان، الصومال، باكستان» ودول المنطقة المغاربية وجنوب الاتحاد السوفيتي التي تدين بالإسلام باعتبار أن هذه المنطقة تصدر أكثر من ربع بترول العالم و«60%» من احتياطاته! ويسعى هذا المشروع إلى تخطي القوميات والأيدلوجيات إلى مرحلة تكتلات وتجمعات اقتصادية عملاقة تكون اسرائيل لها الدور الكبير في هذه السوق الشرق أوسطية والذراع الأيمن للسياسة الامريكية. محاولات عديدة لتعريف هذا المصطلح نأخذ منها تعريف بريتشر الذي قسم الشرق الأوسط الى ثلاثة أقسام: «"القلب": يضم الأردن، اسرائيل، سوريا، العراق، لبنان، مصر.. "الهامش": أثيوبيا، إيران، تركيا، الجزائر، السعودية، قبرص، الكويت.. أما دول الحلقة الخارجية فهي: تونس، السودان، الصومال، ليبيا، المغرب، اليمن». كتاب امريكا والشرق الأوسط الجديد د. محمد قبيس ورنا أبو ظهر الرفاعي وفي نفس المصدر فإن هذا المشروع يحمل في طياته أهدافاً عدة تتجلى في الآتي: إن المشروع الجديد يلغي أي ذكر للعرب كعرب، فهو لا يميزهم في جغرافيتهم ولا يقر لهم بهوية واحدة، واستطراداً بالحق في أن يحلموا بمستقبل واحد ولو تحت هيمنته. إن المشروع قد اعتمد توسيع مداه الجغرافي وخلط الهويات بقصد تثبيت اسرائيل شرعياً وبلا تحفظ إلى هذه المنطقة منتجاوزاً فلسطين بالكامل سواء عبر وضعها الراهن أو عبر رؤية جورج بوش لمستقبل حقها في دولة وفق خريطة الطريق التي سحبتها إدارته من التداول، تاركة للكيان الصهيوني أن يقرر مصير الأرض والشعب في فلسطين خلف أو أمام جدار الفصل العنصري. إن المشروع الجديد لا يكتفي بإلغاء العرب بل هو يقسم المسلمين فيمنح بعضهم بركة الانخراط في هذا المشروع ويمنعها عن الآخرين. إن المشروع الذي يمنح الأمريكيين الهيمنة المطلقة على هذا الشرق الأوسط الموسع يفرض على أوروبا أن تقوم بإعداد هذه الشعوب المتخلفة وتدريبها وتمويل عمليات التحول فيها وعلى نفقتها لكي تسلمها في النتيجة إلى دائرة النفوذ الأمريكية جاهزة تماماً من تكاليف وبغير مخاطرات. إذاً.. تسعى أمريكا إلى تطبيق اتفاقية «مونرو» من جديد على حلفائها في أوروبا بمعنى أنها ستنفرد في مشروعها الشرق الأوسط الجديد. (مثلاً في إدارة كلينتون تم تطبيق نموذج «مونرو» عندما أدلت وزيرة الخارجية السفيرة في الأممالمتحدة حينذاك «مادلين أولبرايت» بكلامها أمام مجلس الأمن مبينة الأهمية القصوى للمنطقة بالنسبة للمصالح الأمريكية قائلة: «إننا سنتصرف جماعياً عندما نستطيع وسنتصرف أحادياً إذا استلزم الأمر، لأننا نعتبر هذه المنطقة ذات أهمية قصوى للمصالح الأمريكية القومية، ومن ثم لا نعترف بأي حدود أو عراقيل أو حتى بقانون دولي أو أمم متحدة»). وأخيراً قامت وزيرة الخارجية الأمريكية «كونداليزا رايس» بالتكلم عن الشرق الأوسط الجديد، الأمر الذي أدى إلى امتعاض في أوساط الساسة الأوروبيين تجاه هذا المشروع باعتبار أنهم السباقون في بذور هذا المشروع، ولكن الإدارة الأمريكية ما زالت تنظر إليهم كشريك وتطبق عليهم شروط الأسد، بمعنى أن الربح لأمريكا والخسارة في تنفيذ هذا المشروع على الجميع. إذاً هل نسارع في استعطاف دول أوروبا للوقوف معنا ضد هذا المشروع، خاصة وأن امريكا تجعل حظهم في الاستفادة من هذا المشروع أشبه بالمعدوم بأخف الضررين، أم نسارع إلى لم الشمل وتضميد الجرح من خلال التوحد كي نستطيع المحافظة على أرضنا، وهذا هو المطلوب منا بعد أن تبين أن مصيرنا واحد، فالوحدة استرجاع في هذه الظروف هي فرصتنا الوحيدة قبل أن يتحقق هذا المشروع الاستعماري وبعد ذلك لن نستطيع استرجاع ما فات ولو بجل التكاليف، إذ ليس أمامنا إلا خيار الوحدة والمقاومة..؟ فالدكتور محمد قبيس في المصدر السابق يرى أن العناصر الأساسية للبعد الاستراتيجي لهذا المشروع "الشرق الأوسط الجديد" تتلخص في التالي: إقامة أمن إقليمي جديد بدلاً من الأمن القومي العربي. اتباع سياسة الحدود المرنة في فلسطين بما يمكن إسرائيل من التغلغل في الدول العربية دون السماح للدول العربية بالتغلغل في الكيان الإسرائيلي. ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي على الدول العربية المجاورة لها نوعياً وعددياً لتحقيق الردع المناسب لها. تعزيز الوجود العسكري الأمريكي البحري والجوي الكثيف وفقاً لمعاهدات واتفاقات عربية أمريكية أو بقرار من الأممالمتحدة، مع وجود عسكري غربي رمزي محدود. تخزين مسبق للأسلحة والمعدات الأمريكية لتسهيل وصول القوات عند الضرورة. ربط إسرائيل بمعاهدات واتفاقات أمنية مع دول الجوار خصوصاً تركيا واريتريا وأثيوبيا. إجراء مناورات مشتركة بين قوات دول عربية وقوات إسرائيلية وأجنبية لتحقيق التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل في المجال الأمني. منع انتشار الأسلحة النووية والصواريخ البالستية خارج الدول النووية الحالية التي تملكها بما يعني انفراد إسرائيل بامتلاكها. الحظر الكامل لبقية أسلحة التدمير الشامل. نزع سلاح السلطة الفلسطينية إلا من أسلحة الدفاع الشخصي. إنشاء مناطق منزوعة السلاح ومناطق حظر الطيران لتسهيل التوسع الإسرائيلي وحرمان الدول العربية من فرصة الدفاع في الوقت المناسب وعرقلة التعاون بين الدول العربية وإيجاد المسوغات للتدخل الدولي. إذاً بعد أن تبينت خطوط هذا المشروع الاستثماري، فهناك آليات مختلفة لتحقيقه تتمحور على اتجاهين: الاتجاه الأول: دبلوماسي عن طريق الاتفاقات والمعاهدات مع دول المنطقة والتطبيع مع إسرائيل سواءً كان مباشراً أو غير مباشر. الاتجاه الثاني: عسكري إما بحجة محاربة الإرهاب الذي ألبسونا حلته زوراً وبهتاناً. ألبسونا حلة الإرهاب زوراً صدروه قبل أن نلقاه فينا كما هو الحال في هذه الحملة العدوانية ضد دولة لبنان بحجة أن المقاومة في الجنوب غير مشروعة. وإما بحجة نزع أسلحة الدمار الشامل كما حصل في العراق الذي تمزقت أشلاؤه من جراء الاحتلال الأمريكي وديمقراطية البيت الأبيض، وبعد ذلك سيستهدفون إيرانوسوريا لتحقيق امبراطورية إسرائيل. إذاً هناك سؤال يطرح نفسه: ما هو الإرهاب، ومن هو الإرهابي؟! عرّف «ريجان» و«شولتر» الإرهاب بأنه: «الاستخدام المحسوب للعنف، أو التهديد بالعنف للوصول إلى أهداف لها طبيعة سياسية، دينية أو أيديولوجية من خلال الترهيب، الإجبار، بث الرعب». بالنظر إلى هذا التعريف فإن أمريكا وإسرائيل يتصدران قائمة الإرهاب من خلال ما تقوم به القوات الأمريكية في العراق وما تقوم به إسرائيل حالياً من عدوانها على لبنان. فمثلاً لو نظرنا إلى القانون الدولي الإنساني والأعراف الدولية لمعرفة متى يفرج عن الأسير «انتهاء الأسر»؟ لوجدنا أن المادة «21» من اتفاقية جنيف التالية: 1 نصت الاتفاقية على أنه يجوز الإفراج عن أسير الحرب مقابل وعد أو تعهد منه بألا يعود إلى حمل السلاح ضد الدولة الآسرة «الإفراج تحت شروط». 2 الإفراج عن الأسرى لاعتبارات صحية «مادة 109». 3 الإفراج النهائي عن الأسرى عند انتهاء الأعمال العدائية. 4 انتهاء الأسر عن طريق تبادل الأسرى بين أطراف النزاع، بالنسبة لهذا الشرط لم تنص اتفاقية جنيف عليه وإنما جرت الأعراف الدولية على ذلك. إذاً تعتبر عملية حزب الله المتمثلة في أسر الجنديين ليس عملاً إرهابياً وإنما كانت الوسيلة الوحيدة للإفراج عن الأسرى من أسرهم، حيث إنهم يقاسون أنواع العذاب في السجون الاسرائىلية، فعملية الخطف من قبل حزب الله لا تبرر لاسرائيل عدوانها على لبنان وإنما هذه الحرب تم التخطيط لها مسبقاً كي يتم إجهاض أية حركة تحمل اسم مقاومة. أخيراً.. نستطيع القول أن ما يرسم على الأرض هو جزء مما لم يتم تنفيذه بعد.