تمكنت الولاياتالمتحدة حتى الآن من إدراج خليط غير متجانس من المنظمات والهيئات والمؤسسات والجمعيات والأحزاب والأفراد تحت مصطلح الإرهاب. وآخر المدرجين في قائمة الإرهاب الأمريكية البدو الرحّل في الصومال الذين تلقوا غارات جوية أمريكية خلال تجمعهم في إحدى ليالي البرد القارس حول نار أشعلوها ليدفئوا أجسامهم النحيلة التي أضناها ترحالهم في سبيل البحث عن الماء والكلأ لهم ولمواشيهم، ومن الآن فصاعداً على جميع البدو الرحّل في الجزيرة العربية وشرق أفريقيا وكذا في غرب أفريقيا ان يستعدوا للويل الذي سيلحق بهم من قبل أمريكا بعد ان ساقتهم الأقدار إلى قائمة الإرهاب!!. وإذا كانت الولاياتالمتحدة قد سنّت لنفسها المبررات التي تجيز لها الخروج على كافة القوانين الدولية والإنسانية والتصرف وفق مقتضيات رؤية البيت الأبيض لما يسمى "مصلحة الأمن القومي الأمريكي" فإن الأمر غير المبرر والمستغرب هو موقف القيادات الصومالية تجاه الغارات الأمريكية على بلادهم وقتل مواطنيهم قتلاً جماعياً وحشياً. لقد شجع أولئك القادة الولاياتالمتحدة على مواصلة قتل المواطنين الصوماليين، ومنحوها الحق في استباحة الأراضي الصومالية بكل الوسائل والطرق التي ترغب فيها!!. ولا نعلم كيف سيكون هؤلاء القادة في المستقبل القريب حكاماً مسئولين عن بلادهم ومواطنيهم، لو كان القتلى من زعماء المحاكم والقاعدة لما استهجنا مواقف المسئولين المنتظرين، ولأيدناهم على مواقفهم الحريصة على استقرار الصومال وإعادة الأمن إليه، ولكن للأسف فقد كان القتلى هم من البدو الرحّل بحسب شهادة منظمة انسانية بريطانية؛ وهي شهادة لا يمكن التشكيك فيها. ويبدو ان أسوأ أنواع الصراع هو الصراع على السلطة الذي يتجاوز كافة الحواجز والضوابط الأخلاقية والإنسانية، ولعل في الشواهد التاريخية من القديم والحديث ما يؤكد هذه الحقيقة، أما الولاياتالمتحدة التي يقترن اسمها اليوم بالبلطجة والخروج على القانون، واضطهاد الشعوب الفقيرة والتعصب الأعمى وإلغاء الآخر وتحقير الشعوب، وغير ذلك من القيم السالبة التي تشوّه الصورة الجميلة التي رُسمت لأمريكا وللشعب الأمريكي في أذهان الشعوب الأخرى وخاصة شعوب العالم الثالث منذ عدة عقود فإنها بحاجة إلى مراجعة أوضاعها ومواقفها الداخلية والخارجية بشكل عام وذلك حتى تدرك إلى أي مدى استطاع الرئيس الحالي جورج بوش أن ينحط بتلك القيم الإيجابية، بل يدمر تلك القيم التي ميزت الشعب الأمريكي عن غيره من الشعوب الأخرى. لقد كانت أمريكا تسمى «أرض الحلم» وكان كل فرد في العالم يتمنى أن يحقق ذلك الحلم بالعيش في أمريكا، كانت أمريكا تستهوي قلوب المحرومين من رغد العيش في بلدانهم والمحرومين من الاستقرار والمحرومين من الحرية والمحرومين من العيش الكريم والمحرومين من العدالة والديمقراطية والمحرومين من التعليم والحقوق الإنسانية والمساواة، كان كل هؤلاء المحرومين في بلدانهم يقصدون أمريكا لتعويض ذلك الحرمان، وكان كل إنسان تطأ قدمه أرض الحلم يجد نفسه في أمان واستقرار ، وإليه تأتي حقوقه المادية والأدبية من غير عناء. لم يكن المجتمع الأمريكي يعرف التعصب ولا الحقد، ولا العنصرية، وكان كل إنسان من غير الأمريكيين يستطيع ان يعيش بينهم ويتمتع بكافة حقوق المواطن الأمريكي من غير تمييز على العرق أو الدين أو البلد؛ ولكن تكبُّر الرئيس بوش وشعوره بالعظمة المطلقة وعنصريته وغباءه؛ كل ذلك أسهم في التحطيم السريع للقيم الأمريكية الإيجابية التي على أساسها تأسست الدولة الأمريكية العظمى ووصلت إلى ما وصلت إليه. قد يقول المعترضون على هذه الأفكار ان الإرهابيين هم الذين دفعوا ببوش وإدارته إلى مثل ذلك وإن بوش إنما ردّ على الاعتداء على بلاده، ونحن نقول لهؤلاء: إذا كان بوش يفعل ما يفعل بقصد الرد على الاعتداء على بلاده؛ فهل اكتفى فعلاً بملاحقة وقتل وسجن أولئك الذين ناصبوه العداء من بعض الجماعات التي عبرت عن استيائها من مواقف الولاياتالمتحدة تجاه قضايا العرب والمسلمين بتلك الطريقة الغبية والمهلكة، هل اكتفى بوش بمحاربة هؤلاء؟!. لم يفعل ذلك.. بل قاده زهوه وعظمته إلى اجتياح بلدان كاملة وقتل مئات الآلاف من مواطني تلك البلدان الأبرياء وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمتها، والتعدي على مقدسات وتراث تلك البلدان، والدفع باتجاه تعميق الكراهية بين شعوب الشرق والغرب، ولم يكتف بوش بتوجيهاته المدمرة على مستوى سياسته الخارجية؛ بل انقلب على ثوابت الشعب الأمريكي تجاه التعايش السلمي بين الشعوب والتسامح والحرية والمساواة والعدالة والديمقراطية. وراح بوش يسن قوانين جديدة تحد من الحريات وتؤجج مشاعر الكراهية تجاه الآخر وتبث روح الخوف من الآخر وتشجع على العنصرية؛ وهكذا مضى بوش ولايزال في تحطيم الحلم الأمريكي وإزالة القيم التي شيدت الحضارة الأمريكية، ولا ندري إلى أين سيهوي بمستقبل هذا البلد العظيم الذي كان مأوى لكل فقير وملاذاً لكل من ينشد الأمان، وحلماً لكل من ينشد الحياة الكريمة المستقرة والمستقبل المفعم بالأمل. أخيراً فإن شعوب العالم الثالث تتقدم إلى السيد بوش وإدارته الحكيمة بمطلب بسيط وفي متناوله تلبيته وهو ان يعترف ان لهذه الشعوب حقاً في العيش في هذه الحياة مثل تلك الشعوب التي تتمتع بهذا الحق الذي منحه الله سبحانه وتعالى لجميع خلقه.