إذا كان لكل زمن رجال، فرجال هذا الزمن يجتمعون اليوم في الرياض، فثمة استحقاق لهذه المنطقة آن الأوان لتستعيده حتى وإن كان العالم برمته يعيش حقبة من التردي. لا أقول إن لقاء الرئيس علي عبدالله صالح اليوم بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو لقاء تاريخي، لأن التاريخ لا يصنع الأحداث، بل الرجال الأفذاذ هم من يصنعون التاريخ ويكسبونه القيمة التي تجعل الأجيال تقرأه.. ولا شك أن ما يحدث بين صنعاءوالرياض سيستحق القراءة مرات تلو المرات. من يتصفح أوراق شبه الجزيرة العربية، ويتمعن بمفرداتها سيجدها على مر التاريخ من أكثر بقاع الأرض في ما تواجهه من تحديات فرضتها خصوصيات جغرافية، وأخرى ثقافية، وثالثة دينية باعتبارها مبعث الرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وقبلة الأمة الإسلامية التي ما انفكت تخوض الصراعات الحضارية، ويعول على بلدانها كثير من المسئوليات التي تضاف إلى كاهل زعاماتها السياسية. واليوم حين يجري الحديث عن التطور الذي آلت إليه العلاقات اليمنية السعودية فإنما هو حديث غير محصور في بوتقة العضوية اليمنية في مجلس تعاون دول الخليج العربي، بقدر ما يمكن وضعه خميرة جهود سياسية متراكمة لبناء سلام ومستقبل شعوب المنطقة بما يحل الكثيرمن الاشكاليات التي كانت قائمة بين دولها وينتزع الكثير من مسببات القلق لقياداتها، ثم الأهم الانتقال بهذا الإقليم من دائرة المتلقي للأحداث إلى مربع صنع الأحداث، وفرض متغيراتها على الواقع الدولي. ولعل من أكثر ما دفع بالتطورات لبلوغ الحالة التي هي عليها اليوم علاقات اليمن والسعودية هو توافق الرؤى الفكرية السياسية، والبعد الاستراتيجي الذي يجري عليه إدراك الأمور بين قيادتي الدولتين، والذي بات يمثل محور انطلاق مختلف البرامج والخطط التي يتجاذب اطرافها البلدان بدءاً من قطع دابر الاشكاليات التي كانت تثيرها الخلافات الحدودية بفعل الحالة المعروفة لعلاقات التكوينات القبلية المتراصة على امتداد الحدود بين البلدين، ووصولاً إلى الاستثمار الأمثل للتداخل الطبيعي للجغرافيا والتراث الثقافي والاجتماعي للبلدين، وبما يحقق مصالح أكبر للطرفين، واستقراراً أكبر هما بأمس الحاجة إليه في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها المنطقة. فليس من غرابة في أن تقود المملكة العربية السعودية الحشد الخليجي إلى مؤتمر المانحين في لندن المخصص لتأهيل اليمن للاندماج بمجلس التعاون، لكن الغرابة ستكون لو لم تفعل ذلك نظراً لثقلها الإقليمي، وما يترتب عن ذلك من مسئوليات تناط بها، ولأهمية هذا التأهيل بالنسبة لها سواء على صعيد اقتصادي أم أمني أم من ناحية الارتباطات القومية التي تفرض صيغ توافق وحدوية تكاملية على جميع الدول العربية.. فاليمن بالنسبة للمملكة تمثل عمقاً استراتيجياً في غاية الأهمية، وقد ظل هذا العمق على مدى التاريخ يعكس ظروفه على المملكة كما هو الحال مع بقية دول الخليج العربي، إلا أن طول خط التماس السعودي مع اليمن يجعلها في مقدمة المهتمين بكل ما يدور من تطورات على الساحة اليمنية.. وهو أمر تدركه القيادة السعودية منذ أمد بعيد، حتى أننا عندما نتصفح التاريخ نجد أن السعودية في السبعنيات كانت تتكفل بنحو «80%» من الميزانية العامة للدولة اليمنية، وكانت الكثير من الصفقات التجارية «عسكرية/ تنموية» تبرمها السعودية وبتمويل منها، وقد شكلت حينها عماد وقوف الدولة اليمنية. وفي الحقيقة إن المعادلات لم تتغير كثيراً في الوقت الحاضر، غير أن اليمن تنامت مواردها وأصبحت قادرة على الوقوف على أقدامها، في نفس الوقت الذي واصلت المملكة دعمها السخي لمشاريع البنية التحتية اليمنية. وكما هو معروف للجميع أن علاقة الرئيس صالح مع جلالة الملك عبدالله موصوفة بالتميز منذ عهد سابق، كما أن الانطباع العربي العام عن شخصية خادم الحرمين الشريفين هو أنه رجل «قومي» و «عروبي» هكذا يعرفه الشارع العربي، وكان لطلوعه عرش المملكة مبعث تفاؤل بتعزيز التوجه القومي للأمة خاصة في ظل الجرأة التي يتمتع بها.. ومن هنا أصبح وجود هذين الزعيمين اليمني والسعودي في المنطقة مصدر قوة لها، ومؤشراً واعداً بأن الحالة العربية ستأخذ بالتعافي.. وهو ظن في محله، ونراه اليوم يتجلى بوضوح في الحماس الشديد لاحتضان مبادرات تأهيل الاقتصاد اليمني، وفي المواقف السياسية من مختلف قضايا الأمة المصيرية، وفي التحولات الديمقراطية، والسياسية التي انفتحت عليها بلدان الجزيرة العربية، وكل بما يوافق خصوصيات بلده.