28 / 10 / 2006 م لا يُذكر جوته إلا وتُذكر معه ألمانيا، ولا يُذكر همنجواي إلا وتُذكر معه أمريكا، وهكذا أصبحت البلدان تُعرف بمبدعيها، ومنها اليمن التي عُرفت بشاعرها الكبير الدكتور/عبدالعزيز المقالح. لم يلتفت أحد عندنا في اليمن إلى عقد مؤتمر لهذا الأديب، الذي أثّر في الثقافة العربية المعاصرة، وليس بوسعنا في هذه المقالة إلا أن نشير إلى هذه الغفلة، على ما لدينا من هيئات ومؤسسات ثقافية تعقد المؤتمرات لمناسبات هي أقل شأناً من المقالح، فهو أعلى قامة وأكثر حضوراً. ولا نغالي إذا قلنا إن المقالح وأدبه يعد من العبقريات العالمية، فهو من الرواد الذين عمّقوا الوعي الإنساني، وربما تكمن مأساته أنه ولد في هذا البلد الذي يحتفي دوماًَ بالأجنبي ولا يحتفي بأبنائه. عندما نقرأ للمقالح أو نسمع له نحس أنه مواطن عالمي، فهو في جوهر شعره إنساني عالمي، بما يحمله من مضامين وأفكار تهم الإنسان في أي مكان. لقد نذر المقالح نفسه ليقيم الجسور الثقافية بين اليمن وغيرها من البلدان، فاليمن حاضرة بحضوره. ومن يستقرئ المشهد الثقافي اليمني منذ قيام الثورة وحتى يومنا هذا يجده يزخر بالتناقضات الناشئة عن صراع لم يتوقف منذ قيام الثورة، واستمرت توابع هذا الصراع حتى اليوم. وقد تولدت عن هذا الصراع ثنائيات تشكلت وفقاً للظروف التاريخية والأيديولوجية، هذه الثنائيات تمثلت في المواقف السياسية لمعظم المثقفين اليمنيين.. أما المقالح فقد نحى بعيداً عن تبني مواقف سياسية ثابتة، لارتيابه الشديد في السياسة والأيديولوجيا، وقد ابتعد عن الجهر بآرائه السياسية في كتاباته، على الرغم من ممارسته السياسة في الحياة العامة. والثنائية الكامنة في الثقافة اليمنية تدل على افتقارها إلى نسق محدد المعالم، وربما كان للحروب الأهلية التي اندلعت بعد الثورة دور في إبراز الذات المتصارعة والتي ظلت تسعى إلى السيطرة الوقتية على مقدّرات الثورة، خاصة أن نظام ما قبل الثورة كان يقوم على التوارث في نظام الحكم وفي الاقتصاد، وبفهم الإنساق الثقافية في اليمن يمكننا مقاربة توجهات المقالح السياسية من منظور مغاير، حيث اختلط الأمر على معظم كتاب اليسار الذين اعتقدوا أن ارتباط المقالح بالسلطة يعد خيانة للثقافة والمثقف، وهم يعتقدون أن المقالح بدأ يسارياً وانتهى سلطوياً فهذه قراءة ساذجة؛ لأن المقالح لن يكون يسارياً مؤدلجاً، فهو ضد الأيديولوجيا، لكنه يتعاطف مع الطبقات الكادحة، ويؤمن بالحرية والديمقراطية والفرصة المتاحة، إنه يرفض الدعاية الزائفة، المرهونة بالأحداث العابرة، والتي سرعان ما تنتهي بانتهائها، فمهمة الكاتب عنده تختلف عن مهمة الثوري؛ الكاتب مهمته إنجاز الكتابة، بينما مهمة الثوري إنجاز الثورة.. فالكاتب يستجيب للنضال الإنساني وللإنسانية، لقد أثارت كتاباته اليمين واليسار، فوضعوه تحت الرقابة. كان المقالح يختلف عن هؤلاء جميعهم، فهم ينطلقون من منطلق أيديولوجي، بينما المقالح ضد الأيديولوجيا، فهو كما قلنا يؤمن بالفرصة المتاحة. يظل المقالح كاتباً عصيّاً على المحاكاة، رغم إغرائه القوي وسهولته الظاهرية، والملاحظ أن أصدقاء المقالح ومحبيه لم يستطيعوا تأسيس مدرسة تهتم بالمقالح وإنجازاته. لقد ظلت اليمن دائماً هي بدايته ومنتهاه، ونهضتها هي همّه اليومي، ومثلما كان يحلم بأمة عربية ناهضة تحتل مكانة مرموقة بين شعوب العالم، كان يحلم باليمن درة ساطعة على رأس أمتها، وقد أدرك أن النهضة لن تتحقق بالتغني على أطلال الماضي، لكن بالعمل على إعلاء كلمة العقل، واحترام كرامة الإنسان وإشاعة حرية التفكير، فاستقدم كبار الأساتذة العرب إلى جامعة صنعاء فانفتحت اليمن على وطنها العربي وعلى العالم، فجعل من جامعة صنعاء منارة ثقافية كان الطلبة يتعلمون التفكير بحرية، فحاول أن يخرجهم من دائرة الالتصاق بالذات وتحقيق الأماني الشخصية إلى دائرة أوسع وأرقى وهي الالتصاق باليمن والتفكير في تحقيق ما تصبو إليه، وها هي اليوم جامعة صنعاء تضم بين جنباتها المتردية والنطيحة، وكثيرون من الأساتذة العرب الذين يعملون في اليمن مستوياتهم لا تسمح لهم بأن يعملوا في أي جامعة عربية!. خلاصة القول: إن الأفراد لا يمكنهم تحديد تطور المجتمع من خلال قوة الإرادة وحدها، لكن دور المقالح والعامل الذاتي يظل في نهاية المطاف أحد العوامل الحاسمة في بناء التطور الثقافي داخل الجامعة والذي تراجع للأسف الشديد في الفترة الراهنة. إننا ندعو لعقد مؤتمر بالتعاون مع منتدى أصدقاء المقالح، يُعرف بمشروع المقالح الأدبي، ويعمل على ترجمته إلى لغات أخرى حتى يقترب من الدائرة العالمية.